البديل عن منطقة جغرافية هو العراق كلّه
لقد كتبت مقالة على صفحة الاسيا نيوز عن موضوع "منطقة خاصة بالمسيحيين" وعن "موضوع الحكم الذاتي" ولقد كان هناك ردود افعال كثيرة تنوعية بين قابل ورافض للمقالة وللفكرة. ثم أعقبتُ المقالة بتوضيح أخر في موقع عنكاوا كردٍ مني على تقرير تم صيغته عن مقالة المطران لويس ساكو ومقالتي وكان قد تمّ نشره في الموقع. وانا أتصفح الاخبار قرأت العديد من المقالات التي تحاول ان تُثبت وجهة النظر التي تقول ان منطقة خاصة بالمسيحيين هي الحلّ الوحيد للجماعة المسيحية في العراق والضمان الخيار الوحيد المتبقي للمحافظة على وجودنا في هذا البلد. ومن الأراء ايضاً من كان يقول: ان الذين يرفضون هذه الفكرة وهذا المشروع مدعوون لطرح ما هو بديل لها، وإلا فأن الفكرة المطروحة تبقى الافضل والاحسن للمسيحيين. وأريد هنا أن أُعلق على هذا قليلاً.فلقد كنت قد بيّنت ان الفكرة قابلة للتحقيق ويبدو ان هناك أرادة قوية تريد تحقيقها، فمن يدري، كلّ هذه النقاشات والكلمات قد تسكتها الارادة السياسية لهذا أو ذاك من الحكام؟! مع هذا اعتقد انه من حق الجميع ان يقولوا كلمتهم بخصوص هذا الموضوع ويعطوا آرائهم بشأن هذا المشروع الذي يمس وجود شعبنا المسيحي في العراق كلّه.
ما معنى البديل؟
قبل أن أقترح أي بديل لهذا المشروع، أريد أن أثير ثلاثة نقاط:
1. بالتأكيد، مَن يطلب بديلاً لهذا المشروع يجب ان يعرف شيئاً مهماً وهو أن البديل لا يمكن ان يأتي على أساس جغرافي، وإلا لن يكون هناك معنى لكلّ هذا الرفض للفكرة من الأصل. فلا يتوقع الموافقون على هذا المشروع ان يعطي المعارضون بديلاً قائماً على اساس الجغرافية والتقسيم الجغرافي. فقد أصبح واضحاً اليوم رفض كلّ القوى السياسية والدينية والثقافية لمثل هكذا مبدأ، واذا كان البعض يريد هذا الحلّ، فهو لمجرد الهروب من الواقع المرير وليس عن أقتناع حقيقي ومبدئي، وأتصور الخبرة الكردية بدأت تأخذ ابعاد جديدة وخصوصاً أن منطقة كردستان استقبلت الكثير من المسيحيين والعرب النازحيين وبدأت الحكومة في كردستان تدرك ان كردستان لا يمكن ان يتحمل هذه الموجات من النازحيين، كما يسميهم البعضز فالاضرار الاقتصادية والاجتماعية كبيرة وخطيرة.
2. ولا يمكن البديل أن يأتي على أساس الديموغرافية، لان القائل بأن هناك تحرك وانتقال كتل بأكملها من ابناء شعبنا المسيحي الى المنطقة الشمالية والى منطقة سهل نينوى، يعرف جيداً هشاشة هذا الانتقال وظرفيته ومساوئه (اقتصادياً واجتماعياً على حياة عوائلنا المسيحية). ولا ننسى أن في بغداد ما زال يوجد أكثر من 200 ألف مسيحي، وفي البصرة التي كان لا يزيد عدد عوائلها على 500 عائلة قبل عشرين سنة، ما يزال يوجد اليوم فيها أكثر من 200 عائلة مسيحية. فلا نتخذن من هجرة المسيحيين وصعودهم الى الشمال ذريعة لاثبات واقع حال، وخاصة أن الهجرة وبالتحديد الخارجية منها مرفوضة وغير مشجع عليها.
3. ويجب أن أقول ان البديل لا يمكن أن يكون على اساس قومي أو اثني، ومن غير المعقول ان يأتي على أساس اثنوغرافي، اذا جاز التعبير. فالمنطقة الشمالية ومنطقة سهل نينوى هي واحدة من مناطق عديدة واماكن متنوعة تواجد فيها المسيحيون وعاشوا على ارضها وشاركوا في صنع حضارتها وتاريخها. وأي محاولة لحصر التواجد المسيحي في منطقة واحدة على اساس قومي، ما هو إلا تحجيم لوجودنا المسيحي وتخلي عن دورنا الحضاري وتشويه لرسالتنا الدينية المسيحية. والجميع يعرف أن التجربة التي يعيشها الشعب العراقي اليوم بعد اربعة سنوات من سقوط النظام السابق والعملية السياسية التي تأسست على اساس قومي وطائفي، اثبتت فشلها ونتأئجها واضحة للعيان ووخيمة ومكلّفة، فقد كلفتنا الآف الموتى والشهداء وهجرة الملايين من أبناء شعبنا وتشريدهم.
