Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الأنبار..صمتٌ بعد ضجيج

                    

   انتهت جلسة الاستماع بحضور الشهود، وأصدرت المحكمة قرارها بحق المتهم.

   خيَّرهُ القاضي بين احد ثلاثة احكام:

   فأما ان يأكل صندوقا من البصل.

   او ان يُجلد ١٠٠ جلدة.

   او ان يُعدم شنقا حتى الموت.

   فكَّر المتهم قليلا ثم اختار ان يأكل البصل ظنّا منه بانه ايسر الأحكام، ولكنه ما ان بدا بأكل البصل حتى شعر وكأن روحه بدأت تخرج من انفه، فصاح بالسجان: لقد غيّرتُ رأيي، اجلدني مئة سوط، فقد يكون هذا الحكم ايسر عليّ من أكل البصل.

   بدا السجّان يجلد المحكوم عليه، وهو يعدُّ العصي على جسمه، وما ان وصل الى الجلدة الاربعين حتى صرخ الجاني قائلا:

   هات حبل المشنقة واعدمني، فالموت، على ما يبدو، أيسر الأحكام.

   وهكذا، اخيراً، اختار المحكوم عليه الأحكام الثلاثة بسبب سوء التقدير وقلة التدبير والاستبداد بالرأي، ولم يستفد من الفرصة.

   تذكرت هذه القصة وانا استمع يوم امس الى خطاب السيد رئيس مجلس الوزراء في جمهورية العراق في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار التي تشهد عمليات عسكرية واسعة النطاق ضد الارهاب في حرب أعلنها قبيل مناسبة الاربعين في كربلاء المقدسة، وظننت انه سيعلن عن انتهائها امس في خطابه، بعد ان سمعناه يقول في اكثر من خطاب خلال الشهرين الأخيرين انه [قد حان الوقت للقضاء على (داعش)!!].

   فما الذي جرى ويجري في هذه الحرب؟ لماذا سمعنا بلاغ الإعلان عنها ولم نسمع، لحد الان، بلاغ وقفها؟ لماذا صكّت أسماعنا كلماته وهو يعلن عن بداية الحرب وكل أكفّنا ارتفعت الى السماء بحضور قلوبنا وأرواحنا للدعاء بالنصر، ولكننا الى الان لم نسمع او نرى بشائر النصر؟.

   هل ظنّ انّ الحرب هناك (أكلة بصل) سهلة كوجبة سريعة ثم يخطف النصر ليوظّفه في حملاته الانتخابية؟ ثم فكر في ان يختار بعض جلدات وسط الضجيج من دون ان يشعر به احد، ليتجرع السم في نهاية المطاف في خلسة من الليل والناس نيام؟.

   ما الذي يجري هناك؟ أوليس من حقي، كمواطن ان اعرف ماذا يجري هناك؟ بعد شهرين من حبس الأنفاس والانتظار، بقلق، على احر من الجمر؟.

   لقد بدأت المعركة في الصحراء لتنتقل الى الرمادي اذا بالإرهابيين يسيطرون على الفلوجة لنستيقظ اول من امس على خبر سقوط مدينة سليمان باك بأيديهم ثم لنسمع ان المعركة انتقلت الى الموصل ليسيطر الإرهابيون على عدد من البلدات، فيما ظلّ الارهاب ينشر الموت والتدمير والخراب في العاصمة بغداد، وبوتيرة اسرع وأوسع واكبر وأكثر، وكل ذلك، ولا زال خطابه يكرر نفس العبارة [لقد حان الوقت للقضاء على (داعش)] فما الذي يجري هناك؟.

   أوليس من حقي ان اعرف نتيجة هذه الحرب القذرة التي يشنها الارهاب على بلدي وشعبي؟ او ليس من حقي ان اعرف الثمار التي اقتطفها العراق من هذه الحرب؟ فبعد ان اعلن المجتمع الدولي، مؤسسات وحكومات، تأييده المطلق للعراق في هذه الحرب، وبعد الإعلان رسميا عن وصول مختلف الأسلحة التي يحتاجها العراق في هذه الحرب، من الشرق والغرب، وبنتائج هي كالتالي:

   ٣٠٠ الف نازح

   آلاف الشهداء والجرحى من ابناء القوات المسلحة الباسلة.

   مقتل واعتقال الآلاف المؤلفة من الارهابيين.

   مصاريف وخسائر فاقت المليارات.

   تدمير هائل في عدد من المدن والأقضية.

   وفي الاثناء، ظلّت أكف العراقيين تصفق للانتصارات التي يزفها لهم اعلام الحكومة، وسط رفض قاطع لكل من يتقدم بمبادرة او ينتقد أداءا والإسراع في تخوين هذا وتوصيف ذاك، خوفا على معنويات (الحكومة) فيما ظل المقرّبون والاقربون والمستشارون ينشرون المقالات التي تبرر تارة وتحذر اخرى وتهدد ثالثة وتطعن رابعة.

   بعد كل هذا لم نسمع منه في خطاب الأمس ما يشير الى انتهاء العمليات العسكرية بالكامل بعد ان حققت النتائج المطلوبة وتم القضاء على الارهاب، بل على العكس من ذلك، فلقد سمعنا فقرات مبعثرة من مبادرة غامضة كانت قد جاءت متفرقة على لسان وفي مبادرات اكثر من طرف سياسي وآخر دولي، زاد عليها ما يُرعب ويُخيف ضحايا الارهاب، ويُرضي الحواضن!.

   هذا يعني ان الحرب لازالت مستمرة الى اجل غير محدد، وان الارهاب لازال معشعشا في حواضنه الدافئة، فما الذي جرى خلال الشهرين الماضيين إذن؟.

   اين الخلل، إذن؟ وأين التقصير او القصور، إذن؟.

   هو احد ثلاثة احتمالات:

   *فاما انه بدا الحرب بناء على استشارة سيئة، فكان ما كان.

   *او انه بدأها بناء على معلومة خاطئة وغير دقيقة، فكان ما كان،

   *واما انه بدأها بالاعتماد على حسابات عسكرية وسياسية غير دقيقة اعتمدت على وعود كاذبة من قادة او رسائل إقليمية او دولية.

   *او انه، بالأساس، أعلنها كدعاية انتخابية وقد ظن الان انها أتت أكلها فتقدم بهذه المبادرة، كمحاولة منه للهرب الى الامام.

   في كل الحالات، لابد من ثمن يجب ان يدفعه احدهم، هو، او احد مستشاريه، او احد القادة العسكريين او الأمنيين، فليس من المعقول ان نشهد كل هذه الحرب وتداعياتها من دون نتيجة، ومن دون ان يتحمل مسؤوليتها احد، الا اذا سلّمنا بانه قاد عاد، مرّة اخرى، زمن الحروب العبثيّة، في الوقت الذي من المفترض ان يكون قد ولى زمن الانسحابات التكتيكية وزمن التلاعب بالمصطلحات لقلب الحقائق وزمن تضليل الشعب بالأعلام وبالأزمات وما أشبه حتى لا ينتبه الى ما يراد له.

   فهل بدأنا القهقرى؟ ام ماذا؟.

   ١٦ شباط ٢٠١٤ 

 

Opinions