Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الانتخابات المقبلة في إقليم كُردستان وأهمية انتصار القوى العلمانية فيها

تشكل الانتخابات والمشاركة فيها شكلاً من أشكال الممارسة الديمقراطية وأحد أبرز أوجهها, خاصة إن أمكن الحفاظ على نزاهتها وعلى تأمين مشاركة واسعة ممن لهم حق التصويت, وإذا التزم النواب المنتخبون بالوعود أو البرامج التي قطعوها على أنفسهم أمام ناخبيهم, وإذا استطاع المجلس أن يجسد في نشاطه كونه مؤسسة تشريعية مستقلة عن السلطة التنفيذية. وهي مسائل نسبية لا يمكن الجزم بتحقيقها في أي انتخابات يمكن أن تحصل في البلدان النامية, ومع ذلك فالناس في إقليم كردستان وفي العراق والدول المجاورة تتطلع لأن تحقق هذه الانتخابات خطوة جديدة على طريق طويل صوب بناء المجتمع المدني الديمقراطي الحديث وتوفير مستلزمات حياة حرة وديمقراطية يتمكن كل فرد في المجتمع ممارسة حقوقه كإنسان وتمارس القوميات كلها حقوقها القومية وتحظى بالعدالة الاجتماعية. وكلنا يعرف بأن هذه المهمات ليست سهلة بفعل التركة الثقيلة التي خلفها النظام الدموي الدكتاتوري في العراق على مدى عقود أربعة وما تبعها من كوارث الطائفية والإرهاب الأكثر بشاعة التي عاش في ظلها وتحت وطأتها الشعب العراقي بكل مكوناته, رغم الأمن النسبي الجيد الذي عاش فيه شعب كردستان.

ومن حق الناخبين أن يتطلعوا لأن يقدم المرشحون برامجهم الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية باعتبارها الهوية التي تسمح لهم في دخول مجلس النواب لتمثيل مصالح المجتمع. كما من حق الناخبين أن يعيشوا حملة انتخابية نظيفة ومتحركة ومحركة للمجتمع ولفكر الأفراد بحيث تتحول إلى حملة تثقيفية بمصالح وحقوق وواجبات الأفراد والمجتمع ودورهما في التأثير على مسيرة ونتائج الانتخابات, وأن يلتزم المرشحون بممارسة الطرق السلمية والديمقراطية وأن يتعرف الناخبون على المرشحين من خلال اللقاءات المباشرة بهم ومناقشتهم أو مشاركتهم في ندوات تلفزيونية وجماهيرية بصورة أقرب إلى الواقع على قدراتهم الفكرية والسياسية والمنطقية والقدرة في التعبير عن مصالح الناخبين.

إن الانتخابات القادمة في إقليم كُردستان العراق هي الثانية بعد سقوط النظام وانهيار الفاشية العنصرية الاستبدادية في العراق, وهي التي عاشت تجربة التخلص من وجود حكومتين في كل من أربيل والسليمانية وتشكيل حكومة واحدة موحدة وترك الصراع والنزاع المسلح خلفهم, وهي الفترة التي سعى في نهايتها الحزبان الرئيسيان في الحكومة الراهنة إلى إنهاء عدم الوحدة في أربع وزارات أخيراً, كما أنها الفترة التي تحققت فيها بعض المنجزات المهمة للشعب في كُردستان العراق, بما في ذلك تدفق النفط وتصديره إلى خارج العراق من الإقليم مباشرة. كما أن هناك الكثير من الجهد المبذول في إقامة البنية التحتية والبناء وتشكيل الهيئات المختلفة لدراسة الاقتصاد وقضايا التنمية والبحث عن سبل استخدام أفضل للموارد.

ورغم ذلك فلا تزال هناك الكثير من المهمات الأساسية التي لم تتحقق بعد رغم مرور فترة غير قصيرة, كما في مسألة استمرار وجود بطالة وبطالة مقنعة بشكل خاص, أو استمرار نقص الخدمات الأساسية وخاصة الكهرباء, أو المناطق الكادحة التي لا تزال متخلفة وتعاني من نقص في الخدمات, أو الظواهر الحزبية الضيقة التي شجبها السيد رئيس الحكومة, ولكنها لا تزال تمارس على نطاق واسع, أو الفساد المالي الذي شجبه السيد رئيس الإقليم, والذي لا يزال يمارس على نطاق واسع, حسب تقديرات المنظمات الدولية والكثير من القوى المحلية, بغض النظر عما إذا كان فيه بعض المبالغة أو هي الحقيقة بكل بساطة.

