التعليم والمدارس وبرنامج السيد سركيس اغاجان
كانت مناسبة طيبة ان اسمع السيد سركيس اغاجان وهو يقول في احدى زياراته لمدن وقرى شعبنا ان بناء الانسان هو اهم بكثير من بناء البيوت , مما يعطي اشارة مشجعة لدى السامع في إدراك , من يتصدى لقضية شعبنا حاضرا ومستقبلا وهو ثقل مهم فيها , لوجوب بناء قاعدة بشرية صحية لذلك الجهد يمكن ان تكون هي الوسيلة في الحفاظ على كل المكتسبات المادية كما هي في االوقت نفسه غاية تلك المكتسبات . وهنا تحضر دائما للذهن تلك القصة المعروفة لرئيس الوزراء البريطاني ايام الحرب العالمية الذي اخبره مستشاروه بان الفساد وخراب النفوس قد استشرى في البلد فتساءل مستفسرا فيما اذا كان ذلك قد نال قطاعي التعليم والقضاء فأُجيب بالنفي , فحمد الله على ذلك.اعتقد ان الاجابة عن وضع المدارس والتعليم الان في العراق بصورة عامة كما في مناطق شعبنا لايترك السائل يكرر نفس جملة رئيس الوزراء البريطاني فيحمد الله كثيرا. وهنا ليس القصد اطلاقا تحميل ادارات المدارس والهيئات التعليمية والتدريسية وحدها مسؤولية كل ذلك , بل نفهم جيدا ان هذا الحال هو جزء من افرازات الظروف المعقدة التي مربها الوطن والتي بدأت حتى قبل الاحتلال, لكن المقصود بهذه السطور اننا امام وضع و مشكلة خطيرة جدية ستلقي بضلالها على الامد البعيد على مستقبل شعبنا ومن الضرورة محاولة استكشاف حلول انية او جذرية لها, حيث اعتاد شعبنا الكلداني السرياني الاشوري على ان يمثل وباعتراف الاخرين جزءا مهما من النسيج العراقي ليس بقيمته العددية في نسبة السكان ولكن بما يمثله من ثقل بشري نوعي متميز في حجم الطاقات التخصصية التي يمتلكها.
ليس غريبا ان نتابع اخبار التعليم والمدارس في الوطن في كل اتصالتنا بالمعارف والاصدقاء , فلذلك اسباب عديدة تتمثل في انتمائنا الحرفي الى هذه المهنة وكون اغلب اصدقائنا ومعارفنا جزء منها , اضف الى ذلك الاهتمام الكبير الذي يلقاه التعليم والمدارس في السويد حيث ان هذا الملف هو احد الملفات الرئيسية المتقدمة في السجالات السياسية والجولات الانتخابية , بل ان اغلب السويديين يمكن ان يعرفوا اسم الوزير الذي يشغل حقيبة المدارس ولكنهم يجهلون اسم زميله الذي يشغل حقيبة الدفاع او الداخلية , فوزير المدارس هنا شخصية مؤثرة ووزارة المدارس وزارة من الدرجة الاولى تتقدم بخطوات على وزارتي ( اصحاب المسدسات والمدافع ) اي الداخلية والدفاع. وهكذا فالواقع يشير الى ان مستوى التعليم ( واقصد هنا سهل نينوى بصورة خاصة ) قد اصابه ما اصابه من تاثير سلبي بفعل الظروف البيئية والوطنية المحيطة . ربما يعترض البعض بالقول بان مدارسنا في سهل نينوى هي افضل حالا من كثير غيرها في مناطق اخرى ساخنة او باردة نسبيا في العراق وهنا وقع هذا البعض مرة اخرى في شرك المقارنة مع الاسفل في الوقت الذي يجب ان تكون المقارنة مع الاعلى . استنادا الى ما تقدم وعلى ضوء الامكانيات الكبيرة المتاحة من خلال جهد السيد سركيس اغاجان وانطلاقا من دعوته المشار اليها اعلاه للاهتمام ببناء الانسان , يمكن تحقيق خطوات جدية على صعيد تطوير التعليم في منطقة سهل نينوى كما لعموم شعبنا . فكيف السبيل الى ذلك ؟
هنالك خياران يلوحان في الافق , يتمثل الاول في محاولة تطوير وتحديث وترقيع ما هو موجود حاليا , اي المدارس العاملة في الزمن الحاضر واعتقد ان هذا الجهد يمكن ان ياتي ببعض الثمار لكنه لن يحقق كل الطموح , ناهيكم عن ان العمل في هذا الخيار يصطدم بالروتين الرسمي حيث كما هو معروف ان جهد السيد اغاجان هو لحد الان جهد شعبي في منطقة سهل نينوى وهذه المدارس تنتمي رسميا الى مديريات للتربية تابعة لمحافظة ليس للسيد سركيس اغاجان اية علاقة رسمية بها , ومع ذلك لا ضير في العمل بهذا الخيار واستغلاله لجني مايمكن الحصول منه من ايجابيات.
