البحث عن الماضي
تمر على الانسان احيانا حالات من النفور عن كشف بعض من المصاعب او المآسي والاخطاء التي قد تحدث له او تلم به ، فيحاول جاهدا عدم اظهار جهله بحقائق الامور متصنعا عدم معرفته بالشيء او يقول احيانا ( هذا ليس من شأني .. وهذا لا يعنيني) ، اما من كان جهله بالامور بحسن نية فذاك لا عتاب عليه ، لكن الغريب والمحير فعلا هو جهل بعضنا بحقائق الامور بتعمد وسوء نية مسبقة . والغرض من ذلك كله هو تزييف الحقائق او تأويل ما يناسبهم الى حالة من اللؤم واللامبالاة ، علما بان تلك الحقائق تكون دامغة ولا تقبل الشك والتي يكون التاريخ قد سجلها بامانة تامة ودقة متناهية بحيث لا يستطيع الانسان نكران حدوثها مهما حاول الاشرار تزييف البعض منها ، وفي حال عجزه عن التزوير والتشويه يحاول التغاضي عنها حتى وان كانت تعنيه شخصيا .. فمهما كانت تلك الحقائق من الصغر فان قيمتها الحقيقية تبقى معلقة في الاذهان وقد يبنى عليها مصير شعب ومستقبل امة بكاملها ، لذا فمن يتجاهل او يغض النظر عن حل مشكلة صغيرة او بسيطة في حياته العامة والخاصة بسبب كبريائه الزائف ، فانه سوف يستمر على هذا المنوال ، وبعد فترة سيعفي نفسه من حلول المشاكل مهما كان حجمها ولا يقدر خطورة ذلك لأن ببساطة ( الامر لا يعنيه .. بحسب اعتقاده ) وان كانت تلك المشاكل قد تسبب احيانا كارثة له ولأجياله لا سمح الله ، ورغم هذا فان بعضنا لا زال سائرا في غييه وينكر على قومه مشاكل امته ويعتبر نفسه غير معني بذلك .. وقد سمعنا من الكثيرين اقوالا ومع الاسف الشديد وكأنهم ليسوا في هذا العالم . فهم على سبيل المثال ينكرون حتى حالة الوحدة التي يتمتع بها شعبنا وعلى مر العصور ، ويعتبرونها بانها لم تحصل ابدا لا في التاريخ القديم ولا الحديث ... فهم في ذلك تجاهلوا كل التاريخ الكلداني الاشوري السرياني العريق ، وللأسف نقول بان هذا التجاهل قد حصل مباشرة بعد سقوط نينوى حيث تمزقت الامة الى فرق وجماعات ضعيفة ، وحين انتشار المسيحية بين ابناء قوميتنا زادت حدة الشقاق حيث انقسمت القومية الواحدة الى طوائف ومذاهب وبدأت التسميات تأخذ الطابع الذي يحلو لكل جماعة بما تسمي نفسها الى ان وصل بنا الامر الى ما نحن عليه الان من تشتت وفرقة وفي زمن كثرت فيه الافكار الغريبة والارهاصات الجامحة ونظريات وايديولوجيات متطرفة شعواء وعلى جميع المستويات الاثنية والدينية .. لذا فمن الواجب علينا ان نسبر غور التاريخ الصميمي لأمتنا ونتخذ منه نبراسا لنا ونأخذ منه عبرة لوحدتنا وصون كرامتنا وحينها نستطيع وبكل بساطة المطالبة بحقوقنا الدينية والقومية كاملة وان نبين للعالم باننا شعب اصيل وصاحب تلك الحضارات التي خدمت الانسانية لألاف من السنين .. اما اذا غضضنا النظر عن كل ذلك فسيكون حالنا كحال اولاد صاحبنا الشيخ محمود والتي سارويها لكم ادناه:-يحكى انه في الزمن الماضي كان لشيخ احدى القبائل واسمه محمود عدد من الابناء الاشداء والذين كانوا يعتقدون بانهم يستطيعون الدفاع عن عشيرتهم حين البأس ، اما شيخنا الجليل محمود فكان من الثراء ورجاحة العقل والكرم والشجاعة مثار حسد من قبل شيوخ العشائر الاخرى .. وقد استقرت احوال القبيلة حينها بحيث اصبحت حلما مرعبا لمن تسول له نفسه للقيام باي شيء عدائي