الأمية في الديمقراطية
تطمح الشعوب لنيل حقوقها عبر نظام ديمقراطي يضمن لكل ذي حقٍ حقه، ولا يُغبن أحداً وكل ذلك بطريق سلمي جميل دون اللجوء إلى العنف أو التهديد به أو أرهاب الآخر بغية الحصول على المطاليب حتى وإن كانت مطاليب شرعية لا غبار عليها، لكننا في العراق لدينا الأمر مختلف فغالبا ما نلجأ إلى آخر العلاج الذي هو الكي بغية حصولنا على مبتغانا بأسرع وقت ممكن، وهذا أمر يخالف العُرف العالمي لحقوق الإنسان وللمسيرة الديمقراطية السليمة التي تلجأ إليها الدول المتحضرة .. المتقدمة التي يكون الإنسان لديها هو القيمة العضمى التي تحافظ عليه بل تطوره ليحقق الرُقي الذي تنشده هذه الدول.وهذا الحال المختلف لدينا في العراق لم يأتِ هكذا من فراغ بل حتما يوجد في الواقع ما يجعل من العراقي سريع الغضب، عجولا ولا ينتظر أبدا ويكون السيف أو البندقية أو السكين أو الحربة أسرع ما يكون إلى يده عندما يشعر أن خطرا ما يهدد مصالحه، وتغيب عنده الحلول العقلية التي ممكن حل معظم المشاكل إن لم تكن كلها بالتراضي والتفاهم حتى يخرج الطرفين وهم أصدقاء لا يوجد ما يفرقهم. ولعل هذا الحال الذي هم عليه العراقيون جعل من العراق مرتعا لأطماع قوى خارجية منذ القِدَم، فنجد أن أرض العراق كانت مسرحا لغزوات قوى مختلفة ولم يهدأ مطلقا حيث تسيطر عليه قوات من الشرق أو الغرب لتتحكم برقاب أهله ويشربون من كأس المرارة حتى الثمالة، ومن هنا نجد أن السائد في الأغاني العراقية هي نبرة الحزن والمواويل والأبوذيات والسويحلي أو العتابة وكلها بألحان تدخل الهم إلى القلب وتجعل من الدموع تأتي مِدرار لأن الظلم موجود والحزن موجود وكذلك القهر، وعندما لا تستطيع دفعه تلجأ إلى أضعف الإيمان الذي هو ندب الحظ والبكاء على الأطلال، هذه الحال أثرت سلبا على النفس العراقية وربما أيضا للجو الحار جدا صيفا وللصيف الطويل وللحاجة المستمرة للأجهزة التي هي خارج يد الغالبية من العراقيين بغية تكييف الأجواء، فتلك وهذه وربما غيرها جعلت من العراقيين سريعي الغضب، ويعملون بأقصر الطرق للوصول إلى هدفهم للحصول على مبتغاهم، حتى غدت المقولة الشعبية (أحنا ما تصير ألنا چارة) شائعة بين الناس وكأن الأمل فُقد من العراقيين ولا يمكن أصلاح حالهم مطلقا.
هذه المقدمة سقتها كي أدخل إلى واقع عراق اليوم الذي يفترض أنه سَلك مَسلكا ديمقراطيا صحيحا منذ ما يقرب من خمس سنوات أي ما بعد ربيع 2003، لكننا نجد وبعد خمس سنوات مِن التَمامِ والكَمال من الممارسات (الديمقراطية) تلجأ هذه القوة أو تلك أو هذا التكتل أو غيره مما شاع من تسميات التي امتلأت بها الساحة من التكتلات والتيارات والأحزاب ربما لو جمعناها لتجاوز عددها ما موجود في بلدان عديدة!!! هذه وبغية أثبات وجودها ولأن المناقشات البرلمانية تأخذ وتعطي وتستمر ويتم اتخاذ القرارات وتنقضها السلطة الأعلى ومن ثم يتم أعادتها بغية تصليح سبب النقض الأمر الذي يستغرق وقتا وجهدا ويتطلب الانتظار وطول البال والخلق الذي لا تراه عند أهل العراق بسبب الظروف التي سبق وذكرناها، وهنا يُثبت العراقيون أنهم أميون في الديمقراطية ومسالكها وممكن أن يقوضونها بلحظة انفعال تماما كما فعل أحد القادة يوما ومن لحظة انفعال واحدة ماسكا بمنفضة للسكاير أراد رمي غريمه السياسي الآخر وأشعلَ حربا ما زلنا نعاني منها، ولو كان ذلك السياسي قد تمالك أعصابه واستخدم ما وفر له الله من عقل وقدرات للتفكير واللف والدوران لكنا قد تجنبنا الكارثة التي أوصلتنا إلى حال اليوم، بحيث زادت من تعقيدات حياتنا وتم تدمير كامل بنانا التحتية وأصبحنا نتحسر على أيام الجوع لأن الأمن كان وقتها موجودا!!!
