Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الحب الحقيقي

المقدمة :

يطرق الناس طرقاً مختلفة لاكتشاف الحب الصادق. الحب الحقيقي، الحب القوي والعميق، الحب الذي يدوم كل العمر. غير أن الجري وراء الحب سبّب أوجاعاً، وألاماً ومرارة تفوق كل ما سببته الأمراض والحروب عبر التاريخ البشري.
يبذل كثيرون أقصى جهد في محاولتهم فهم طبيعة الحب. وفهم كيفية إمكان العثور عليه، وهنالك أشخاص كثيرون مستعدون أن يعطوا أي شيء تقريباً مقابل أن يختبروا الحب، خاصة حب شخص من الجنس الآخر. والحب هو الذي يجعل الحياة مثيرة لدى المراهقين. غير أنّ أعداداً هائلة من الشباب تتجه إلى الألم، والخيبة، والحسابات الخاطئة المأساوية، والأخطاء، لافتقارهم إلى فهم واضح لما يعنيه وما لا يعنيه الحب.

المراهقون لا يعرفون ما هو الحب :

كثير من المراهقين يرتكبون أخطاء مأساوية، وقد يرتكب بعضهم أخطاء فادحة مرة بعد مرة، والسبب وراء مثل هذه الأخطاء هو ان المراهقين لا يعرفون الحب الحقيقي، والاختبارات والمشاعر الأخرى. ونتيجة لذلك فإنهم يفتقرون إلى أي أساس يقوّمون بموجبه العلاقات التي يسعون إلى تأسيسها، والقرارات التي يتخذونها بحثاً عن الحب الحقيقي.

الحب الحقيقي ليس شهوة :

أكثر أغاني الحب اليوم التي نسمعها من خلال الاذاعات، أو من خلال شاشات التلفاز لا تدور حول الحب بل حول الشهوة. وكثيراً ما نخلط بين الشهوة والحب في أفكارنا، وموسيقانا، وأفلامنا، ومجلاتنا، وحتى في ثقافتنا عموماً. لكن الحب يختلف اختلافاً كبيراً عن الشهوة، فالحب يعطي، بينما الشهوة تأخذ. الحب يثمّن الحبيب ويقدره، بينما الشهوة تستغله. الحب يدوم، أما الشهوة فتخمد.

الحب الحقيقي ليس قصة غرام رومانسي :

يحس بعض العشاق بإثارات عاطفية قوية لدى التقبيل ويستطيع بعض الشباب أن ينطق بعبارات تجعل البنت تحس بالرضى الداخلي، ويمكن أن تجعل بعض الفتيات الشاب يحس بأنه أعظم من أي شخص آخر بمجرد النظر إلى عينيه، ويمكن لعشاء على ضوء الشموع، مصحوباً بموسيقى حالمة، ورقصة بطيئة في ليلة مليئة بالنجوم أن تعطي إحساساً بأن هذه اللحظات مميزة، فقصص الحب الرومانسي أمر يتعلق بإحساس، أما الحب الحقيقي فأكثر من ذلك بكثير.

الحب الحقيقي ليس الافتنان :

الافتنان هو انبهار بشخص من الجنس الآخر، أو اهتمام شديد به. ويمكن أن يؤدي هذا إلى أن يصبح الشاب أو الشابة مبهور الأنفاس، وغائب الذهن ( مسطول، مسطولاً )، وحالماً ومشوش الذهن.
( الافتنان يتركز على الذات لا على الآخر، فانت تعجب بشخص، وتخدع نفسك بإقناعها بالوقوع في حب شخص أخر تحوم حوله أحلامك، وتعتقد أنك مستحق للتخلي عن استغراقك في الذات من أجل مصلحة هذا الشخص الآخر، ثم تسيتقظ ذات صباح لتكتشف أن إحساسك بالنشاط والخفة قد تبخر في الليل، كما تجد نفسك أسيراً لمشاعر مطابقة نحو شخص آخر ).
عندما يتحدث الناس عن ( الوقوع في الحب ) أو ( الحب من النظرة الأولى )، فإنهم يتحدثون غالباً عن الافتنان، ويمكن أن يكون الافتنان شعوراً غامراً لكنه ليس حباً حقيقاً.

