Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الاستعصاء

لا توجد ابلغ من كلمة (الاستعصاء) للتعبير عن الأزمة الخانقة التي يعيشها العراق خلال الفترة الحالية، هذه المفردة التي أنتجها الفكر السياسي العراقي، ولم يختلف السياسيون في استخدامها. فالاستعصاء تعبير بالغ التكثيف، عن حالة العجز الواضح في إيجاد مخارج وحلول ممكنة، لو تخلى بعض المتنفذين عن مصالحهم الشخصية وتساموا على الحزبية والفئوية الضيقة، ووضعوا مصالح البلد العليا فوق هذه الاعتبارات التي كانت من بين أسباب الأزمة وتفاقمها، وبهذا أصبحت برامجهم التي تنافسوا فيما بينهم من خلالها، وتصريحاتهم التي أغدقوا فيها ادعاء الحرص على الوحدة والوطنية والمصلحة العامة، فاقدة للمصداقية.



لم تتوقف تداعيات الأزمة الشاملة على الوضع السياسي الذي يزداد توترا، سيما وان الخلاف تمظهر على كرسي رئيس الوزراء، لكنه تركز على السلطة والمال والنفوذ. فقد برزت جملة من المخاوف المقلقة حول تدهور الوضع الأمني، وعودة العنف، إلى جانب نقص الخدمات الذي بات يؤرق الشارع العراقي بمجمله، ولا توجد منطقة واحدة في العراق لم تشكُ من تدهور الخدمات وتراجعها، فيما يحاول الليبراليون الجدد استغلال الأوضاع الصعبة لتمرير قرارات اقتصادية بالغة الخطورة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ومنها خصخصة مرافق إنتاجية وخدمية حيوية في قطاعات الطاقة والنقل والصناعة.



لا تبدو في الأفق فكرة ما تبشر بحل يتم الاتفاق عليه من قبل الكتل المتنفذة، تسهم في خلق حالة انفراج يفتح الطريق أمام مسيرة العملية السياسية التي تعسّرت، بل ان القادم ينذر بالشؤم، فلم تكن الجمل التي يرددها المواطنون من قبيل: (البارحة أفضل، واليوم أحسن من الغد) هي للتندر، بل للتعبير عن الخشية من قادم الأيام، خاصة وان القلق من انسداد آفاق الحلول في اتساع، فيما يجهد بعض المتنفذين، في ابتكار مخارج لا تتجاوز الأزمة بل تدور حولها، وتعيد إنتاجها. وجل التفكير هو في كيفية تقاسم السلطة، لا غير، في وقت تبددت فيه ادعاءات التمسك بالدستور واحترام بنوده وعدم خرقها. فقد اتسعت الخروقات، وأصبحت المخاوف من وضع الدستور الذي صوّت عليه ملايين من المواطنين في متحف التاريخ، في محلها. وربما لم يقف حدود تدهور الوضع عند هذه الانتهاكات، بل تعداها الى ما هو اخطر، فالحديث عن احتمال انقلاب عسكري، هو ليس خيالا، وإنما قد يقدم عليه مغامر ما كأحد مخارج الأزمة، مستفيدا من تمسك القوات الأمريكية بجدول انسحابها، لسد الفراغ الدستوري الذي يتحدث عنه البعض، ونفاد المهلة الدستورية وتجاهل المهل القانونية التي تنظم تشكيل المؤسسات، خاصة بعد تأجيل عقد الاجتماع الثاني من جلسة البرلمان المفتوحة!



ومن جهة أخرى هناك تصريحات الجنرال جورج كايسي قائد قوات التحالف في العراق، التي قال فيها: (أنماط النزاعات التي نخوضها في العراق وأفغانستان، والتي أعتقد بأننا سنواصل خوضها لنحو عقد من الزمن). ويبدو انها ستجد لها موقعا في نفوس من يطرح مسألة إعادة الاحتلال مجددا. وهناك من يطرح إعادة الانتخابات كمخرج دستوري للازمة، اعتقادا منه انها توفر فرصة إعادة ترتيب الخارطة السياسية، وبالتالي إيجاد مخرج عبر آليات العمل الديمقراطي، مستفيدة من الرهان على الفئات الواعية من المواطنين التي عليها ان تلعب دورها السياسي وواجبها الوطني، وتفعيل مشاركتها، وتصعيد نشاطها الضاغط من اجل خلق بديل يضع الأمور في نصابها الصحيح، وذلك بتحويل السخط والتذمر وعدم الرضا عن الأوضاع الحالية إلى اتخاذ موقف حاسم من المسببين للازمة المستفلحة التي وصلت إليها البلاد، يفتح الطريق للخروج من الأزمة وحالة الاستعصاء الراهنة ويدفع بالعملية السياسية إلى الإمام وبما يستجيب لتطلعات الناس من الأمن والاستقرار وتوفير حاجاتهم الأساسية.
Opinions