التاريخ يتكلم الحلقة 103 د. جونا وعلاجها الطبيعي
عدنا، انا وجيمس، ثانية الى د. جونا بعد تثبيت موعد مسبق معها. وتعرضنا، عند الدخول، الى ذات الاجراءات السابقة، وخيل لي بان الدخول الى يلتسن رئيس الجمهورية اسهل من الدخول اليها حينها . استقبلتنا بنفس المودة والترحاب واستمر اللقاء بحدود نصف الساعة ورنين الهاتف يقطع علينا حديثنا. سكتت برهة ثم قالت: ساغادر الشهر القادم، الى نيويورك (كان ذلك في ربيع 1991 ) وساتصل شخصيا، بسركون واكلمه، ربما ساجد عنده الحل لمشكلتكم، وساحاول اللقاء باعضاء مكتب بوش الاب . اثناء تبادل الحديث كنت احاول تركيز النظر في عينيها السوداوين الا انني لم استطع، كانت اشعة قوية نافذة تصدر عنهما تسيطر على قوة الابصار عندي. عندما اخذنا طريقنا للخروج قلت: جونا لدي آلام في ظهري" ونحن واقفان في المطبخ انزلقت انامل يدها اليمنى فوق فقرات ظهري تفحصها الواحدة تلو الاخرى، حتى استقرت على موضع الالم. دون ان ابدي اية ردة فعل شعرت ان اشعاعاً اخترق ظهري من نهايات اناملها وكأن مساميرشعاعية تخترق ظهري ودهمني صداع شديد على الفور. نادت ابنها الاشقر الطويل الفاتن، ليأخذني الى الطبيبة ناتاشا لتكملة علاجي بعد ان اخبرتني بانها ستسافر الى السويد.رجعت الى البيت وحدثت لينا بما حصل وتحدثنا عن الموضوع الذي كان يشغلنا ويشغل زملاءنا العراقيين ونحن بانتظار جونا وما يمكن ان تحققه لنا، نحن العراقيين، من حلول. كنت اداوم في الوقت نفسه على العلاج الطبيعي، واخبرتني الدكتورة ناتاشا بان علاجي سيطول ويقتضي ان احضر جلستين في الاسبوع وكل جلسة تستغرق (20 دقيقة). كان العلاج يبدأ بالجلوس على كرسي خشبي اعتيادي، والطبيبة الشابة ناتاشا، مرتدية صدريتها البيضاء، تبدأ تربت على رأسي وظهري باناملها، كانت احيانا، تلمس قمة رأسي وتنحدر الى فقرات ظهري، الواحدة تلو الاخرى، نزولا الى اطراف القدم ثم تغير حركة الاصابع، فتكون احيانا، اعلى من مستوى رأسي بعشرين سنتمترا وتقوم بحركات من اصابعها ويديها، تلمس رأسي احيانا، واحيانا تحركها في الفراغ. خف الالم في الاسبوع الاول، لكنه عاودني في الاسبوع الثاني. اخبرت ناتاشا بذلك، فابدت ارتياحها للنتيجة وقالت انك تتماثلين للشفاء، دورتك الدموية نشيطة، وهذه من الدلائل التي تشير الى تماثلك للشفاء، الذي لن تظهر بوادره الكاملة الا بعد الجلسة العاشرة. وعندما كنت اعود الى البيت في اليوم الذي اتلقى فيه العلاج، كنت اتمتع بنوم عميق هادىء. اعطتني د. ناتاشا بعض التعليمات اذ علي ان اقوم بشراء سمكة نهرية واسحب عظامها ومن ثم اضع لحم السمكة، مباشرة، على ظهري وانام في مكان دافيء. ونصحتني بان اربط لحم السمكة على ظهري بقطعة قماش صوفي للحفاظ على درجة من الدفء فالسمك النهري يمتص الاملاح الزائدة عن حاجة الجسم، ختمت بان مدة العلاج هي شهر، مرتين في الاسبوع، كذلك اشارت بان اكثر من شرب السوائل.
واظبت على العلاج حتى الجلسة الخامسة عشرة، على ان اراجع بعد ثلاثة اشهر لاكمال العلاج. كذلك نفذت العلاج السمكي مرة واحدة الا انني لم اقو على تحمل الرائحة الكريهة للسمك، فقد كانت تفوح من بدني كله، بحيث لم استطع النوم، لكني بقيت مستمرة على العلاج الآخر. وفي احدى الجلسات، وانا في ممر الانتظار، دخلت جونا فوجدتني هناك، فاتجهت مباشرة نحوي تستقبلني مقبلة اياي ومرحبة باللغة الآشورية، فاندهش الموجودون من هذه اللغة التي تتردد بيننا، قالت لهم هذه هي اللغة الآشورية .
