الاغتصاب ،رواية جديدة للأديب التونسي الهادي ثابت
16/02/2008شبكة اخبار نركال/NNN/مؤسسة شمس للنشر والاعلام/
صدر في القاهرة رواية ( الاغتصاب ) للأديب والروائي التونسي "الهادي ثابت". تقع الرواية في نحو 224 صفحة من القطع الكبير، وقام بتصميم الغلاف الفنان التشكيلي أمين الصيرفي.
يذكر أن الرواية لم تحظ بأي فرصة للنشر لأكثر من عشرين عاماً بسبب جرأتها في تصوير المشهد السياسي والأيدلوجي في تونس في فترة الستينيات، ورصد التحولات السيسيولوجية والسيسيوثقافية التي حدثت في المجتمع التونسي، مما جعل الناشرين يتهيبون من نشرها.
تقول الناقدة والروائية هويدا صالح في قرائتها لـ"الاغتصاب" :
حين تصبح الأيدولوجيا السياسية محركا للإبداع، ينحى الكاتب إلي قراءة التاريخ، فتصبح الرواية مرآة تعكس المشهد الحضاري، يعني الكاتب فيها بالأساس الثقافي الحضاري في تجلياته الاجتماعية والدينية. ربما يكون هذا ما فعله الكاتب التونسي "الهادي ثابت" بعد تجربته الممتدة في مجال أدب الخيال العلمي، كتب الهادي ثابت رواية الخيال العلمي، ونال عن روايته "القرنفل لا يعيش في الصحراء" جائزة كومار الذهبية عام 2004، يطل علينا في تجربة أدبية جديدة هي رواية "الاغتصاب".
وتبدو إشكالية الرواية للوهلة الأولى هي تصوير المشهد السياسي والأيدلوجي في تونس في فترة الستينيات، ولكن الكاتب في الحقيقة يعني برصد التحولات السيسيولوجية والسيسيوثقافية التي حدثت في المجتمع من خلال إجابته عن عدة أسئلة تتعلق بملامح الهوية التي ما زالت مثاراً للجدل.
اهتمت الرواية بتمزيق ستار التأويلات الجاهزة التي يفرضها المجتمع، وهو الستار الذي يَحُول دون استكشاف مجالات التجربة الإنسانيّة التي تُهملها وسائل التأويل الأخرى التي تقدم المعرفة سواء كانت فلسفيّة أو دينيّة أو سيكولوجيّة وغيرها. هذه التأويلات لا تصبح متاحة ومقنعة للمتلقي إلا من خلال الروائي الذي أصبح مطالَباً بأن يرى العالم وبكل دقائقه بعمق ورؤية تختلف عما يراه غيره، كذلك يكون الروائي مطالبا بأن يقول ما لم يقله غيره.
عمد الكاتب من خلال هذا السرد الذي يأخذ من التاريخ بحظ ومن السياسة بحظ إلي أن يشكل صورة عن نفسه ومجتمعه وتاريخه وقيمه وموقعه، إن السرد هو الوسيلة التي يستعين بها الجميع دون استثناء في التعبير عن أنفسهم وعن غيرهم.
قام الكاتب بمناقشة العديد من القضايا التي يمكن اعتبارها بنت اللحظة الراهنة، فهي قضايا مازلنا نناقشها، وتابوهات مازلنا نتحسس طريقنا ونحن نقترب منها.
يقدم لنا الكاتب في روايته عدداً كبيراً ومتشعباً من الشخوص التي تتقاطع وتتوازى لتمثل المشهد السيسولوجي والثقافي للمجتمع ما بين العاتي وعمران وبرهان ووردة وهرقل وفرجاني والإسطمبولي وغيرهم. شخوص سحقتهم الهزائم و الانكسارات بشتى صورها علي اختلاف توجهاتهم. بطل الرواية الذي يمثل الشعب التونسي هو ذلك الشاب العاتي الذي يسجن في أحداث الشغب التي تلت موت الفتي في زقاق حي البرج، يسجن العاتي، ويتعرض للتعذيب بشتي أنواعه حتى يشي بأفراد التنظيم، إلا أنه يرفض أن يبوح بأي معلومات عن التنظيم اليساري الشيوعي، فيتعرض للاغتصاب علي يد معذبيه، ورغم إيمانه الشديد بقيمه ومبادئه إلا أنه يتحول في النهاية نتيجة للهزائم المتكررة والاغتصاب الجسدي والفكري الذي تعرض له.