ضد هذه العشيرة .. ولكن بعد مرور عدة سنين من هذا الامان والركون الى الهدوء ، فقد ديك من منزل الشيخ محمود ، فما كان من شيخنا الجليل الا ان جمع اولاده وقال لهم { اذهبوا جميعكم وابحثوا عن الديك ولا تعودوا الا به } .. فاستغرب أبناؤه من كلامه هذا وقالوا مع انفسهم ( نحن اولاد الشيخ .. ونبحث عن ديك حقير ..؟.. ثم انه مجرد ديك لا قيمة له قياسا لما نملكه من اموال .. ) ، لذا فقد غض ابناء الشيخ النظر عن البحث وراء الديك .. وبعد عدة اشهر جاء راعي الشيخ راكضا مرتعبا ، يصرخ ويصيح ( الحكني يا عمي الشيخ .. هجموا علي الحرامية وباكوا مني نعجة ) . وهنا جمع الشيخ اولاده وقال لهم { ابحثوا عن الديك } فاستغرب الاولاد اكثر من كلامه وشككوا في امر اهلانية عقله واعتقدوا بان هلوسة الكبر قد ضربت برشده .. فخرجوا منزعجين ولم يعيروا للأمر اهمية متذرعين بانهم اولاد الشيخ ، ونعجة واحدة لاقيمة لها قياسا باموال الشيخ .. ومرت على الحادثة هذه عدة سنوات وحينها كان الشيخ قد بلغ من الكبر عتيا ، فاذا بمجموعة من اللصوص وقطاع الطرق يهجمون على قطيع الجاموس المملوك للشيخ ويسلبونه من الرعاة ، مما حدى برعاته الى الهرب وطلب النجدة من القبيلة وشيخها ، وكالعادة جمع الشيخ اولاده وقال لهم عبارته المشهورة{ ابحثوا عن الديك، فمتى ما وجدتموه ستجدون بجانبه النعجة وقطيع الجاموس} . فاغتاظ الاولاد جدا من هذا الكلام ، وقالوا لبعضهم ان ابانا قد جن ، فالواجب علينا اولا هو اللحاق باللصوص واسترجاع القطيع وبعدها نقرر مصير ابانا.. وفعلا ذهب الرجال في اثر اللصوص وعند اللقاء بهم حدثت معركة حامية الوطيس بينهم وبين اللصوص ، وهنا حدثت الكارثة ، اذ قتل احد ابناء شيخنا محمود وخسر الاخرون المعركة وانسحبوا منها دون ان يستطيعوا اعادة القطيع ، وحال وصولهم مضارب عشيرتهم حاملين جثة شقيقهم على اكتافهم ،كان الشيخ ووجهاء القبيلة بانتظارهم ، حينها تقدم اكبرهم وقال { يبوي .. انجتل ابو هدلة} فهز الشيخ رأسه مرددا عبارته المشهورة { ابحثوا عن الديك ، وستجدون معه النعجة وقطيع الجاموس وقاتل ابو هدلة} ، فهب ولده البكر حانقا صارخا بوجه والده وقال ( هل جننت يا ابي .. ما لنا وما للديك .. نقول لك بان ابا هدلة قد قتل اما انت فتقول ابحثوا عن الديك .. الان علمت بان الخرف قد داهم عقلك وافقدك رشدك) .. فما كان من الشيخ الا ان رفع عكازه وضربه على ظهر ولده بقوة وقال :- { ايها الجاهل .. ايها الجاحد.. يا ايها الولد العاق.. لو كنتم انت وأشقاؤك الجهلة الحمقى قد بحثتم عن الديك ، ماكانت النعجة قد فقدت ، وما كان قطيع الجاموس قد سلب وما كان ابو هدلة قد قتل ، لأنه في تلك الحالة كان كل من تسول له نفسه للقيام بمثل تلك الاعمال سيحسب لكم الف حساب ويقول حينها في نفسه ، ان في العشيرة رجال يحمون شرفها ومالها ، ولم يكن حينها يتجاسر على ان يقوم باي عمل شائن يمس كرامة العشيرة وشرفها ، وما كان اللصوص قد طمعوا باموالكم ، ولما كانت النتيجة كما ترونها امامكم.. اما الان فاقول لكم ولكل من يتصف بخصالكم (( ابحثوا عن الديك ، فمتى ما وجدتموه واعدتموه الى الديار سيعود اليكم شرفكم وكبريائكم وشرف ومجد عشيرتكم ،وحينها سيهابكم الناس وسيحسبون لكم الف حساب)} ...... تحاتي