الانتخابات الصورية
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق تزدحم الشوارع بالعديد من التساؤلات و علامات الاستفهام حول ماهية البرامج الانتخابية للمرشحين و ماذا يقدم كل منهم لمستقبل البلاد و العباد.لكن يبدو أن تساؤلات هؤلاء الناخبين لم تجد إلى يومنا هذا إجابات على أسئلة طرحت منذ 2003 و هي أسئلة مكررة لواقع مرير يعيشونه هم و أبناؤهم. فالكهرباء و الماء و التعليم و الوظائف و غيرها ما زالت حاضرة في أذهان الشعب العراقي كأمنيات العيد في حين أنها تغيب عن برامج العديد من المرشحين.
و الحاضر الوحيد في هذه الانتخابات هو صور هنا و ملصقات هناك. صور لمن يحنّون على الفقراء في الصور و يعطفون على المساكين في الصور و يحيّيون البسطاء في الصور.
كلها صور و كأننا في معرض لأحد المصورين نختار من الصور أجملها و ننتخبه.
و كأن معايير الانتخابات في العراق تختلف عن غيرها من بلدان العالم المتحضر لتأخذ منحى ً آخر يعتمد على الابتسامة و الشكل اللطيف للمرشح.
و لكن هل يختلف اثنان بأن المرشح ذو العينان الواسعتان له رؤية مستقبلية أفضل من ذاك الآخر الذي تصغر عيناه. أليس من المنطقي أن نختار من أذناه كبيرتان ليستمع لآهات الشعب و معاناته بسبب افتقاره لأبسط الخدمات طيلة سبع سنوات. و لماذا لا نختار صاحب الأنف الكبير الذي يتمتع بقدرة عالية على اشتمام رائحة الفساد الإداري و المالي المستشري في جميع أرجاء البلاد. و أخيرا ً لا نستطيع أن نهمل المرشح صاحب الفم الكبير الذي يتصدى لكل أعداء الوطن بكلماته و خطبه الرنانة فيدافع بها عن حقوق الأطفال و الشيوخ و الأرامل....!
تماما ً كما في قصة ليلى و الذئب فمعايير الانتخاب و التعرف على المرشح المناسب أصبحت معايير صورية تستند إلى ذات المعايير التي ميزت بها ليلي جدتها من الذئب. إلا أننا في عراق اليوم نعاني من كثرة الذئاب و تفشي صورهم كوباء يصيبنا في بداية كل انتخابات.
و لا أدري هل يعتقد هؤلاء أن العراقيين حمقى و أغبياء إلى درجة أنهم يتناسون من هو المسؤول عن الواقع الذي يعيشونه اليوم. كيف يمكن للعراقي أن ينظر إلى كل تلك الصور الملونة من حوله و هو يعيش واقعا ً انعدم فيه البياض لتصبح الصورة قاتمة السواد. هل تبعد كل هذه الصور الملونة و المطبوعة في معظمها في خارج العراق بمئات الآلاف من الدولارات شبح صور الانفجارات و الدمار و الفقر و الفاقة.
لكن عددا ً من العراقيين كعادتهم يسخرون من القدر و يتمنون لو أن أيامهم كلّها انتخابات. يقول أحدهم إن صور هؤلاء المرشحين هي أكبر نعمة على العراقيين لأن أصحابها بالتأكيد سوف يخصصون أعمدة إنارة و إضاءة خاصة بكل صورة و بحماية من قبل رجال الأمن و بذلك يمكن أن ننعم بالنور و الأمن في المساء.
في حين يقول آخر بأنها تشغل عددا ً كبيرا ً من الأيدي العاملة التي سوف تقوم بإلصاق هذه الصور و تحرك العديد من الأقلام المأجورة و هي مصدر دخل لعدد غير قليل من العوائل.
شخص آخر يقول بأنه يهوى الانتخابات لأن الفترة التي تسبقها يستمتع فيها بقراءة الأخبار التي تتحول إلى مجموعة من الإنجازات السارة عن التقدم على جميع الأصعدة. فترى الأخبار السارة عن تطور الصناعة و التعليم و تحسن الكهرباء و ازدياد معدلات انتاج النفط ، و هذا يبعث على جو من الراحة حتى لو كانت وهمية و يعزز الثقة بالعراق و اقتصاده.
لكن إذا كانت معايير المرشح تتحدد وفق جمال صورته فما هو حال من فقدوا نعمة البصر. هل يحرم هؤلاء من التمتع بمزايا هؤلاء المرشحين و طلعتهم الرشيدة. أم أنهم يكتفون بالوصف الذي يستمعونه من الناس عن جمال ربطات عنقهم و أناقتهم. مشكلة أدعو كل سياسيينا أن يفكروا بها أو أن يناقشوها في جلسات البرلمان فهؤلاء العميان يريدون أن يدلوا بأصواتهم أيضا ً عسى أن تنالهم نعمة الانتخابات برضى المرشحين عنهم.
إذا ً فلندعو الله أن يجعل من أيامنا كلها انتخابات و أن يمنّ على الشعب العراقي بالمزيد من الصور.
sadekalrikaby@gmail.com