Skip to main content
التاريخ يتكلم الحلقة 30 تركيا تستقبلنا لاجئين Facebook Twitter YouTube Telegram

التاريخ يتكلم الحلقة 30 تركيا تستقبلنا لاجئين

في الرابعة صباحا وصلنا الى احدى القرى الكردية, وهو الوقت الذي يبكر فيه الفلاحون لاطعام حيواناتهم. ناشدناهم اسعافنا ببضعة ارغفة خبز, فلبوا طلبنا في الحال واخذت النساء ترمي الخبز لنا. كان منظرا رهيبا حين وصول اول قطعة خبز. لقد قطعت اربا وتهافت عليها الاطفال! عند بزوغ اشعة الشمس وصلنا قرية كردية اخرى, الفلاحون في حقولهم وبساتينهم, نناديهم لتزويدنا بما يتوفر لديهم من طعام فلا يبخلون علينا بذلك. زودونا بالخبز والفاكهة, خيار, طماطة, امرأة تحمل صندوقا كبير وزنه 5 كيلوات بسكويت ومعه عنب وتفاح قدمتها لنا . كانت فرحة عارمة ان يجد اولئك الاطفال ما يسدون به رمقهم بعد صيام طال امده. علما بان اولئك الاكراد المتعاطفين معنا كانوا يعرضون انفسهم لخطر المساءلة اذ ان ذلك محظور عليهم وهم مبلغون مسبقا, من قبل السلطات التركية, بعدم ابداء اية مساعدة لنا او حتى الرأفة بنا. كان سواق الشاحنات متفهمين لذلك الوضع ومتضامنين معنا. فكانوا يبطئون سرعتهم حين اجتيازنا لتلك القرى او يقفون بحجة مناوبة السياقة حيث ان كل شاحنة يقودها سائقان, وكان القرويون خلالها يرمون الطعام لنا من بعيد, كذلك حصلنا على كمية من الفاكهة التي كانت ايضا تروي ظمأنا لعدم وجود الماء.
في الخامسة صباحا من اليوم التالي وصلنا الى مكان عبارة عن فسحة كبيرة ابلغنا بالترجل فيها. لم نكن نعلم اين موقعنا واين وصلنا, لكننا لاحظنا حراسة مشددة علينا, من كل صوب, من قبل الجندرمة التركية المسلحة باسلحة الناتو وبوجوه عابسة. ابلغنا بعدم انزال امتعتنا الشخصية من الشاحنات وجرى تفريق النساء والاطفال عن الرجال, وامام طاولة صغيرة جلست نساء تركيات يتكلمن بضع كلمات كردية روتينية كافية لتوجية الاسئلة لنا. كل فرد ينزل من الشاحنة يأمره جندي مسلح, موجها فوهة بندقيته اليه, بالدخول الى ما يشبه معسكر محاط بسياج حجري بارتفاع مترين تقريبا, تعلوه اسلاك شائكة ويرابط في محيطه على طول الجدار, جنود مدججون بالسلاح. وكان كل فرد يجبر على الوقوف في طابور الى ان يأتيه الدور للتفتيش. كان هناك اكثر من عشرة صفوف من البشر, وكنت من ضمن الواقفين مع الاطفال والنساء والى جانبي وقفت بسمة, ننتظر ونحن في وجل من امرنا. كنت مازلت احتفظ بتلك الصور التي نصحني سلام بحرقها وكذلك بجواز سفري, سيكتشفون امري! سيكتشفون انني كنت من عناصر البيشمركة! ومن المحتمل في هذه الحالة تسليمي للقوات العراقية, كانت بسمة تراقبني وهي مرتبكة وخائفة, وطلبت من المسؤول, قبل التفتيش, وضع الطفل ريدير على الارض لتبديل ملابسه المتسخة, وملالاته لان رائحته لا تطاق, هكذا ادعت بينما الغرض من ذلك عدم تفتيش الطفل الذي كنت قد وضعته خلف الرجل. جاء دوري وسأل عن اسمي الذي هو سعاد (اخت عبدالله) وعن اسم الطفل قلت ريدير أي (الطريق الطويل). وقال انكم حقا في طريق طويل مجهولة نهايته. فتشتني المرأة المسؤولة عن ذلك ثم توجهت الى الطفل الذي كان مستغرقا في البكاء ظنا منه بانني سأتركه وحملته. لم يدري بانه قام بمهمة غاية في الخطورة وهي اخفاء تلك الصور والوثائق العائدة لي في ملابسه.
ذهبت مع بسمة والطفل ننتظر قدوم عبدالله مع والده الملا**, الرجل المسن البالغ من العمر 80 سنة. وقفنا مع الاطفال ننتظر قدوم الرجال, ثم ابلغنا بان نبحث عن خيمة لنا تتسع
** الملا: رجل ديني يقرأ القرآن ويتلوه في مراسيم متعددة وله صلاحية عقد قران المتقدمين للزواج.
لتسعة اشخاص, اما وجبة العشاء فقد اعلمونا بها بمكبرات الصوت, على ان نأخذ معنا اناء فارغا لنستلم وجبتنا التي لا تتعدى عن حساء خفيف جدا لا يسد رمق شخص واحد لكننا كنا نأكل نحن التسعة اشخاص, منه. بعد العشاء استدعينا, ايضا بمكبرات الصوت, لاستلام امتعتنا الشخصية. ذهبت وعبدالله والاطفال لهذا الغرض. كان هناك مجموعة من الملابس الداخلية وافرشة متسخة مع قليل من ملابس الاطفال. ركضت التقط عليجتي التي كان بداخلها ملابسي الداخلية مع آلة التصوير نوع مينولتا مع كتابي الذي بحثت فيه عن خصوصيات المرأة العراقية ومعاناتها. وجدت العليجة فارغة تقريبا اذ اختفت منها آلة التصوير واوراقي. نصحني عبدالله بالسكوت وعدم اثارة الموضوع لاننا لا نعلم ما ينتج عن ذلك من عواقب. ثم غلبنا النوم بعد ان هدنا الاعياء, وبعد ان تمكنا من ارتشاف قدح من الشاي.
نهضنا في الصباح لاستلام وجبة الفطور التي كانت عبارة عن قطعة صغيرة من الجبن الابيض, بحدود العشرين غراما, للفرد الواحد مع كمية لابأس بها من الخبز. وهكذا استمرت الحالة, نستلم ثلاث وجبات في اليوم, وقد تم ذلك من قبل مختار* كل قرية, فهو مكلف بكتابة اسماء العوائل التابعة لقريته وعدد الافراد الذين تتكون منهم كل عائلة, ثم كارتا صغيرا مدونا عليه رقم 9 مع اسم القرية, وذلك يعني ان عائلته مكونة من تسعة افراد.
وفدت الينا بعثة طبية مكونة من ممرضة ورجلين, احدهم يتكلم اللغة الكردية, ولكننا لم نكن نعلم مستوى تدرجهم الطبي, ازدحم الناس حول المركز الطبي وعادوا بنوع من الكبسولات

* المختار: هو الشخص الذي يمثل القرية ويكون حلقة الوصل بين اهل قريته والسلطات التركية.

من لونين ازرق وابيض ملفوفة بقطعة من الورق اضافة الى نوع آخر من الحبوب بيضاء اللون.

Opinions