الانتخابات المبكرة في العراق خطوة استباقية تجاه الحل
يعيش العراق اليوم حالة من التراجع الأمني الخطير، يقابلها تصاعد تدريجي لمعدلاّت التذمر الجماهيري في المدن العراقية، حيث يتفق المراقبون للشأن العراقي على أن أطراف عدة، داخلية وخارجية تسعى مع بدء العد التنازلي لموعد الإنتخابات البرلمانية في العراق الى تكريس حالة الانفلات الأمني وتغذية عملية المنافسة السياسية التي انحدرت مبكرا بإتخاذها شكلا من أشكال التسقيط السياسي، وبما يشير الى انها ستنحدر أكثر بشكل يصعب السيطرة عليه ليس بين الكتل السياسية المختلفة وحسب ، بل ما يمكن أن يمتد الى داخل الكتل السياسية نفسها بما يجعلها عرضة لمزيد من الانشقاقات كلما ازداد سعير الحرب الاعلامية، وكلما شعر البعض بتناقص الرصيد الجماهيري للكتلة التي ينتمي إليها.
ومع هذه الحالة المحتملة وسط ما تعيشه المنطقة من عدم استقرار أمني وسياسي تكون فترة ما يقارب العام المتبقية على موعد الانتخابات كافية جدا لإحداث مفاجآت غير سارة، ناهيك عما يمكن أن يسفر عنه الحال من تأجيل لموعدها الأساسي في منتصف عام 2014 لأسباب قد يتداخل فيها الأمني بالسياسي وتنحرف على أثرها العملية السياسية عن مسارها بشكل خطير إن لم نقل انهيارها بالكامل.
إتسمت المعالجات السياسية والأمنية في العراق ومنذ 2003 والى اليوم، بأنها عادة ما تتخذ في أعقاب الأحداث أو في يتم الانتباه لها في الوقت الضائع، ويأتي ما نطرحه اليوم في هذا المقال كخطوة مبكرة لوضع العملية السياسية على الطريق الصحيح وتحصينها من الإختطاف الذي تخطط له قوى عديدة في المنطقة وتمهّد لها الطريق قوى أخرى من الداخل.
لا شك أن الحكومة العراقية ومنذ أشهر عديدة تقبع في زاوية الدفاع عن النفس، الموقع الذي لايتيح لها توفير الحماية لشعبها، ولسنا هنا للتقليل من شأن جهة أو التبرير لجهة أخرى فالظروف الأمنية والإدارية وما يحيطها من أعمال ارهابية وفساد اداري تجعل من هذا الأداء الحكومي نتيجة متوقعة وطبيعية، بل غير الطبيعي هو أن تقوم الحكومة، أية حكومة بواجباتها بشكل كامل وسط هذا الظروف.
ألا أن ما ينقص هذه الحكومة هو، وكما عبّر عن ذلك ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في خطبة الجمعة 16/8/ 2013 ، (" ما ينقصها هو شجاعة الاعتراف بالقصور أو التقصير")، فقد تطرّق سماحته الى حالات من الإخفاق الإداري والأمني في الدول الأخرى التي سرعان ما يتنتج عنها من استقالة للمسؤول الأول في هذه الدولة أو تلك، ألا أن الحال اليوم في العراق يجابه من قبل المسؤول العراقي باللاّ مبالاة وعدم الإكتراث.. لذلك أنهى سماحته الحديث بالقول " ان كانت بعض الجهات تخشى خسارة رصيدها الجماهيري وشعبيتها فانها عاجلا ام اجلا ستخسر هذا الرصيد اضافة الى خسارتها الاكبر والمتمثلة بحساب الله تعالى").
دون أدنى شك، أن خطاب المرجعية الدينية هو الأكثر تعبيرا عن الواقع العراقي في تأشيرها على مناطق الخلل وإستشرافها للمستقبل السياسي في البلد، فالحكومة التي قد تبدو غير مستسيغة لهذا التأشير والإستشراف هي المعنية الأكبر في هذا التشخيص، بل والمستفيدة الأكبر منه، خاصة وأن بقاء الحكومة بهذا الشكل ومع ما يُطبخ لها في كواليس العواصم الإقليمية من مخططات تصعيدية خطيرة للأشهر التي تسبق الإنتخابات البرلمانية، لن يؤدي سوى الى الإستنزاف التدريجي لرصيدها الشعبي وعن القفز المتتالي من مركب الحكومة في فترة قياسية قد يقوم بها مسؤولين كبار وإنفضاض مفاجئ للحلفاء السياسيين عندما تصل الأمور الى طريق مسدود وعندما تبتعد أكثر مما هي عليه الآن عن تطلّعات جماهيرها، أي السقوط الحتمي المفاجئ الذي قد يلقي بظلاله على مجمل العملية السياسية الديمقراطية في العراق التي كانت ولا زالت تشكّل تهديدا للأنظمة الوراثية في المنطقة.