واليوم ليس بأفضل من البارحة، فديمقراطيوا اليوم ليسوا بأفضل حال من ديكتاتوريوا الأمس، فهؤلاء أيضا لا يهمهم كم سيُقتل أو كم من المقابر الجماعية ستضاف إلى ما كان موجود أصلا في العراق ويحاولون الالتفاف على الديمقراطية تحت مسميات جديدة: عصيان مدني، وياريت لو كان هكذا لأننا فورا نجد القاذفات تخرج والبنادق والعناصر المدججة بأحزم من العيارات النارية لتُرعب الناس، ومن هؤلاء الناس؟ بالتأكيد هم ليسوا سوى أخوة لهم يرعبونهم وربما يقتلونهم، إن لم يطبقوا شريعتهم بأغلاق المحال وقطع الأرزاق و و و ... وهذا الشعب كيف يعيش؟ ليس المهم ، لأن المهم هو أن يطبق سياسة هذا التكتل أو ذاك الحزب او التيار، لأن طروحات هذا أو ذاك يجب أن تمشي، ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم، وكنا نستهزيء بدول متقدمة عندما نجد برلمانييها يستخدمون الأيدي في العراك داخل قبة البرلمان، لكن الشعب يعيش مرتاحا ومطمئنا ولا تنتقل تلك الاشتباكات خارج القبة، لكننا نجلس تحت قبة البرلمان وربما لا نستخدم اشتباكات بالأيدي لنبدو للعام كبرلمان متحضر، لكننا نستخدم الأسواء خارجه، فلم يمض يوما دون أن تعثر الشرطة على جثث مجهولة!!!
فمن أين يأتي هذا المجهول ليتحول إلى جثة؟ وفي ضل نظام ديمقراطي!! سؤال يبقى يبحث عن إجابة في هذا العراق الذي أصبح دمويا ووضعه العام يُبشر بغيومِ سوداء مقبلة في كل زمان من أزمنته الحاضرة أو المستقبلية لأن مَن يُمارسون فيه الديمقراطية بينهم من لا شهادة دراسية علمية أو أدبية ربما له إنما وصل إلى ما هو عليه عن طريق المحاصصات الطائفية أو ليكون للمرأة مثلا نسبة 25% من المقاعد أو لكون لديه شهادة في الشرع أو ... وتعددت الأسباب والحال واحد!!! لنجد الحال هو أمية كبيرة وميئوس منها بين صفوف نخبنا السياسية، ولم يستفيدوا حتى من دروس الدول التي سبقتنا والذين كانوا يقضون معظم غربتهم بين حناياها ويشاهدون تلفزيوناتها ويقرأون صحفها ويستمعون إلى تحليلات ساستها!!! لكن يبدو أنهم كانوا يُدخلون المعلومة من الأذن اليمنى لتجد مخرجا لها عبر اليسرى، وإلا ما هو التفسير لهذا الجهل؟ ولماذا نلجأ إلى السلاح ونحن نطبق ديمقراطية صناديق الاقتراع؟ وكم سننتظر لكي يكمل سياسيونا تعليمهم في هذا المجال ويشرعون بالخطوة الوثقى الأولى في هذا الاتجاه؟
اسئلة كثيرة تدور في البال لكن المقولة تقول: ناديت إن أسمعت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي، فمن له عيون تنظران ليقرأ، ولتسمع آذانه ما يحل بنا وينشر ذلك لأصدقائه لأن في العراق شعب قد ينقرض يوما لأن المعارك مستمرة وربما نحن اليوم نخوض غمار أولاد المعارك التي ذهبت أمهم دون رجعة بذهاب نظامها ومسلسل معاركنا مستمر وكل معركة والعراقيون يتقلصون والله يستر