الحب الحقيقي ليس الجنس :

يخلط مراهقون كثيرون ( بالاضافة إلى بالغين كثيرين ) بين كثافة الجنس وعلاقة الحب القوية. غير أن الأمرين مختلفان تماماً، فالحب عملية، بينما الجنس فعل. الحب أمر نتعلمه، بينما الجنس أمر غريزي. يتطلب الحب اهتماماً، أو انتباهاً، أو عناية دائمة. بينما لا يتطلب الجنس بذل أي جهد. يحتاج الحب إلى وقت للتطور والنضج، بينما لا يحتاج الجنس إلى أي وقت للتطور والنضج. يتطلب الحب تفاعلاً عاطفياً وروحياً، بينما لا يتطلب الجنس إلاّ تفاعلاً جسدياً. من شأن الحب أن يعمق العلاقة، أما الجنس ( الذي يعمل وحده )، فيخمل العلاقة.
إذاً الحب الحقيقي ليس هو الشهوة، أو الحب الرومانسي، أو الافتنان أو الجنس.

ما هو الحب ؟

إن السؤال الحيوي للمراهق هو : ( كيف أعرف إن كنت أحب ) تحتل هذه المسألة أهمية كبيرة وملحة في قلوب الشباب وعقولهم، ومما يصعّب المسألة هو أن عدداً قليلاً جداً من الناس ( مراهقين أو بالغين ) يعرفون ما هو الحب الحقيقي.
وكما أن كثيراً من الناس يخلطون بين الحب والشهوة، أو الحب الرومانسي، أو الافتنان، أو الجنس، كثيرون أيضاً لا يدركون أن هناك بالواقع ثلاثة أنواع من الحب، أو ثلاثة طرق للسلوك يطلق عليها اسم ( الحب ).

1_ الحب المشروط :
إن هذا النوع الأول من الحب هو النوع الوحيد الذي عرفه كثير من الناس. انه الحب الذي يعطيه الإنسان، أو يناله عندما تتحقق شروط معينة. إذ على المرء أن يفعل شيئاً حتى يستحق هذا النوع من الحب. مثلاً :
" إن أحسنت السلوك، فسيحبك بابا "
" إذا حصلت على درجات أو علامات عالية في الامتحان "
" إذا تصرفت أو لبست بطريقة معينة "
يقدم هذا النوع من الحب مقابل شيء يريده المحب، ودافعه الأساس أناني، وغرضه هو أن يحصل على شيء مقابل الحب.
وهنالك كثيرون من الشباب الذين لا يعرفون نوعاً آخر من الحب غير الذي يقول : ( سأحبك إن منحتني جسدك )، وما لا يدركونه هو أن الحب الذي يتوقعون أن يحصلوا عليه من شخص عن طريق الرضوخ لطلباته الجنسية. هو حب رخيص لا يشبع ولا يستحق ابداً الثمن المدفوع فيه.
ترتبط ديمومة الحب المشروط بالشروط الموضوعة لديمومته، فالأمور تجري على ما يرام ما دامت الشروط تُلبّى. وعندما يكون هنالك تراخِ أو تكاسل عن تلبية التوقعات، أو ممارسة الجنس، أو السماح بالإجهاض، فإن المحب يقوم بالتوقف عن الحب.
تنهار زيجات كثيرة لأنها بنيت على هذا النوع من الحب، وعندما لا يتم تحقيق توقعات المحب، فإن الحب المشروط غالباً ما يتحول إلى الخيبة والاستياء، وإن الأمر المحزن هو أن الأشخاص المعنيين ربما لا يعرفون سبب ذلك ابداً.

2_ الحب نتيجة سبب :

