التنمية البشرية : حالات عربية حرجة !
اصدر برنامج الامم المتحدة الانمائي تقرير التنمية البشرية الثامن عشر للعام 2007 / 2008 بناء على البيانات والمعلومات التي خزنّها منذ العام 2005 . ولقد شمل تصنيفه 175 ( من اصل 192 ) دولة من دول العضوية في الامم المتحدة فضلا عن هونك كونك والاراضي الفلسطينية .. ولمّا تعذّر عليه التأكد من المعلومات عن 17 دولة اخرى ، فلقد احجم عن شمولها بالتصنيف ، ومن بينها العراق وافغانستان والصومال .. ولقد ركّز التقرير في اهتمامه على متغيرات البيئة والمناخ وانعكاساتهما .لا يهمنا ابدا استعراض ما تضمنه " التقرير" ، بقدر ما يهمنا ويشغلنا الاجابة على اسئلة مهمة تقول : ما الذي يتعلمه العرب من التأمل في هذا التقرير ؟ وما الذي يمكن عمله من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه ؟ وكيف تتمكن دولنا ان تفعل شيئا من اجل مجتمعاتها ؟ ان اهم ما يمكن عمله من اجل تطوير مؤشرات التنمية المطلوبة : الارتقاء بمستوى التعليم ورفع مستوى الدخل الفردي والعمل على نوزيع الثروة بشكل عادل ، ومعالجة المخاطر القادمة .. ولا يمكن بقاء كل هذه المؤشرات متدنية ، فالعمل على رفع اي مؤشر فوق المستوى العام سيخدم بقية المستويات .. ان الاهتمام ينبغي ان ينّصب اساسا على الاساليب الحقيقية التي يمكن ان تأخذ بيد اي مجتمع ليكون في مصاف الاعلى منه .. ولقد صنّفت الدول العربية ضمن المجموعة النامية الى جانب شرق آسيا والباسيفيك وامريكا اللاتينية والكاريبي وجنوب آسيا وجنوبي اوروبا وافريقيا جنوبي الصحراء .. وثمة تصنيف لدول متدنية التنمية ، ولا توجد دولة عربية ضمن هذا التصنيف حيث حلّت دول إفريقيا الإثنتيْن والعشرين الواقعة جنوب الصحراء ضمن صنف دول متدنّية التنمية البشرية ، وجاءت في المراكز الـ12 الأخيرة كل من: كوت ديفوار166 ثم بوروندي167 تليها جمهورية الكونجو الديمقراطية, ثم اثيوبيا, وتشاد, وافريقيا الوسطي, وموزمبيق, ومالي, والنيجر, وغينيا بيساو, وبوركينا فاسو, واخيرا سيراليون في المركز177.
ان اي دولة تحقّق قيمة اعلى من 0.8 فهي ذات تنمية بشرية مرتفعة وعدد دول هذا التصنيف 70 دولة في عالم 2007-2008 ، منها 7 دول عربية ، هي ( مع رقم تصنيفها العالمي ) : الكويت 33 ، قطر 35 ، الامارات 39 ، البحرين 41 ، ليبيا 56 ، عمان 58 ، السعودية 61 . لقد ارتقت كل من ليبيا وعمان والسعودية الى سلّم التصنيف الاول بعد ان كان الامر مقتصرا على اربع دول خليجية فقط ، وهي حالة متقدمة بالرغم من تراجع ترتيب معظم البلدان العربية هذا العام فضلا عن ان المتقدمين دوما هي دول قليلة السكان مع دول متأخرة كثيفة السكان !
اما الدول التي احرزت تقديرا اقل ، اي بين 0.5 الى 0.8 ، فهي متوسطة التنمية وعددها 85 دولة ، ومن ضمنها 13 دولة عربية ، وهي حسب رقم تصنيفها : الاردن 86 ، لبنان 88 ، تونس 91 ، الجزائر 104 ، الاراضي الفلسطينية 106 ، سوريا 108 ، مصر 112 ، المغرب 126 ، جزر القمر 134 ، موريتانيا 137 ، السودان 147 ، جيبوتي 149 ، اليمن 153 . اما الدول التي لم يصل تقديرها 0.5 ، فهي في حالة منسحقة وبلغ عددها بـ 21 دولة .
لقد حّلت الدول المتقدمة مراكز متقدمة جدا وهي حسب تصنيفها : ايسلندا 1 ، النرويج 2 ، استراليا 3 ، كندا 4 ، ايرلندا 5 ، السويد 6 ، سويسرا 7 ، اليابان 8 ، هولندا 9 ، فرنسا 10 ، فنلندا 11 ، الولايات المتحدة 12 .. الخ لقد غدت ايسلندا هذا العام افضل دولة يعيش فيها الانسان .
السؤال الذي ينبغي ان يراودنا جميعا : هل كانت انجازات الدول العربية المتقدمة في التنمية البشرية العالية قد حصلت على مكانتها ضمن صعيد الدخل ام صعيد مقاييس التنمية الاخرى ؟ واذا كان العراق لم يحسب له اي حساب لانعدام الارقام عنه ، فلماذا تراجع الدور التنموي لكل من الاردن ومصر وسوريا والجزائر وتونس والمغرب عما كان عليه سابقا ؟ واذا قارنا بين ابرز دول الشرق الاوسط ، سنجد اسرائيل ذات تنمية مرتفعة برقم 23 وهي الدولة الوحيدة في المنطقة سابقة لغيرها . اما تركيا ، فكان ترتيبها 84 ، وترتيب ايران 94 ضمن تصنيف دول متوسطة التنمية !
ان الفقر والامية والجهل من الامراض المستشرية .. وتزداد نسبة الامية لدى العرب مع توالي الزمن ، اذ اعلنت منظمة الاليكسو قبل ايام بأن نسبة الامية قد زادت لدى العرب لتقترب من 100 مليون نسمة ( اي : ثلث الهيئة الاجتماعية العربية ) من دون ان يحرك هذا الرقم الضمائر جميعها لتغييره والتقليل من استشرائه !
لقد حذر التقرير المنطقة العربية كونها ستواجه مشكلات وتحديات ضخمة خاصة بالمياه، وأن المناطق الساحلية مثل مصر ، ستواجه مشاكل ضخمة ، وستضطرب درجات الحرارة في بلدان معينة مما سيؤثر عليها تماما مثل سوريا ولبنان وسيضطرب مستودع الأمطار بالمغرب .. وان النمو السكاني مع اضطرابات الموارد الطبيعية في منطقتنا والحاجة للمياه سيسبب توترات سياسية في ظل غياب أنظمة مدعومة لإدارة المياه ، والسيطرة على انبعاثات العوادم وإنتاج الهايدرو كاربون ..
واخيرا ، فهل ثمة وقفة تأمل في كل هذا التراخي والتواكل الحاصل في مجتمعاتنا ودولنا ، وان الزمن يسرع خطوات ليغدو الحاجز بيننا وبين التقدم كبيرا .. هل من استراتيجيات جديدة للتنمية المستدامة ؟ هل من خطط كبرى تواجه التحديات القادمة ؟ هل من تغيير جذري لكل مناهجنا التربوية والتعليمية والسياسية والاعلامية والتنموية ؟ هل من تنسيق بين دول منطقتنا لمواجهة مشكلات قادمة ، او الحد من مشكلات ستواجه اجيالنا القادمة ؟ هذا ما نأمل ان يكون بحول الله .
www.sayyaraljamil.com