Skip to main content
التاريخ يتكلم الحلقة 80 استشهاد خيري القاضي 1984 Facebook Twitter YouTube Telegram

التاريخ يتكلم الحلقة 80 استشهاد خيري القاضي 1984

ومن المفارقات الهزلية التي رويت حينئذ ان احد ضيوف السلطة في احدى المناسبات عندما رأى المأدبة الدسمة التفت الى صاحبه مداعبا (كل شيء من اجل المعركة!) وهذا يفضح الى اى مدى, حقا, كانوا مشغولين بالمعركة! فهم بالأصح, كانوا يتفننون في ابعاد شبحها عنهم بينما كان يحترق في اتونها ابناء " الماجدات " العراقيات.
اما آذاننا فقد صمت لفرط ماسمعت كلمة القادسية ليل نهار, في الصحف والاذاعة والتلفزيون وكل وسائل الاعلام, والاشادة بالقادسية الثانية التي لا يقل دورها عن القادسية الاولى (والقادسية اختيرت نسبة الى معركة القادسية الاولى بين العرب والفرس اثناء الفتوحات الاسلامية وكان قائد الحملة سعد بن ابى وقاص الذي كان مقر قيادته في دير اسمه القديس) لان الاعتقاد كان سائدا بان النصر من الله, والفتح القريب قاب قوسين او ادنى فتكون ايران الاقليم الشرقي, الذي ننفذ اليه من بوابتنا الشرقية لنهب كل ما طالته اليد واستباحة المحرمات, ففي الحرب تحل المحرمات وتغدق الغنائم على الجند الغانمين حالها حال القادسية الاولى.
قانون الطوارىء, وان كان ساري المفعول حتى قبل اندلاع الحرب, الا انه طبق بابشع صوره في كتم الانفاس وخنق اية افكار تندد بالوضع الراهن. ويكفي ان تتململ او تتذمر اية مجموعة او شريحة من امر ما لتلصق بها تهمة الانتماء الى حزب الدعوة, وهي تهمة تقود صاحبها للنهاية البشعة. الانتماءات السياسية محظورة الا للحزب الحاكم, والاحزاب الصنيعة التي يشكلها, والتعددية الحزبية كانت قد ولت قبل الحرب بكثير وقوة المعارضة على الساحة كانت وحدات البيشمركة الموجودة في الشمال وكان هناك قوى اخرى مثل الدعوة والبعث اليسار .. الخ وكانت البيشمركة هي المنقذ والملاذ للجنود الفارين من جبهات القتال ينشدون النجاة برقابهم من الموت المحقق. الصلاحيات الواسعة الممنوحة بدون حدود, لأجهزة الامن الداخلي والاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة كانت تخولها ايا كان وفي أي وقت تنزل به العقوبة الوحيدة التي تجيدها وهي: الاعدام! بعد ان تنال الضحية قسطا من التعذيب بالوسائل المبتكرة.
امسى العراق في ليل بهيم كالح السواد يرقد في سبات قد يمتد اجيالا اذ لم تكن تبدو في الافق بوادر انتفاضة شعبية او حركة عسكرية. اما الجيش فمعروف بولاء قادته المطلق للسلطة, وقد تم انتقائهم من اقرباء الرئيس او من اولاد حارته واغدقت عليهم الامتيازات وغرقوا في بحبوحة من العيش لا تقل عن معيشة السلاطين, وتفننوا في بسط النفوذ الساحق على كل آمري الوحدات والتشكيلات ومن ثم على كل مقاتل, اما من كان يجري الشك في ولائه, فكان يصفى على الفور. وتم جمع البيانات والمعلومات عن كل مجند وعن اقربائه حتى الدرجة الثامنة, كما وكانت تتشكل الوحدات الصغرى منها ومن ثم الاكبر بحيث لا ينسجم اثنان سواء باللغة او الفكر او الثقافة, فترى مثلا حظيرة مؤلفة من عربي وكردي ومسيحي وشيعي وسني, من حملة الدكتوراة الى الأمي, فلا يستطيع ان يبوح احدهم للآخر بخواطره, اذ تسود بينهم الريبة والشك وعدم الثقة المتبادلة.
