الانتخابات من منظور مدرسة الامام الشيرازي
لا يمكن أن يكون نظام الحكم جيداً في شكله وممارساته، ولا يمكن اعتباره نظاما شرعياً؛ إلاّ إذا كانت السلطة فيه منبثقة من إرادة الأمة الحرة والمختارة؛ لان السلطة قبل كل شيء، تعتمد في وجودها، وفي شرعية تصرفاتها، على رضى الجماهير وقبولهم لها.ولا يحصل رضى الجماهير وقبولها بالسلطة من الناحية الفعلية دون اعتماد السلطة على وسيلة فعالة، يعبر بها الشعب عن إرادته في إضفاء الشرعية عليها. وهذه الوسيلة هي الانتخابات الحرة النزيهة، حيث يدلي كل مواطن برأيه حسب قناعته واختياره.
وتحظى الانتخابات من منظور مدرسة المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الشيرازي بأهمية كبيرة، وذلك لكونها تمثل وسيلة فعالة من وسائل إدارة الأمة بالطرق السلمية المقبولة عرفا وشرعا. حيث أن الانتخابات في فكر مدرسة الامام الشيرازي ، لا تقتصر على اختيار قيادة السلطة، وحسب، بل، تتعداها إلى كل إدارة شؤون البلاد السياسية والاقتصادية والتعليمية والإدارية...
وقد أكد هذا المعنى الإمام الشيرازي بقوله: يجب أن يكون الحاكم.. منتخبا بانتخابات حرة، كما قال أمير المؤمنين "ع" (أن يختاروا) وهذا هو المتعارف عليه الآن في البلاد الديمقراطية، ولذا نرى لزوم إجراء الانتخابات في إدارة كل شيء حتى في معمل أو شركة صغيرة أو ما شابه ذلك، فانه يشمله قوله سبحانه (وأمرهم شورى بينهم)، لان الشورى؛ إنما هي نتيجة الانتخابات، أو أن الانتخابات هي نتيجتها.
ويذهب الإمام محمد الشيرازي إلى أن الديمقراطية لا تتحقق في أي مجتمع إسلامي أو غير إسلامي، ما لم يشترك جميع المواطنين في انتخاب الهيئة الحاكمة، فهو لا يقصر الانتخاب على الرجل دون المرأة، كما في بعض القوانين الوضعية في الدول العربية وغير العربية، ولا للمواطنين البالغين دون غير البالغين، بل يعطي حق الانتخاب لغير البالغين أيضا، عبر وليه الشرعي والقانوني..
ويقول الإمام الشيرازي: في كثير من بلدان العالم إلى اليوم، نص يحرم على المرأة المشاركة في الانتخابات العامة، بينما قد تقدم أن الإسلام جعل الحق لهن في البيعة في الآية المتقدمة، (إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله)(4).
بل نجد أنه –والكلام للمجدد الشيرازي- يحق لأولياء الأطفال المشاركة في البيعة نيابة عن أولادهم؛ لان الحاكم يتصرف في شؤونهم أيضا. فمثلا الأب الذي له أولاد أربعة، له خمسة أصوات صوت لنفسه وأربعة أصوات للمولى عليهم، فإذا شاء الأولياء كان لهم الحق في ذلك، بينما لا يوجد حق كهذا للآباء في القوانين الحاضرة، فلذا قرر الإسلام عدم جواز الاقتراب من أموال الأطفال إلا بالتي هي أحسن، كما قال سبحانه"ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده". إلى غيره من نصوص متعددة. فبشكل أولى لا يصح انتخاب حاكم الدولة (الذي يتصرف في شؤون الأطفال أيضا وفي كل المجالات المتعلقة بالطفل) إلا مع مراعاة مصلحة الطفل بالنحو الأحسن، وذلك لا يتم إلا بان يكون للأطفال أيضا حق التصويت، ويعطي هذا الحق للأب باعتباره وليا عليهم.