اما الخيار الثاني والمهم فيكمن في محاولة وضع الية وفق برنامج مدروس لافتتاح مدارس اهلية مجازة رسميا في تلك المناطق على ان لاتكون هذه المدارس نسخ اخرى من المدارس الحكومية , بل يراعى ان تكون هنالك قوانين وضوابط خاصة صارمة في اختيار الادارات والكوادر كما في اختيار الطلبة وتتوفر لها كل الامكانيات التي تتركها تؤدي مهمتها وتحقق اهدافها . قد يعترض البعض مرة اخرى بدعوى ان المدارس الاهلية قد تكون سببا في ازدياد فجوة الانشطار الاجتماعي والفارق الطبقي وهو ادعاء لااساس له من الصحة لان هذه المدارس الخاصة التي يمكن ان توفر فرصا تفضيلية من خلال دعم السيد اغاجان لها لاصحاب المواهب والمتميزين , وفق اختبارات وضوابط , بغض النظر عن خلفية عوائلهم الاقتصادية يمكن ان تحد بشكل كبير من ظاهرة التدريس الخصوصي المستشرية والتي ترفع بسارية عالية هوة الفوارق الاجتماعية . من ناحية اخرى , ليست مدارس سهل نينوى او مدارس العراق باي شكل من الاشكال في واقعها الحالي افضل من المدارس السويدية الرسمية التي يضرب بها المثل , ومع هذا فقد شاعت في السويد في الفترة الاخيرة ظاهرة الاقبال على المدارس الحرة الخاصة حتى ان وجود كليهما اي المدارس الرسمية والخاصة قد اشاع فرصة كبيرة للتنافس بينهما. شخصيا يتعلم ابني في احدى هذه المدارس وهي المدرسة الانكليزية وهو في الصف السادس الابتدائي واشعر بالسعادة والفخر وهو يحكي لي عن خطواته الموفقة في تعلم الانكليزية والسويدية والفرنسية والعربية اضافة الى المواد الرئيسية الاخرى كالرياضيات والعلوم والاجتماعيات والموسيقى والرياضة . كما ان وجود هذه المدارس الاهلية يمكن ان تكون عاملا مهما في المحافظة على الخصوصية القومية التي يختص بها شعبنا , وخاصة في مجالات اللغة والتراث حيث السريانية في هذه المدارس ستكون لغة رسمية ( قولا وفعلا ) حالها حال اللغات الحية الاخرى , كما اننا يجب ان لاننسى ان الذاكرة العراقية تحفظ لابناء شعبنا المسيحي قدرتهم الفائقة في جعل هذه المدارس بؤرا تعليمية وتربوية مشعة , ودليلنا على ذلك ان تجارب سابقة كانت محط انظار واعجاب الكثيرين حتى ان الكثير من غير المسيحيين كانوا يرسلون ابنائهم الى تلك المدارس كما انها رفدت البلد بطاقات خلاقة. ربما تكون من الحرية الشخصية ان يعتقد البعض ,و بل ويؤمن , ان التعليم والمدرسة هما تسلية وتمضية للوقت يقضيها الطفل او الفتى حتى يكبر فيجد له اهله ( شغلة بيها خير ) , ولكن المسؤولية الاخلاقية والاجتماعية تلقي على اصحاب الفعل والتاثير واجب انتشال كل الطاقات الابداعية الواعدة , المؤمنة بخط التعليم والدراسة والمولعة في عشقه او التي قررت ان يكون هذا هو خيارها في الحياة , من البيئة التعليمية والتربوية التي تعاني امراضا خطيرة خشية اصابتها بالعدوى لان الحكمة توصينا ان لانربط الجرباء جنب صحيحة خوفا على الصحيحة من أن تجرب . ان المدارس الخاصة النموذجية يمكن ان تكون حلا ناجعا في الطريق الى هذا الهدف.
لقد تابعت كما تابع غيري اللقاء الذي اجراه احد الاخوة الاعلاميين مع السيد سركيس اغاجان والذي اوضح حجم الجهد الكبير الذي قام ويقوم به السيد اغاجان في حملة اعمار مدن وقرى شعبنا , وارى ان الوقت قد حان ايضا ليصرف السيد اغاجان ويخصص عينا من جهده لقطاع التعليم والمدارس لان الواقع الراهن يمثل فرصة تاريخية لشعبنا لبناء قاعدة بشرية متقدمة علمية يمكن لها ان تلعب دورا كبيرا في المستقبل من خلال التربع بجدارة على صنابير معظم الحلقات العلمية في البلد. وعلى هذا الاساس ندعو السيد سركيس اغاجان الذي حقق خطوات لايمكن , لخصم او صديق , نكرانها في مجال الاعمار الى تدشين مشروع تطوير التعليم في شعبنا من خلال تاسيس هيئة وطنية تضم نخبة خيرة من كفاءات الداخل والخارج يمكن ان تضع برنامجا كبيرا وطموحا في هذا الشان.
لقد كنت ارغب في الكتابة في هذا الموضوع بصورة شخصية الى السيد سركيس اغاجان وليس عن طريق الكتابة الحرة على مواقع الشبكة الالكترونية ولكنني لم افلح رغم كل المحاولات من الحصول على الايميل الشخصي الخاص به فقوبلت بالاعتذار من الجهات التي سالتها عن ذلك ! .
على كل حال ,اذا لم يحالف الحظ المقال ووصل عفويا الى عنوانه , يغمرني الامل في ان ( المخلصين ) من ابناء شعبنا الحريصين على حاضره ومستقبله , الذين استنسخوا مقالات سابقة وهرولوا بها مسرعين الى اربيل ليضعوها على طاولة السيد سركيس اغاجان سيعيدوا فعلهم المخلص ويفعلوا الشئ ذاته مع هذا المقال ايضا.
wadeebatti@hotmail.com