لم يكن هناك, كما توصلت, بصيص أمل, في تنظيم قوة معارضة في الداخل. كان كل همي العودة للعمل في صفوف البيشمركة بأمل ان يسفر ذلك عن استقطاب المغضوب عليهم او الفارين من المعارك وزجهم بالتالي في النضال ضد السلطة المركزية.
لم تكن عامة الناس تجرؤا على مجرد التفكير في عمل ضد النظام, او الالتحاق بصفوف المعارضة, اذ ان كل فرد مرصودة حركاته والموت ينتظر من يعارض, فان نجا هو بجلده, فان العواقب الوخيمة تنتظر اقرباءه الذين يتعرضون لشر انتقام, وكان ذلك معروفا لدى الصغير والكبير.
قررت مغادرة تلك الاجواء التي تثبط اشد العزائم وتبث الاحباط عند اكثر المتمرسين شدة وصلابة, قررت العودة بعد ان شعرت ان مجرد التنكر والاختباء هما, بحد ذاتهما امران بالغا الصعوبة, فما بالك اذا كان ذلك مقرونا بعمل سياسي او عسكري؟
التحقت ثانية بقواعدنا في ربيع 1984 وكان طريق العودة محفوفا بالمخاطر والمجازفات غير المأمونة, ولا مجال لسردها او الاعلان عن تفاصيلها في الوقت الحاضر توخيا للحيطة والحذر.
عندما حطيت الرحال عند رفاق السلاح شعرت ان عبئا ثقيلا انزاح عن كاهلي. انني طليقة الحركة والكلام اتحدث وانتقد وافكر بصوت عال, وكانت فرحة عارمة حينما وطأت ارض كردستان ثانية بعيدا عن مخاطر ومهالك ذلك النظام الذي سحق باقدامه عموم الشعب وجرده من ابسط مقومات الحياة الحرة.
التقيت بالرفيق الفنان ابو فائز, قبلني بحرارة وحكى لي عن قلقه على مصيري طيلة فترة المغامرة تلك, قال انك اتخذت القرار الصائب بعودتك الى سوح النضال هنا في صفوف البيشمركة.
اعتكفت للكتابة عن الاحوال السياسية للبلد على شكل تقارير متنوعة شملت:
1- وضع الحكومة المركزية
2- تقييم الجمهور للنظام الحاكم
3- تقييم الجمهور للمعارضة المسلحة ومدى اهتمامهم بها
4- الحرب وتأثيراتها السلبية على جميع الاصعدة
5- آراء الجمهور بالحرب الدائرة
6- الاوضاع الاقتصادية في زمن الحرب
7- هموم الناس وتطلعهم لوضع نهاية لتلك الحرب
8- دور الاعلام العراقي المستحوذ على نمط التفكير لدى عامة الناس
9- قوة وفعالية نشاط اجهزة الامن والمخابرات
10- غياب العناصر الشابة عن الساحة السياسية
11- دراسة حول الايدي العاملة المصرية
12- وضع المرأة العراقية وتحملها وطأة وقسوة واهوال الحرب
13- الجهاز الاداري في العراق
14- القوة الشرائية التي اتسمت بالمتانة في فترة الحرب
15- الشركات والعمالة الاجنبية في العراق
كتبت وبحثت في كل تلك الاحداث التي يمكن, من خلالها, تقييم الوضع الراهن وانعكاساته على مختلف قطاعات الشعب, ومن ضمنها المقاومة المسلحة, ومدى فاعليتها في مواجهة نظام مسلح بالقوة والبطش, متغلغلة جذوره ليس في الداخل فحسب, بل امتدت تأثيراته على الساحة الخارجية, واصبحت الحرب العراقية – الايرانية الشغل الشاغل لنشاط المخابرات الدولية, وللصراع بين منتجي وتجار الاسلحة. كما شاعت فضائح التورط في تهريب السلاح الى كل من الطرفين المتحاربين, او التواطؤ في تصديره, وطالت كثيرين من كبار الساسة والمتنفذين في الدول الكبرى المنتجة له.