لقد دعت الحكومة العراقية مرارا الى "حكومة الأغلبية السياسية"، كونها تعتقد بأن طبيعة الشراكة الحالية بما هي عليه اليوم من عدم تناسق وإتساق سياسي تعيق الأداء الحكومي في الكثير من المفاصل وتحد من قدرتها على الإنجاز كما أسهمت مثل هذه الشراكة على تغذية العملية التخادمية بين الفساد والإرهاب.. ومثل هذا الأمر ليس إدعاءاً بل لا يخلو من الصحة .. ومن هنا ننطلق في دعوتنا للإنتخابات المبكرة المسبوقة بتحالفات وطنية عابرة للطوائف والأعراق، أي تأتي كخطوة استباقية لتحاشي الكمائن التي تخطط دول الجوار لنصبها والعمل عليها للفترة المتبقية التي تقارب العام أو ربما تمتد لأكثر من ذلك، وكذلك الرغبة في أنتاج حكومة منسجمة مع نفسها قادرة على صناعة القرار في أقرب وقت ممكن.
فقد لمس وسمع الكثيرون منا بوادر بعض المخططات سواء المتعلقة منها بالهروب الجماعي للإرهابيين من السجون أو التخطيط لإنتاج مسلسل الانشقاق المتتالي للديبلوماسيين العراقيين عن الحكومة، أو دعم وتشجيع الأصوات الداعية لتدويل بعض القضايا الداخلية العراقية، أو التفجيرات التي بدأت تطال المنطقة الخضراء، أو غيرها الكثير ممّن لاينبغي أن يكون خافيا على حكومة يُفترض بها قد أقامت خلال هذه الفترة مراكز دراسات لتحليل الواقع السياسي وإستشراف التداعيات المستقبلية المحتملة تجنبا للمفاجآت المريرة التي واجهتها الأنظمة السياسية في المنطقة.
لقد طرحنا في مقال سابق حلولا منها (جمعية الإنقاذ الوطني) ونطرح هنا مسألة (الإنتخابات المبكرة)، وما يهمّنا في الطرحين تحصين التجربة الديمقراطية من الإختطاف، فضلا عما يمكن أن ينتج عنه الإستقرار السياسي في بغداد وما يسفر عنه وضع العملية الديمقراطية في مسارها الصحيح من تأثير ايجابي على الوضع في اقليم كردستان الذي سيتحرّك هو الآخر في هذا الإتجاه، والعكس بالعكس قطعاً.
ختاما نود التأكيد هنا، بأن شخص المسؤول ليس من ثوابتنا فما يمكن أن نستحسن منه طبيعة الأداء اليوم، لا نجد ما يمنعنا من انتقاده غدا على سوء الأداء، أو حتى التحذير بقسوة من التداعيات السلبية المستقبلية لهذا الأداء والتي تمس ثوابتنا المحصورة في الوطن والإنسان العراقي والتجربة الديمقراطية التي تحول دون تسلّط الطغاة والبعث من جديد على رقاب الشعب العراقي. ولذلك نقدنا وننتقد الأداء الحكومي في بغداد وحذرنا ونحذّر من التداعيات الخطيرة إنطلاقا من حُرصنا على الثوابت وإقتداءً بما سبقتنا المرجعية الدينية العليا الى تشخيصه والتحذير منه. وذات الحال ينطبق على الإنتقادات التي توجهنا بها الى أداء السلطات في إقليم كردستان العراق فالهدف هو محاربة الارهاب والفساد والدعوة للتمسك بالإتجاه الصحيح وليس كما يحاول البعض ممن تربّى في أحضان البعث سابقا ويعتلي (المناصب الحزبية) العليا في الاقليم اليوم، يحاول اتهامنا بالعمالة للمالكي أحيانا ولغيره أحياناً أخرى بهدف اسكات أصواتنا التي لن تسكت أو كسر أقلامنا التي لا ولن تُكسر طالما هي حرة لا يسودها أو يحرّكها سوى صوت الحق وصوت الضمير.
Inline image 1