الأوضاع الخطيرة في الموصل تتطلب إجراءات جذرية عاجلة
الأوضاع في محافظة الموصل خطيرة جداً، والخطورة هذه ليست وليدة اليوم، أو قبل أيام أو بضعة أشهر كما يتصور البعض، بل هي قد بدأت منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، وسقوط نظام الطاغية صدام حسين، ودخول قوات البيشمركة الكردية في المدينة، واندلاع النشاط الإرهابي لقوى القاعدة القادمة من وراء الحدود، وحلفائها الصداميين الذين أفاقوا من الصدمة التي أصابتهم جراء احتلال القوات الأمريكية للعراق، ونهاية نظام البعث الفاشي الذي جثم على صدور العراقيين خلال 35 عاماً كالحة السواد.وبدأ الصراع الرهيب في هذه المحافظة الكبيرة ذات الموقع الاستراتيجي
الهام بالنسبة للعراق، فهي ثاني مدن العراق أولاً، وهي صلة الوصل بين العراق ودول أوربا بالإضافة إلى سوريا وتركيا وإيران، كما أن الموصل تتمتع بثروة نفطية هائلة ومختلف الثروات المعدنية الأخرى، ومناطق زراعية شاسعة ومياه وفيرة.
وبسبب إهمال الحكومات التي تتالت على السلطة بعد الاحتلال، وإهمال قوات الاحتلال معالجة الأوضاع التي أخذت بالتدهور يوماً بعد يوم حتى باتت مسرحاً لنشاط هذه العصابات والميليشيات الإجرامية، وانفلات الوضع الأمني، وأصبحت هذه العصابات والميليشيات هي سيدة الموقف في المحافظة دون منازع، وبات المواطنون الموصليون يعيشون في جو إرهابي لا يحتمل، ولم يعد المواطن يأتمن على حياته ولا بيته، فالتفجيرات والاغتيالات والاختطاف والقتل وابتزاز المواطنين يتصاعد يوماً بعد يوم ، وباتت أجهزة الشرطة والجيش كلها مخترقة من قبل تلك العصابات والميليشيات، والتي أخذت تعيث في المحافظة فساداً وإجراماً، وقد نال الأخوة المسيحيون والتركمان في تلعفر، والأيزيدية في سنجار جانباً كبيرة من الجرائم التي ارتكبتها هذه العناصر وذهب ضحيتها الألوف من المواطنين الأبرياء.وأصبحت الحياة في المحافظة جحيماً لا يطاق.
وعلى الرغم من إرسال الحكومة هذا العام قواتها العسكرية لمعالجة الوضع المتدهور في الموصل، فإن إجراءاتها اصطدمت بمعوقات تتعلق بالتوازنات في قمة السلطة حيث يتقاسم التحالف الكردي والائتلاف الشيعي هذه السلطة، وحيث يتقاسم التحالف الكردي السلطة في الموصل، ويرفض تشكيل قوات الصحوة من العشائر العربية، وحيث قوات البيشمركة تمارس نشاطها في المحافظة وكأنها جزء من منطقة كردستان. كما أن الفرقة الثانية المتواجدة في المحافظة مخترقة من قبل الميليشيات الكردية.
إن القيادة الكردية قد ركزت جهدها منذ سقوط نظام صدام، ودخول قوات البيشمركة المحافظة، ومدينة الموصل على وجه الخصوص، للسيطرة على مناطق واسعة من المحافظة بذريعة ما تسميه بالمناطق المتنازع عليها!!
والتي تشمل سهل الموصل الواسع ومنطقة سنجار وتلعفر وضمها إلى ما يدعى بفدرالية كردستان مستغلة الدعم الأمريكي وقوات الاحتلال من جهة، وضعف الحكومة التي تتنازعها الخلافات بين تياراتها المختلفة، وقد بلغ الأمر أن سيطرت قوات البيشمركة على مناطق [الحمدانية] و[بعشيقة] و[برطلة] و[بحزاني] و[القوش] و[ الشيخان ] و[الرشيدية] وحتى[ الجانب الأيسر من مدينة الموصل] مدعية أنها جزء من كردستان، وهي مناطق تسكنها أغلبية مسيحية وعربية، وتمارس البيشمركة ضغوطات شديدة على سكان هذه المناطق لإخضاعهم لدولة كردستان العتيدة.
وليست الحملة التي تعرض لها المسيحيون في الموصل أخيراً والتي أدت إلى تهجير أكثر من 1000 عائلة مسيحية، واغتيال 11 مواطناً مسيحياً وحرق العديد من البيوت بعد التهديدات التي تلقوها بمغادرة المدينة بمعزل عن خطط القيادة الكردية بتكريد سهل الموصل، كما أن ما جرى من جرائم ضد المواطنين في سنجار وتلعفر يرتبط تماماً بالمشروع الكبير الذي تسعى لتحقيقه القيادة الكردية مستغلة الوضع الهش للسلطة العراقية لتحقيق أقصى ما تستطيع من المكاسب على الأرض حتى وصل بها الأمر إلى السيطرة على المناطق النفطية في محافظة الموصل.