افرغت ما في جعبتي. سؤلت ان كنت متفائلة؟ فكانت اجابتي على العكس فانني متشائمة, لانه لا توجد اية بادرة او مؤشرات, من قريب او بعيد, تشير الى امكانية تغيير النظام بعمل عسكري, لا من الداخل ولا بواسطة امكاناتنا المحدودة, هذا فضلا عن انعدام الدعم والغطاء الدوليين. كانت حسابات القيادة مغايرة لما لمسته وعشته, بدت كأنها تخطط لامر وشيك الوقوع ليس لي علم به! وكان يجري, احيانا, اتهامي باليأس, لأنني نقلت مشاهداتي اليومية وما يعكسه واقع الحال في تلك الفترة بكل امانة واخلاص. اصبحت من غير المرغوب فيهم, واحتدم صراع عنيف بيني وبين القيادة وكان الجدل قائم على قدم وساق بيني وبين اعضائها حتى اوشكت على التخلي عن ماضي السياسي دون رجعة لولا الخوف من مسألة واحدة وهي اتهامي بالجبن والتخاذل والانهيار وعدم امتلاك الصلابة المعهودة والمطلوبة من الرفاق في مثل تلك الظروف.
افضيت بما يجيش بخاطري من انفعالات مكبوتة الى احد الرفاق القيادين ولكنه كان يشد من ازري بمقولته المعهودة (الصراع يبدأ داخل الحزب لا خارجه) وعلى من خبر دروب النضال وصلب عوده ان لا يتقهقر ولا يثنيه عن عزمه اختلاف وجهات نظره مع الآخرين. اين هي ممارسات النقد والنقد الذاتي؟ وفي الاخر لا يصح الا الصحيح وسيثبت الزمن ذلك.
اطلالة الربيع وخضرته الباسمة والسفوح المزدانة بنسيج من الوان الزهور اعادت الينا نقاهة الروح والفكر, تعودنا على التسامر في احدى الساحات القريبة, او كنا نتجول بين تلك السفوح حين ناداني الشهيد ابو زكي (خبري القاضي) قائلا: هلمي سعاد تعالي فانا في غاية الشوق للتحدث معك, دعينا نتبادل الاخبار ونستعيد الذكريات. كنت قد عملت معه قبل سفري الى موسكو, علق الرفيق ابو نضال الاثوري من كاني ماصي (وهو يحب المزاح كثيرا): ماهذا الغزل يارفيق ابو زكي ؟ هل وقعت في حب سعاد؟ انسيت انك متزوج ولك اطفال؟ مالك وهذه الفتاة التي أمضت العمر كله بين العلم والسياسية؟ ضحكنا نحن الثلاثة كثيرا وحثثنا السير الى شجرة التوت القريبة ذات الظلال الوارفة التي كانت على طرف ساحة فصيل الحماية.
اخذ الشهيد ابو زكي من دهوك يذكرني بالمواقف الصعبة التي قضيناها اثناء " التحالف الجبهوي " مع البعثيين ايام السبعينات, تحدثنا عن السفرات بتلك الموسكوفيج الحمراء الى اربيل مع مجموعة من الرفاق. كنا نقفل راجعين بعد منتصف الليل غير آبهين بالاعياء والتعب او خطورة الموقف السياسي انذاك, قال ابو زكي : كم كنا ساذجين حين مددنا يد التحالف الى اولئك البعثيين الذين كانت مواقفهم معروفة منذ ظهورهم على الساحة السياسية. ولم ينبري احد لتشخيص العلة ووضع يده على الجرح, كما لم نستطع استغلال امكاناتنا في الازمنة التي كانت فيها كفتنا هي الراجحة ولم نشهر السلاح الا بعد فوات الاوان."