إن الانتخابات القادمة في إقليم كردستان العراق تجري في أجواء الصراع على ثلاثة مستويات, وهي:

1 . منافسة بين جميع القوى العلمانية واللبرالية والديمقراطية من جهة, وبين قوى الإسلام السياسي التي تحصل على دعم واسع ومتنوع من قوى مماثلة وتحاول استخدام النواقص والأخطاء السياسية والاقتصادية التي لا تزال موجودة لإنزال نقمتها على الحكم والحصول على نسبة أعلى من المقاعد من جهة أخرى. وهي كلمة حق يراد بها باطل, إذ برهنت الحياة على أن قوى الإسلام السياسي حين تصل إلى السلطة ستكون أسوأ من أي قوة أخرى وصلت إلى الحكم في أي بلد من البلدان. فالإرهاب الفكري والسياسي والفكر الشمولي الديني الطائفي الواحد والاستبداد الديني والفساد المالي والإداري والخراب الاقتصادي وتفاقم الفقر والتمايز الطبقي الاجتماعي تكون هي السائدة في البلاد. وتقدم إيران والسودان نماذج صارخة عن هذا الواقع. وعلى الإنسان أن يحكم بنفسه على ما مارسته ولا تزال تمارسه جمهرة كبيرة من قوى الإسلام السياسية في العراق خلال الأعوام الستة المنصرمة في محافظات الوسط والجنوب وبغداد. ولهذا لا بد من انتباه الناخب في موقفه من هذه القوى التي تحاول الهيمنة من خلال ما نسميه " كلمة حق يراد بها باطل ".

2. منافسة بين قوى وأحزاب سياسية مشاركة في الحكم, وأخرى كانت في إطار الأحزاب الحاكمة وتطرح نفسها على أنها راغبة في التغيير أو التجديد مستفيدة من شعار أوباما الكاسب للناس شعار "التغيير". وعلى هذه القوى أن تبرهن للناس على أنها قادرة على التغيير وماذا تعني بالتغيير, هل تعني تغيير الأشخاص أم تغيير السياسات والمواقف, وما هي البرامج التي تطرحها والتي تختلف عن برامج الحزبين الحاكمين, وما هو موقع الإنسان من هذا التغيير, وما هو برامجها لمعالجة المشكلات بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية, وما هي رؤيتها لهذه العلاقة وسبل تنميتها وتعزيزها وتطويرها على أسس ديمقراطية وسلمية وبعيداً عن التشنج القومي.

3 . إن هذه الانتخابات يمكن أن تلعب دوراً مهماً في عملية تغيير فعلية في عدد من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والسياسات الحزبية بما يسهم في تنشيط دور المجتمع في العملية التنموية, عملية تغيير الواقع الاقتصادي وإزالة اعتماده الصارخ والخطير على النفط الخام وموارده المالية, في حين أن الضرورة تقتضي استخدام موارد النفط الخام لتغيير البنية الاقتصادية والاجتماعية في إقليم كردستان, وسياسة التنسيق المتعدد الجوانب مع الحكومة الاتحادية. وكيف يمكن تحسين مستوى حياة ومعيشة الفئات الكادحة من المجتمع وليس زيادة غنى الغني وإفقار الفقير. إن زيادة وجود عدد المليونيرية في إقليم كردستان العراق أو العراق كله مع وجود نسبة مهمة من السكان تعيش في أوضاع الفقر أو تحت خط الفقر أو تعيش في أجواء البطالة والحرمان هو عيب على الدولة والإقليم وليس مفخرة لهما في كل الأحوال.

يتطلع الإنسان في إقليم كردستان, سواء أكان كُردياً أم تركمانياً أم كلدانياً وآشورياً أم عربياً, إلى سياسات جديدة تستجيب أكثر فأكثر لمصالحه وتمارس التأثير لتغيير واقع إقليم كُردستان الذي أهمل عقوداً طويلة في ظل الحكم المركزي المشدد في بغداد, والذي لا أحد ألا من فقد الذمة والضمير يريد العودة إليه, لأنه لا يجلب سوى الكوارث للعراق.

نتطلع إلى أن يحقق الديمقراطيون والعلمانيون واللبراليون نتائج جيدة في هذه الانتخابات ولصالح تعزيز الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وتعزيز مصالح الأفراد وتعزيز فيدرالية الإقليم وتعزيز الوحدة العراقية وتحقيق التطور السلمي والديمقراطي للعراق وحل المشكلات القائمة بالطرق السلمية وبآليات ديمقراطية.

9/6/2009 كاظم حبيب
Opinions