وتؤكد مدرسة الامام الشيرازي، أن الأمة لكي تتخلص من الدكتاتورية والاستبدادية، عليها أن تختار وتنتخب قياداتها -على الأقل -في أهم مستوياتها، وهي:
الأول: انتخابات السلطة العليا من الفقهاء الذين هم مراجع الأمة (حقيقة لا صورياً أو اجوائيا) فيكون لهم مجلس الشورى.
الثاني: انتخاب رئيس الدولة، مما يصطلح عليه في الزمن الحاضر بـ(رئيس الجمهورية).
الثالث: انتخاب (مجلس الأمة) لنواب الأمة في انتخابات حرة.
ومن الشروط الموضوعية التي يشترطها الإمام الشيرازي في الحاكم ليكون حاكما شرعيا هي:
1- كونه مرضيا لله سبحانه تعالى: فان الولاية لله تعالى سبحانه عقلا وشرعا، فلا يحق لأحد تولي الأمر بدون رضاه سبحانه. أما عقلا فلأن الله سبحانه خالق الخلق، ومالك الملك، وكما لا يجوز – عقلا – أن يتصرف أحد في ملك أحد إلا برضاه، كذلك لا يجوز التصرف في ملك الله إلا برضاه. وأما شرعا فلورود الآيات والروايات بلزوم أن يكون من يلي الأمور مرضيا له سبحانه مثل آية "إنما وليكم" وآية "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".
2- أن يأتي بالشورى: وان لم يأت بها لا يصح الحكم؛ فأساس الحكم الشورى. فرئاسة الحكومة تكون عبر انتخابات حرة ينتخب فيها الحاكم تبعا لأكثرية الآراء، شرط أن تتوفر فيه المواصفات التي اشترطها الله سبحانه كالعدالة والاجتهاد في الأمور الدينية والاطلاع على شؤون الدنيا إلى آخر ما هو مذكور في كتب الفقه المفصلة.
ومن الضروري أن تجري انتخابات عامة بين فترة وأخرى كل أربع أو خمس سنوات لانتخاب حاكم جديد. إذ الحكم في الإسلام ليس وراثيا دكتاتوريا كما أن الحاكم الذي يأتي إلى الحكم عبر انقلاب عسكري مرفوض من قبل الإسلام حتى لو كان الحاكم مسلما إذ يشترط الإسلام آراء الأكثرية، كما هو حديث (سليم بن قيس الهلالي) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث أوجب على المسلمين عندما يموت إمامهم أو يقتل أن لا يعملوا عملا ولا يقدموا يدا ولا رجلا قبل أن يختاروا لأنفسهم إماما عفيفا ورعا عارفا بالقضاء، وبالسنة يحيي فيئهم، ويقيم حجهم، ويجمع صدقاتهم إلى آخر الخبر.
وفي بلادنا، يرى الإمام الشيرازي أن الواجب على كل فرد من أبناء الشعب العراقي أن يساهم في تشكيل حكومة العراق عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة التي تجري على مستوى كل الشعب واختيار آراء الأكثرية مع مراعاة النسب، فليس من الحق والإنصاف أن يحكم أكثرية العراق أشخاص من الأقلية، كما ليس صحيحا أن تقع الحكومة بيد فريق معين من الأشخاص بلا انتخابات أو تصويت أو شورى..
والانتخابات في مدرسة الامام الشيرازي لا تنتهي باليوم الذي يذهب فيه المقترع ويضع صوته في صندوق الاقتراع، بل تستمر إلى ما بعد الانتخابات؛ لأن المرشح الفائز في الانتخابات يعتبر ممثلا ووكيلا للشخص الذي انتخب، لذا لابد له أن يتواصل معه حتى تصبح شرعيته مستمرة، لذلك فأن الذين يستغلون الناس للوصول إلى السلطة يفقدون شرعيتهم عندما يتخلون عن تمثيلهم للمواطن الذي انتخبهم.