ما هو البديل؟
بالتأكيد لا ينبغي أن نتوقع بديلاً سحرياً، لانه برأيي غير موجود، وأن وُجِد فهو غير أصيل وسيكون بمثابة تجاهل للواقع والحقيقة. ولكني مع هذا أريد أن أعطي بعض البدائل الاولية التي تحتاج الى دراسة وتأمل وربما تساعدنا في أيجاد بديل حقيقي وواقعي وشامل لكل الموقف:
1. البديل هو الضغط على الحكومة سياسياً من أجل حماية المسيحيين وتبني مسؤولياتها الكاملة تجاه شعبنا العراقي فرداً فرداً. فاذا كُنا قد هُجّرنا من بغداد والبصرة، فما الضمان لعدم تهجيرنا من سهل نينوى ايضاً؟ ان الواقع المرير الذي يعيشه ابناء شعبنا المسيحي يجب ان يحملنا على التنديد وبشدة بالفساد في أجهزة الدولة والدعوة الى بناء اجهزة امنية مخلصة للبلد ككلّ وغير منحازة لهذه الطائفة او تلك، بدلاً من معالجة المشكلة بأخرى أكبر وأعقد. الدعوة الى بناء حكومة قوية، تقوم على اساس تطبيق الدستور وحفظ كرامة المواطن أينما كان ومن اي جنس او عرق او دين او قومية كان. لا يمكن ان يكون الحل ان نهرب جميعنا الى الشمال؟ هل نريد ان نعيش من هروب الى هروب الى هروب؟
2. البديل هو العراق وحقوق الانسان واحترام الآخر في اختلافيته. المسيحي هو ابن البلد اينما وجد ومن حقه العيش على ارضه وفي أي مكان كان. لا يمكن في هذا الظرف الصعب وفي ظل مأساة الانقسام والتشرذم والطائفية، ان يأتي المسيحي ويزيد الطين بلة، من خلال دعوته الى منطقة خاصة به. كلّنا ندرك خطورة الموقف وحجم التضحيات التي يقدمها ابناء شعبنا المسيحي، وبأعتقادي حلول مؤقتة وظرفية كاللجوء الى المناطق الامنة ضرورية وملحة في الوقت الحاضر، إلا أن هذا لا يجب ان يُنسينا المشروع الاساسي والحقيقي لابنائنا شعبنا جميعاً وهو العراق وانسان العراق كمختلف اطيافه وآديانه وقومياته.
3. البديل هو بناء خطاب مسيحي حقيقي وواقعي والدخول في حوار ومصالحة مع كل أديان الشعب (شيعة وسنة) واحزابه (عربي، كردي...) من أجل توضيح المواقف وتبديد الشبهات عن موقفنا كأبناء أصليين لهذا البلد.
4. البديل هو تفعيل حضورنا في البرلمان العراقي من خلال تمثيل اوسع للأحزاب ذات الطابع القومي المسيحي لضمان حقوقنا على كافة الاصعدة. اذا كان التمثيل السياسي هو المطلوب انماءه، فالتمثيل السياسي يمكن ان ينمو من خلال قانون انتخابات صحيح ومنصف، ومن خلال انتخابات المجالس المحلية وتفعيل دورها الاداري حيث يمكن لهذه المناطق التي يكثر فيها المسيحيون ان يتسلموا ادراة اقضيتهم ونواحيهم من خلال قانون ينظم هذه العملية.
هذه في النهاية مقترحات وليست عقائد... وبأعتقادي اليوم أمامنا مخاطر أكبر وتحديات اصعب، فالهجرة والعوائل المسيحية المتضررة من جراء الارهاب والقتل والتهديد والخطف بحاجة الى يد أخرى تساعدها وتدعمها. التظاهرات في كل عواصم العالم من اجل المسيحيين، هي علامة جيدة لنمو الوعي الاخوي والتضامن الانساني، ولكنه غير كافي نحتاج الى لملمة انفسنا وتضميد جراح اخوتنا وتنسيق رأيينا السياسي في الداخل، والتخلي عن روح الطائفية المسيحية، فلا يملك الكلداني الحق ان يقول للأشوري اني أحسن منك وافضل منك، فما الذي تركناه للجهلة والمتعصبين، ولا يمكن الأشوري الحق ان يقول للكلداني والسرياني انكم غيرَ موجودين. كفانا تعصب، وليتذكر الجميع أنا لنا إله واحد ورب واحد في السماء ونحن له أبناء واخوة لبعضنا.