البرزاني نيجرفان رؤية مستقبلية لاقليم كردستان
مقدمة
( لا نخالف الواقع لو زعمنا أن أقليم كردستان ينعم بأمن واستقرار ، ومما لا ريب فيه ان الشعب الكردي بلغ هذه المرحلة بعد كفاح وتضحيات على مر عقود مضت ، ولكن ليست غايتنا في هذا المقال العودة الى الماضي ، إنما نريد التطرق الى الواقع الراهن ، وتحديداً احاول تسليط اضواء على تصريح الأستاذ يجرفان البرزاني رئيس وزراء حكومة أقليم كردستان لصحيفة الشرق اللندنية بعددها 10047 الصادر بتاريخ الأول من حزيران 2006 م ) .
نصف قرن من الزمن العراقي الفائت كانت تهيمن عليه ثقافة العنف والمؤامرات والأنقلابات العسكرية والحروب الداخلية والخارجية والى اليوم ما برحت عجلة العنف تدور في الوطن العراقي الجريح .
أمام هيمنة ثقافة العنف وسفك الدماء والفوضى ، تتراجع او تختفي عوامل التنمية والبناء والصحة والتربية والتعليم والخدمات ، كما تتراجع مفاهيم التعايش والتسامح والمحبة بين أبناء الشعب الواحد .
لقد عاشت كردستان في قلب الحدث العراقي ، وأصابها ما اصاب الوطن العراقي برمته من تأخر وإهمال وتراجع في النمو البشري والصناعي والتقني وفي كل مناحي الحياة ، وكان هبوط العراق في مقاييس سلم التطور والتقدم التنموي الى الدرجات الأخيرة ، بعد ان كان مقدراً له في تضاعيف الثمانينات من القرن الماضي ان يخرج من صحراء دول العالم الثالث الى واحة الخضراء للدول المتقدمة في العالم ، لكن الحروب الداخلية والخارجية التي أتت على ثروات العراق المادية والبشرية اوقفت عجلة التقدم بل أرجعتها الى الوراء ليبقى العراق عاجزاً عن مواكبة التقدم الحضاري في العالم وفي المنطقة .
وهكذا كان تطرق السيد نيجرفان البرزاني إذ يقول : إن حكومته تهتم اليوم أولاً ببناء البشر ، الى جانب الأستثمار في قطاعات الصناعة وتنمية الأدارة والتعليم .
وهو يشير بصراحة الى غياب المساعدات العربية ، أما منظمات الأغاثة الأسلامية فقد جاءت من اجل بناء المساجد وكفالة اليتامى ، ويضيف ايضاً : انهم اكتشفوا بعد فترة انهم جاءوا لتجنيد الشباب وتدريبهم على العنف .
إن الأديولوجيات الراديكالية التي تكرس خطاب التشدد والغلو ثم تمارس العنف والقتل لأسباب تافهة ، وهي التي تستغل الشباب وتوظف بينهم الخطاب المقدس لارتكاب جرائم القتل بحق الأبرياء .
إنا شخصياً انخرطت في صفوف الثورة الكردية لسنوات عديدة ولم الاحظ ما يوحي الى تبنيها هذا النمط من التفكير ، واليوم تواصل الحكومة الكردية خطابها العقلاني الواقعي في التعامل بروح العصر في شتى مناحي الحياة .
برأيي ان المنطقة الكردية لكي تلتحق بركب التقدم التقني والحضاري عليها في البداية قطع دابر العنف والأرهاب وكل انواع التطرف وتجفيف جذوره . وفي المقابل تنمو وتزدهر حديقة التسامح الديني والعرقي والمذهبي . إن الحكم الديمقراطي الليبرالي العلماني يفتح فضاءات الحرية والأنطلاق امام كل التوجهات فتنتعش حرية الفكر والرأي وحرية الصحافة وتفتح آفاق ملائمة جذابة للأستثمارت الأجنبية والوطنية .