حيث يرى الإمام الشيرازي بان الذين يلغون دور الناس عن المجال المرتبط بهم بعد انتخابهم لا يعبأون بآراء المنتخبين بعد ذلك، في كثير من القضايا المصيرية.ويقترح الإمام الشيرازي آلية عمل تجعل الشخص المنتخب متواصلا مع منتخبيه بحيث يكون تمثيله شرعيا، بأن يجتمع الناس كل شهر مرة - مثلاً- في حلقات كخمسمائة مثلاً: ليدلوا بآرائهم في القضايا المهمة، فيكون المجلس مقيداً بأخذ أكثرية هذه الآراء لا كيفما شاء المجلس بنفسه.
وكذلك وجود مؤسسات مستقلة مدنية ترعى حماية الفرد من نقض حقوقه الانتخابية ابتداء واستمرارا. وتقوم بمراقبة عملية إجراء الانتخابات بحيث يكون لها دور فعال في نزاهتها وخلوها من الاختراقات، أما تغييب هذه المؤسسات وعدم فعاليتها عند عملية إجراء الانتخابات فانه يعني وجود خروقات قد تشكك بنزاهة الانتخابات. وهذه المؤسسات المدنية تنبثق من مختلف فئات الشعب وأصنافه.
وإذا أصر الحاكم أو الحكام المنتخبون على مخالفة القانون وعدم تلبية حاجات المواطنين فان من حق الشعب إسقاط الحاكم أو الحكومة، وقد سبق الإسلام القوانين في ذلك بل جعله واجباً شرعياً، فإذا لم يعمل الحاكم بالقوانين الإسلامية أو سقط من الصلاحية وجب إسقاطه وعزله.
وقد ورد الحديث الشهير الذي ذكره المحقق الحلي - قدس سره - في المعتبر: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
ومن كتاب رسول الله إلى أهل البحرين عندما ولى عليهم (العلاء بن الحضرمي) ـ على ما ذكر في بعض التواريخ ـ أنه (صلّى الله عليه وآله) كتب: (وأنا أشهد الله تعالى على من وليته شيئاً قليلاً أو كثيراً من أمور المسلمين فلم يعدل فيهم أنه لا طاعة له وهو خليع مما وليته، وقد برئت ذمم المسلمين معه من المسلمين).
وقد حدد الإمام الشيرازي ثلاث نقاط يجب أن تهتم بها الحكومة العراقية في المستقبل لتكون حكومة صالحة ومقبولة، وهي:
أولا: المنهج الصحيح الذي تحكم وفقه.
ثانيا: الكادر والإدارة الفعالة.
ثالثا: يجب أن تكون الأكثرية هي الحاكمة كما يجب إعطاء الأقليات حقوقها.
وعلى هذا الأساس يؤكد الإمام (قدس) على وجوب أن يكون الحكم في العراق قائما على أساس إعطاء الناس حقوقهم في إبداء الرأي بحرية، وأن يعمل بالشورى والمشاورة، وأن تعطى الأحزاب الوطنية والإسلامية حرية العمل والتنافس، وأن يكون لها الحق في نقد الحكومة.
والحقيقة التي تذكر لمدرسة الإمام الشيرازي أنها استطاعت أن تنجب المئات من العلماء والمفكرين والرجال والنساء العاملين في الخط الرسالي.. وهي تفتخر بوجود العلماء الشهداء في صفوفها من بينهم: الشهيد العلامة الخطيب الكبير الشيخ عبد الزهراء الكعبي صاحب المقتل الحسيني الشهير ، وآية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي، وآية الله الشهيد السيد صادق القزويني الذي ظل في سجون النظام البائد اكثر من 27 عاما واستشهد في السجن وعمره الشريف 103 مائة وثلاث سنوات وغيرهم من العلماء ...
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com