تحولنا الى موضوع آخر. بادرني قائلا اني في احر الشوق لرؤية عائلتي واطفالي الذين لم القاهم منذ وداعي لهم عام 1979 , انهم كبروا الآن واشعر في قرارة نفسي انني لن القاهم ابدا, وكما انا متشائم من وضعي الشخصي فانا غير متفائل من تطور الاوضاع السياسية انها غاية في التعقيد ولا مؤشر على انها تأخذ مسارها الصحيح. أخطأنا في تقدير كثير من الامور ومنها علاقاتنا مع حلفائنا على الساحة الاممية, هاك مثلا موقف البلغار وزيارة جيفكوف للعراق ونزوله عند رغبة صدام بزيارة الحلة وهي دلالة واضحة على تنازلات واعتذارات ضمنية من الجانب البلغاري عن اغتيال احد العناصر البعثية في بلغاريا, في الوقت الذي كان البلغار على علم بعمليات التصفيات الحثيثة لكل قوى اليسار ومحاولة اجتثاثها بابشع الوسائل. ادركنا بعد فوات الاوان اننا لانستطيع الاعتماد الا على قدراتنا الذاتية, قواتنا الضاربة المتمثلة في تشكيلات البيشمركة لا تستطيع زعزعة النظام, ان ذلك يتطلب تنظيم داخل القوات المسلحة واختراقها في تلك الآونة محكوم بالفشل.
كنت بدوري احدثه عن انطباعاتي عن زيارتي الاخيرة لبغداد, كانت افكارنا متقاربة, وحرصت على توثيق العلاقة معه. صارحني بانه يرغب ان يجري ترتيب لقائه باطفاله وعائلته وبالرغم من خطورة المحاولة ولكني وعدته باننا سنفكر بايجاد مخرج لذلك ولكن ليبق ذلك في غاية الكتمان خوفا عليهم .
في اليوم التالي كنت مكلفة بنوبة الخفارة (تهيئة الطعام للفصيل) في الساعة الخامسة صباحا نادى الحرس للاستيقاظ وتهيئة شاي الصباح, نهضت لاجد ابو زكي مستيقظا, يقطع الساحة جيئة وذهابا وهو يفرك كفا باخرى والقنوط يعلو قسمات وجهه. شعرت ان الامر غير طبيعي وان هناك ما يشكو منه وحين سألته اجاب انه يعاني من مرض في عضلة القلب ولقد نفذ ما لديه من دواء وضربات القلب عاودته, طلبت منه اسم الدواء ووعدته ان ابذل ما في وسعي للحصول عليه بعلاقاتي الواسعة مع الناس هنا. شكرني على اهتمامي واخلاصي لرفاق الدرب وانتهى حديثنا لأبدأ عملي في المطبخ. اردت الاستعانة بالرفيقة الدكتورة ام هندرين لمراقبة وضع ابو زكي وكان الحرس قد سبقني لايقاظها.
تدهور وضع ابو زكي فنقل الى المستشفى ولم يدر في خلدي انه سوف لن يخرج منها ثانية. استلقى ليغط في نوم ابدي. هرعت ام هندرين لنجدته وبذلت ما بوسعها, مستعينة بخبرتها الطبية في عمل مساج لعضلة القلب بواسطة الضغط على القفص الصدري وحاولت اسعافه بكافة الوسائل المتاحة دون جدوى, كنت احاول استطلاع الامر علني افلح في التقاط صوت ابو زكي من داخل الغرفة لكن الحارس منع لحظتها الدخول حرصا على عدم عرقلة جهود الطبيبة.
استيقظ الرفاق جزعين على ما الم بابو زكي. وانتظروا بفارغ الصبر سماع صوته, ذلك الرفيق, بجدائله وشخصيته النافذة الى القلوب, كان قائدا للفوج الاول وقدم الى كلي زيوة لحضور الاجتماع السياسي الدوري للقاطع لكنه لم يكتب له ان يراه.
بعد برهة ونحن نتهيأ لتناول الفطور جاءنا قرار الطبيبة كالسيف البتار, رنين تلك الكلمات لا يمحى من ذاكرتي. قالت انني عملت المستحيل ولكن الامر انتهى. لقد فارقكم الرفيق ابو زكي الى الابد! الغريب انني لم استطع البكاء ولم تذرف عيني دمعة واحدة لفرط المي له وحسرتي عليه.