إن اقليم كردستان ينتظره مستقبل زاهر ، ولكن من أجل ذلك لا زال امام الشعب الكردي الكثير للقيام به ، ولكن ما يدعو الى التفاؤل هو ان الحكومة الكردية اختارت المسلك الصائب لبلوغ المستقبل المزدهر هذا .
إن دعوة رئيس وزراء حكومة اقليم كردستان الأستاذ نيجرفان البرزاني لرجال الأعمال الأكراد وغيرهم من العراقيين للعودة الى بلادهم للمساهمة في بناء الوطن العراقي ، وعليهم ان يشعروا بواجباتهم في مسألة بناء عراق مزدهر ، ولاشك إن هذه العودة مرتبطة بعودة الأمن والأستقرار الى ربوع الوطن ، وحالياً فإن أقليم كردستان المستقر يعتبر مكان نموذجي لاستثمار الخبرات ولتدفق رؤوس الأموال .
وباعتقادي أن الدور السياسي العربي والأستثمارات العربية بالذات ينبغي ان تلعب دوراً بارزاً في هذه المرحلة ، وينبغي على الدول العربية ان لا ينحصر دورها بالمتفرج الى ما لانهاية ، إذ ان بناء أقليم كردستان وهو جزء حيوي من تنمية الوطن العراقي ، وهي مساهمة فعالة من الأقطار العربية في بناء العراق وإرساء قواعد متينة لاستقرار هذا البلد العربي الذي تمزقه المصالح والتدخلات الأجنبية من كل جانب .
إن المدخل الى الحكم الديمقراطي هو التعامل الشفاف مع لوائح حقوق الأنسان التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة والتي يأتي في مقدمتها حقوق الأقليات الدينية والعرقية ، وهنا يشير الأستاذ نيجرفان البرزاني صراحة الى ان بعض القوانين ما زالت بحاجة الى تعديل وقال : أن الآشوريين والكلدان واليزيديين والصابئة يتمتعون بكافة الحقوق الدينية مثل السنة والشيعة ، وأشار الى المساعدات التي تقدم للعوائل المهاجرة الى كردستان نتيجة أوضاع الأنفلات الأمني في بغداد والبصرة والموصل والى جهود تبذل من اجل توطين هذه العوائل .
إن التقدم الذي أحرزته الديمقراطيات الغربية سواء على مستوى الأجتماعي البشري او على مستوى التقدم التكنولوجي والخدمي لم يأت اعتباطاً او من ضربة حظ ، إنما خاضت هذه البلدان الحروب الشرسة المريرة ، وتجرعت شعوبها مرارة الظلم والهوان ومغبات الصراعات الدينية وألأثنية ، ولكنها في نهاية المطاف رست مراكبها على شواطئ التعايش السلمي وتسليم الحكم لمن يفوز بأصوات الناخبين ، واحترام الأديان والمذاهب وذلك بتطبيق حكم ديمقراطي علماني ينظر الى كل الأديان والعقائد والمذاهب نظرة متوازية ومتساوية . ثم احترام حرية الرأي والرأي الآخر وحرية الصحافة واحترام الملكية الفردية والحرية الشخصية وغيرها من القوانين . كل ذلك قد أهّل الأنسان الأوروبي ان ينطلق في معارج التقدم في كل مناحي الحياة .
إن اقليم كردستان تقطنه أديان وقوميات عراقية منذ أقدم العصور ، ومن هنا يقتضي إقامة حكم ديمقراطي ليبرالي علماني ينظر الى النسيج الذي سداته الأكراد ولحمته الأقليات فيعامل الجميع نظرة حضارية معاصرة .
هذا ما تقوم به حكومة أقليم كردستان التي يرأسها الأستاذ نيجرفان البرزاني ، إنها بدايات رائدة في تقدم وتطور هذه المنطقة وإن هذا التقدم يصب في مصلحة الوطن العراقي من مدينة زاخو الى مدينة الفاو .