كانت جونا تشغل، في ذلك الوقت، حيزا اعلاميا كبيرا وكانت مثار جدل حام بين رجال العلم، بين الاطباء، بين رجال الدين، ورجال السياسة، فريق يؤازرها ويدعي انه نمط من انماط العلوم الحديثة، كان يمارس في الازمنة الغابرة في بلاد المشرق وخصوصا في شرق آسيا والصين. فريق آخر من الاطباء يقول بان جونا احيت علما كان يمارس في العهود القديمة والفريق الثالث، الرافض، كان يعتبر عملها شعوذة وضحكا على الذقون، لا يعدو كونه نوع من الاستلاب ووسيلة لجمع ثروة خيالية (وفعلا لدى جونا حسابات مصرفية في كل من امريكا، سويسرا، انكلترا، المانيا) اما رجال الدين ومن ضمنهم البابا، فقد باركوا عملها وكانوا يعتبرون ذلك قدرة الهية منحت لها فجعلتها تختلف عن باقي البشر، حيث ان اناملها الرقيقة، الجميلة، مباركة من الرب، وتصدر عنها اشعة فوق طبيعية تعمل على شفاء المرضى، وهذا ما حدث زمن السيد المسيح، اذ كان اول من عالج المرضى وفتح العيون السملة، وابرى كثيرين من البرص واقام المقعدين والمشلولين، وانبرى رجال الدين في موسكو الى موآزرة هذا الاتجاه ودعمه، واصبح حديث المجتمع برمته، فرجال الدولة والسياسة يستنجدون بجونا لمعالجتهم، ومنهم يلتسن الذي يصفها بالطبيبة الخارقة، وكان يدعو الى مساندتها، فهي قد حققت كسبا وانجازات طبية فريدة وسمعة علمية لبلدها، واصبحت معروفة على النطاق المحلي والعالمي، وافتتحت معاهد مماثلة، كثيرة، في مختلف انحاء العالم وهي تقضي معظم وقتها تجول في عواصم الدنيا تتفقد تلك المعاهد. لكن جونا لا تحتاج في قدراتها الذاتية الى دعم مادي، انها تعتمد على طاقاتها وقدراتها الخارقة، القوى فوق الطبيعية، فلماذا نحجبها عن البشر؟ جونا كانت تعالج بريجينيف سرا. الآن انتهى زمن الاسرار في موسكو واصبح كل شيء علني، كما يقال، ويمارس بحرية، وهذه حسنة للتجربة الجديدة بالرغم من مساوئها الاخرى التي جرت الاشارة الى بعضها. كان فريق من السياسيين يخشى ان يكون وراء تلك الهالة التي احاطت بجونا، من عمل الامريكان والصهيونية العالمية! لاشغال الشعب السوفييتي والهائه، وخلق البلبلة والانقياد الى الامور الثانوية في الحياة. ويندرج ذلك في تصورهم، تحت باب التخريب الفكري! كما انهم اعتبروا ذلك نوعا من انواع الشعوذة والسحر الذي لا يمت الى العلم والطب بصلة، ولم تخل الصحف وبرامج الاذاعة والتلفزيون من ذلك الموضوع، ولقد شغلت جونا حيزا واسعا في حقل الاعلام وانبرت وسائله الى التسابق للحصول على تصريح او فرصة لمقابلة جونا، الطبيبة والبروفيسورة، التي اكملت دراسة الطب وهي في الاربعينات من عمرها، حيث كانت عاملة بسيطة مغمورة فتحولت الى اسطورة، اشهر من نار على علم، وما اكثر ما كانت عيادة جونا تتحول من المواعيد الطبية الى تنظيم لقاءات صحفية طبية تنظمها كبريات الصحف والمجلات الطبية الاجنبية في مختلف ارجاء العالم التي تتصدر صور جونا صفحاتها الاولى، ومن يستطيع الوصول اليها فهو محظوظ! تحولت جونا من طبيبة ناجحة الى شخصية عالمية مرموقة وآخر انتصار اعلامي لها كان عبر محطة التلفزة (CNN) التي، هي الاخرى، تحدثت عن عبقرية جونا واسلوبها الخارق في العلاج.
وانتهت كثير من وسائل الاعلام الى الاستنتاج التالي، ماذا نخسر اذا نجحت جونا في استعمال قدرتها واناملها التي تتمتع بقدرة خارقة دون ان تستعين بآلات واجهزة طبية؟ كما انها لا تحتاج الى الاموال لدعم اسلوبها في العلاج ولا تحتاج الى مستشفيات وغرف عمليات، ان قدرتها في اناملها ونجاحها في ذكائها، وهذا ما لمسته، انا ايضا، في عيادتها المتواضعة.