بعد فشل رحلته عبر التنظيم اليساري يذهب إلي باريس وهناك يقابل واحداً من الأصوليين الذي يتحايل عليه بشتى الوسائل النفسية حتى يستميله إلي فكر مناهض ومغاير تماما لقناعاته السابقة، ثم يعرض عليه أن يسافر إلي باكستان في رحلة تبدو مبهمة، لكن العاتي أمام الضغط النفسي والخيانات التي تعرض لها يقبل بالسفر، ويميل إلي تبني الفكر الأصولي. يتحول من أقصى اليسار إلي أقصى اليمين، يتمّ غسل مخه ويجند من قبل الراديكاليين الأصوليين ويسافر إلي باكستان.
الاغتصاب أخذ في الرواية تجليات وتمظهرات عديدة: اغتصاب الجسد الذي تعرض له العاتي، وتعرضت له أيضا وردة تلك الفتاة التي انخرطت في التنظيم، واغتصاب الروح الذي يتعرض له المجتمع كله.. واغتصاب الفكر الذي تعرض له المثقف...
ينجح الهادي ثابت من خلال سرده الشفاف المملوء بالتحليل والاستنطاق والوصف، في تفكيك وزلزلة الثوابت الراسخة من خلال تركيب صورة خاصة للشخصيات التي تساعده في بناء العالم التخييلي للنص. كذلك نجح الكاتب في رصد تفاصيل المكان بلغة بصرية موفقة.
أما الزمن في الرواية فقد جاء بصورة تراتبية، نما الخط الزمني نمواً متصاعداً منذ لحظة الحدث الأول وهو مشهد قتل الفتى، وحتى المشهد الأخير وهو سفر العاتي إلي باكستان، وكأن الرواية جاءت بين قوسين زمنيين مفتوحين علي نهاية تفتح أفق التوقع لدى القارئ.
وقد أجاد الكاتب استخدام السرد عبر الراوي العليم القادر على الغوص داخل الشخصيات ووصف نزوعاتها وآلامها وأحلامها، كما ساعدته اللغة الشفافة في توصيل المعني فيما يشبه الطلقة الموجهة إلى هدف محدد هو كشف المسكوت عنه في الماضي التونسي والعربي.
* * *
الهادي ثابت
hedithabet@gmail.com
• روائي وأكاديمي ومترجم تونسي.
• خريج جامعة باريس كلية، الآداب، الأستاذية في الآداب الفرنسية المعاصرة.
• أستاذ اللغة الفرنسية وآدابها بالمعاهد التونسية، وبكلية الآداب بالجامعة المستنصرية ببغداد. من سنة 1979 إلى 1982م.
• نال جائزة كومار الذهبي على روايته "القرنفل لا يعيش في الصحراء" سنة 2004.
• منشط بالاشتراك مع الدكتور أحمد ذياب لبرنامج علمي "مسائل علمية" في إذاعة تونس الثقافية.
• مهتم بترجمة أدب الخيال العلمي. ترجم عدّة قصص للكاتب الفرنسي فيليب كورفال.
• ترجم من الفرنسية كتاب علمي استشرافي "الإنسان المتعايش" للعالم الفرنسي جوال دي روني
• يكتب بالجرائد والمجلات التونسية: الصباح، الحياة الثقافية، فسيفساء، المستقبل وغيرها...
- البريد الإلكتروني: hedithabet@gmail.com