التاريخ يتكلم الحلقة 18 بطلة عراقية اسمها ( أم محمد)
( كتبت الصحفية العراقية اسراء خليفة تقول : ام محمد .. امرأة في الخامسة والاربعين من عمرها لها اربعة اولاد تيتموا في انفجار ارهابي مجنون حدث في الباب الشرقي بينما كان أبوهم يقود سيارته (الكيا) ليركنها بجانب عدد من السيارات الواقفة بانتظار (العبرية)..كان القدر بانتظار ام محمد التي فجعت بزوجها الذي اعادوه اليها شهيدا ليضعها في امتحان عسير مع اربعة ايتام لا معيل لهم سوى هذه (الكيا) التي لا يمكن ان تنفق عليهم بدون ان تقاد في الشارع.بقيت (الكيا) مركونة في كراج المنزل المستأجر لعدة اشهر وانفقت ام محمد كل ما أدخرته من المال واصبح عطاء الاهل والاصدقاء يقل وقررت (ام محمد) ان تعطي السيارة الى سائق ليجلب لها المال، وجربت ان اعطتها لعدد من الاقرباء الذين اتعبوها كثيرا.واخيرا جاء قرار ام محمد جريئا ومفاجئا وغير مألوف عند الاهل والاقارب والاصدقاء وهو ان تقود هي بنفسها السيارة وتعمل بها على نفس الخط الذي كان يعمل زوجها به وهو (الباب الشرقي - الزعفرانية). كان الارتباك باديا عليها عندما صعدت في السيارة التي سبق (لأبو محمد) ان علمها قيادتها في الشارع وكأنما كان يعلم بمصيره المحتوم.. وهكذا وضعت (ام محمد) الخجل جانبا واصبحت تقف في الشارع بكل رصانة وهدوء ومعها ولدها البكر الذي يبلغ من العمر (10) سنوات (لتقبط) سيارتها وهي الآن تعمل على الخط كما تقول وتربح الكثير وليست بحاجة الى احد يعطف عليها..)
لم اتمالك نفسي عند قراءة هذه المقالة في موقع الجيران وانفجرت الدمعة في عيني ، وكم تمنيت تلك اللحظة لو كانت ام محمود بجانبي لحظنتها وقبلتها من وجنتيها الخجولتين . اقول لك ايتها المراة العراقية ام محمد انك الام الرائعة المضحية من اجل اطفالها . انك المراة العراقية الجريئة التي نقتدي منها الجراة والكرامة العالية رغم اني اكبر منك سنا, لكني اقتدي بشهامتك التي قلما تملكها النساء في مجتمعاتنا الشرقية . انك بخطوتك هذه كسرت حاجز العادات والتقاليد التي تريد من المراة العراقية ابقاءها اسيرة البيت مكسورة الجناحين . اليوم اطفالك صغار لكنهم سوف يكبرون ويقدرون هذا الموقف الرائع لوالدتهم . بخطوتك هذه دخلت تاريخ الحركة النسوية العراقية من ارقى صفحاته النضالية . ارى فيك الام الشجاعة . الارملةالمحترمة ذات النفس العزيزة . الام الوقورة الحريصة على اطفالها .لكني اسأل اين ستبقين اطفالك الصغار يا عزيزتي ؟ حتما هناك الاهل والاقارب الذين سيساهمون برعايتهم. هذه هي العائلة العراقية التي تحتضن الايتام . في كل الديانات السماوية تقول هناك اجر عند ربك لو رعيت او اطعمت اليتيم وهذا ما سيحصل عليه الاقارب الذين يساعدوك .
انا متأكدة عزيزتي ام محمد إنك لجأت الى هذا القرار بعد معاناة كبيرة . أعرف إنك كنت بحاجة الى اطعام اطفالك ، وتوصلت الى قناعة( العمل عبادة) ، وفعلا هذا ارقى انواع العبادة . حقا إن الظروف الصعبة هي التي تخلق الانسان القوي اعني هنا المراة القوية التي تحاول ان تطرق الابواب حتى يفتح احدهم لها والمثل العربي الذي يقول (الحاجة ام الاختراع ) انطبق على ام محمد الحنونة على اطفالها .
وأحكي هذه القصة لأختي ام محمد . كنت في الصف الثالث المتوسط كان يدرسنا المرحوم الاستاذ جرجيس حميكا مادة الفيزياء . وكان له من الخدمة انذاك 23 عاما في تدريس مادة الفيزياء وكان يقيم من بين الاساتذة الناجحين في تدريس هذه المادة . وقف شامخا امام طالباته ليتحدث عن والدته قائلا : انا جئت من عائلة فقيرة . والدتي إمراة مضحية كانت تخبز عند اغنياء مدينة الموصل لتجمع كل شهر مصاريف الجامعة وترسلها لي . عندما كنت اشتري السندويج لوجبة الغداء كنت اسأل نفسي كم قرصة خبز خبزت والدتي لتجلب لي هذه السندويج ثم يقول : الفقر عمل مني هذا المدرس الناجح كنت افكر ان اتخرج من الاوائل كي اتعين باسرع وقت واوفي والدتي العظيمة . وهذا كله جاء بفضل والدتي التي لم انساها يوما واحدا قبل وبعد التخرج . انا فخور بكوني ابن الفقيرة الخبازة .
هكذا سيعتز اولادك بهذه التضحية التي تقومين بها وانت معززة مكرمة لا تمدي يدك الى احد مهما كانت صلة القرابة . اليوم الجميع يحتاج الى الماكل والمشرب والملبس . عفاك الف مرة واشد على يديك ام محمد ,واكثر من هذا انك تجابهين الارهاب وانت شوكة حادة بعين العدو الذي يحاول ان يدمر المراة العراقية ويسلب منها كرامتها . والله يزيد من امثالك .