قرب النار كان الرفيق ابو جوزيف يتحدث عن مأساة الراحل ابو زكي. كان الرجل قد احس بقرب النهاية واخذ يلح في طلب رؤية عائلته واطفاله, لكننا لم نستطع ان نفعل له شيئا. بدأت بتقشير البطاطا لتهيئة وجبة الغذاء التي كانت الرز والبطاطا, خلال ذلك كانت تجري التهيئة لمراسيم الدفن والتأبين. تهيأت القاعدة واستنفرت لذلك. وحسب التقاليد كان يجب غسل ابو زكي قبل دفنه وان تقوم امرأة مسنة بالباسه ثيابه بعد الغسل (يجب ان تكون امرأة مسلمة). حمل الشهيد الى منطقة معزولة وتحت شجرة احيط جثمانه بساتر من الملاءات اذ من الشعائر ان يغسل الميت في مكان مستور طبقا للشريعة الاسلامية التي حاولوا تطبيقها بحذافيرها, ابو نضال الاثوري هرع للقرية للاستنجاد بامرأة مسنة للقيام بتلك العملية, لدى حضور تلك المرأة بدأ الرفاق بغسل جثمان ابو زكي تحت تلك الشجرة الخضراء ثم البسته المرأة ملابسه, ثم حمل جثمانه من قبل اربعة رفاق وهو ممدد على سدية المستشفى بعد ان كفن بالقماش الابيض ثم توجهوا الى المقبرة قبالة المقر.
كنت في المطبخ, منهمكة في اعداد الطعام, فلم احضر تشييعه الى مثواه الاخير, سألتني الطبيبة هل القيت عليه النظرة الاخيرة؟ قلت لا استطيع ان اتخيل ولو للحظة ان ابو زكي قد مات. ولم اكد اتم عبارتي تلك واذا بقذيفة مدفع تنفجر في المقبرة, في وسط الموكب الجنائزي الذي رافق النعش لمواراته الثرى, وكان من المفروض ان تطلق ثلاث رشقات من البنادق تحية الوداع عند انزال النعش الى القبر ولكننا لم نسمعها فقد صدر القرار العسكري بترك المقبرة واخلائها والالتجاء الى الملاجيء وبقي اربعة رفاق لاكمال عملية الدفن بالرغم من عملية القصف المكثفة باتجاههم, لم تلق الكلمات التأبينية ولم تستكمل المراسم, كنا في غاية القلق على مصير الرفاق الاربعة.
لقد فقدت انسانا كنت اعتز به كثيرا, احترم ثقافته الواسعة وتواضعه الجم وتضحياته التي لا تحصى, في ذلك الليل البهيم تراءى لي طيف ابة زكي في حلم حزين,كنا, كلانا يذرف الدموع مدرارا بحرارة, والحزن والاسى قد تملك احاسيسنا, جفلت في الصباح الباكر وايقنت ان ابو زكي ذهب دون رجعة, فتملكني الجزع وادركت ان الحزن والدمع لا يجديان نفعا. انصرفت الى القراءة عزائي الوحيد وتحايلي للنسيان, انكببت على كتاب بين يدي للطاهر وطار الكاتب الجزائري المبدع وكنت معجبة بكتاباته الغنية.
جاءني الرفيق ابو نهران من الناصرية واشاد بتولعي بالقراءة, كنا نتحدث عن امور الساعة في السياسة, ورغم اننا كنا مختلفين في الرأي تماما, ولكننا كنا نلتقي كأصدقاء نمزح ونتحدث في شتى الامور, فهو صحفي مبدع , اخذنا نتحدث عن الشهيد ابو زكي, لم ابكه ذلك الوقت, ولم ابكه حتى الآن, كان فرط الالم حين اتذكره يحبس عن عيني الدمع.
ايها الرفيق ابو نهران ! علمت مؤخرا انك حطيت الرحال في الدانمارك, اتمنى لك التوفيق في عملك الصحفي, ولعلك تنعم أخيرا بالسلام. الذي افتقدته وافتقدناه جميعا, طويلا. ولعل ظروفنا الجديدة تقودك وتقودنا جميعا الى تملي تجربتنا بهدوء, ولعلنا نهتدي, بعيدا عن قيود الايديولوجيا, الى السلام مع انفسنا فنزرعه في ارضنا ونورثه لمن سيأتي بعدنا.
Opinions