لقد بلغ التدهور في أوضاع الموصل درجة قصوى، وبات على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها وتسارع إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإيقاف هذا التمدد الكردي في محافظة الموصل من خلال إعادة سلطة الدولة، وتحقيق الأمن والنظام العام في المحافظة من خلال الإجراءات التالية :
1ـ إعلان حالة الطوارئ في محافظة الموصل، وحل السلطة القائمة فيها ، وتشكيل سلطة مؤقته من أبناء الموصل الحريصين على عروبتها وعلى وحدة العراق، ريثما تجري الانتخابات الجديدة في كانون الثاني 2009 .
2ـ أجراء تنقلات لقوات الجيش المتواجدة في الموصل والتي تضم جانبا كبيراً من قوات البيشمركة، والاستعاضة بقوات من مناطق أخرى.
3ـ الأمر بسحب كافة قوات البيشمركة من محافظة الموصل إلى حدود المنطقة التي كانت فيها قبل الغزو الأمريكي للعراق [حدود دهوك].
4 ـ إعادة النظر بقوات الشرطة الحالية وإخراج كافة أفراد ميليشيات الأحزاب الكردية، وتشكيل قوات شرطة جديدة من أبناء الموصل.
5 ـ المسارعة بتشكيل قوات الصحوة من العشائر العربية في المحافظة كي تتولى إلى جانب قوات الجيش ملاحقة قوى الإرهاب من عناصر القاعدة والقوى الصدامية، وقد أثبتت قوات الصحوة قدرتها على ملاحقة عناصر القاعدة وكل القوى الإرهابية الأخرى وسحقها.
6 ـ تأمين الحماية اللازمة لأبناء الطائفة المسيحية ودور العبادة التابعة لها بشكل فاعل والعمل الجدي والسريع لعودة العوائل المهجرة إلى مساكنها،
والكشف بجدية عن من يقف وراء جرائم تهديد وقتل وتهجير المسيحيين، وحرق دورهم مهما كانت انتماءاتهم وتقديمهم للعدالة لينالوا العقاب الذي يستحقونه.
7 ـ تأمين الحماية الكافية للمواطنين والأيزيديين في سنجار والتركمان في تلعفر، وإبعاد قوات البيشمركة عن هذه المناطق، وتشكيل قوات شرطة من نفس أهالي المنطقة تتولى حماية الأمن والنظام فيها.
8ـ التحقيق الجاد لكشف من يقف وراء جرائم الزنجيلي في الموصل وتلعفر وسنجار التي ذهب ضحيتها أكثر من 1000 مواطن برئ، وعرض نتائج التحقيق على الرأي العام العراقي، وتقديم من نفذ تلك الجرائم، ومن يقف وراءهم للعدالة لينالوا جزاءهم العادل.
إن الحكومة العراقية الحالية مدعوة وعلى وجه السرعة بتولي زمام الأمر في محافظة الموصل، والمحافظة على عروبتها وعراقيتها، ومنع أية محاولة لسلخ أي جزء منها بحجة ما تدعيه القيادة الكردية بالمناطق المتنازع عليها، البارحة في خانقين وجلولاء واليوم في الموصل وغداً في كركوك وبعد غد في بدرة وجصان، وقد تصل طموحات القيادة الكردية إلى بغداد التي يسكنها أكثر من مليون مواطن كردي وربما حتى ميناء الفاو باسم الفيدرالية التي خرجت عن كل مضامينها وأهدافها، والتي باتت تثير الشكوك لدى الشعب العراقي من أطماع القيادة الكردية، وعلى القيادة الكردية أن تدرك أن من يسعى للاستحواذ على كل شيء، مستغلا الظروف العراقية الصعبة، سيخسر في النهاية كل شيء.
إن هذه الطموحات التي لا حدود لها للقيادة الكردية لن تقود الشعب العراقي إلا إلى الحرب الأهلية والخراب والدمار، وهي بكل تأكيد لن تخدم الكرد والعرب وسائر القوميات الأخرى ، بل ستقودهم إلى المجهول، وإلى الكوارث والمصائب التي لا حدود لها.
إن على الشعب الكردي الشقيق أن يدرك أن حاضنته الحقيقية هو العراق وشعب العراق، وأن الحفاظ على روابط الأخوة بين العرب والكرد وسائر القوميات الأخرى المتآخية، وتمتين عراها، والنهوض بالعراق هو السبيل لتحقيق حياة كريمة مرفهة للجميع، وأن ثروات العراق إذا ما تولتها أيادٍ أمينة لحكومة مخلصة لقادرة على تأمين أرقى مستوى معيشة لكل المواطنين بمختلف قومياتهم وأديانهم وطوائفهم في ظل عراق ديمقراطي موحد وحر مستقل.