في هذا النوع من الحب يحصل الشخص على الحب لأنه يمثل شيئاً، أو يفعل شيئاً. ويعكس هذا النوع من الحب مواقف يتم التعبير عنها عادة كما يلي :
" أحبك لأنك جميلة جداً "
" أحبك لأنك غني "
" أحبك لأنك تعطي إحساساً بالأمان "
" أحبك لأنك مُسَلِ ومضحك "
ربما يبدو هذا الحب جيداً جداً. أفلا نريد يحبنا الناس لما نحن عليه، ولما نفعله ؟ إنه من المؤكد أن هذا النوع من الحب أفضل من الحب المشروط. إذ يجب أن يُبذل جهد دائم لكسب الحب المشروط. وإنه لأمر لا يتطلب منّا، أو يشترط علينا الكثير. أن يكون هنالك شخص يحبنا لما نحن عليه، أو لما نفعله.
لكن ما الذي يحدث عندما يظهر على المسرح شخص أجمل ؟ أو أكثر إضحاكاً ؟ أو أغنى ؟ ما الذي يحدث عندما نكبر، أو نفقد وظيفة تكسبنا المكانة والهيبة ؟ إن كانت هذه الأشياء هي الأسباب التي تجعل شخصاً آخر يحبنا، فإن هذا الحب مؤقت وضعيف.
كما يوجد عيب آخر في الحب المسبب، ويتمثل هذا العيب في أن لكثير منّا شخصيتين منفصلتين، فنحن نعرض ذاتاً، أو شخصية عامة يعرفها الجميع، لكننا نخفي ذاتنا، أو شخصيتنا الحقيقية، أو الخاصة، تلك الشخصية الكامنة في الأعماق التي لا يعرفها إلاّ اشخاص آخرون قليلون، إن كان هنالك من يعرفها أصلاً. ومن المحتمل جداً أن يخشى الشخص الذي يحب حباً بسبب سمة، أو صفة فيه يسمح للآخرين بمعرفة حقيقته الداخلية، فهو يخشى أن يحبه أو يقبله الآخرون بشكل أقل، أو أن يرفضوه بشكل كلي إذا انكشفت حقيقته. وينتمي كثير من الحب الذي نعرفه في حياتنا إلى هذا النوع المتقلب وغير الدائم.

3_ الحب لذاته :

إن النوع الثالث من الحب جميل بقدر ما هو غير شائع. إنه حب دون شروط يقول هذا النوع من الحب : ( أحبك رغم ما يمكن أن تكون عليه حقيقتك الداخلية، أحبك مهما تَغير فيك، وليس هنالك ما يمكنك أن تفعله لصرفي عن حبك. فأنا أحبك وكفى ! ).
ليست ( المحبة لذاتها ) محبة عمياء. إذ يمكنها أن تعرف الكثير عن الشخص الآخر المحبوب. يمكنها أن تعرف نقائصه، غير أنها تقبله بشكل كامل دون أن تطالب بشيء آخر في المقابل. ولا توجد طريقة لاستحقاق هذا النوع من الحب، ولا يمكن للإنسان ان يخسره. إذ ليس مرتبطاً بشروط.
يختلف ( الحب لذاته ) عن الحب المشروط في أنه لا يتطلب تلبية معينة قبل أن يعطى، ويختلف ( الحب لذاته) عن الحب المسبب في أنه غير ناشئ عن صفة جذابة ما في الشخص المحبوب، ( فالحب لذاته ) علاقة عطاء، وهو كله متعلق بالعطاء. أمّا نوعا الحب الآخران فيتعلقان بالأخذ.


نظرة الكتاب المقدس للحب الحقيقي :

( الحب لذاته ) هو الحب الحقيقي الوحيد، والحب الصادق الوحيد، ويظهر الحب الحقيقي حسب نظرة الكتاب المقدس عندما تكون سعادة الطرف الآخر، وصحته، ونموه الروحي، هامة لديك كأنها لك. تقول كلمة الله " تحب قريبك كنفسك " فهي لا توصينا بان نحب قريبنا أكثر من أنفسنا. يفترض فينا أن نحب الله أكثر من أنفسنا، لكنه مطلوب منّا أن نحب قريبنا، أو جارنا، أو صديقنا، أو صديقتنا، أو شريك حياتنا، كما نحب أنفسنا.
تساعدنا رسالة القديس بولس إلى أفسس ( 5 : 28 ) على فهم طبيعة المحبة بشكل أفضل : " كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كاجسادهم. من يحب امرأته يحب نفسه "، فما الذي يعنيه أن نحب أجسادنا كما يوصي الكتاب المقدس ؟ تشرح الآية التالية هذا الأمر : " فإنه لم يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه، كما الرب أيضاً للكنيسة "، وهكذا فإن تعريف الله للحب الحقيقي يعني تسديد احتياجات الذين نحبهم ورعايتهم، أي أن نحميهم ونعمل على دعم سعادتهم، وصحتهم، ونموهم الروحي.
ولهذا لا يلجأ الحب الحقيقي إلى استغلال الشخص الآخر، أو الإساءة إليه عاطفياً، أو جسدياً، لأن هذا لا يسد احتياجاته، ولا يدعم سعادته، وصحته، ونموه الروحي.
الحب الحقيقي لا يضغط على الطرف الآخر لممارسة الجنس خارج إطار الزواج، لأن هذا لا يجعله يحمي الطرف الآخر، كما لا يدعم سعادته، وصحته، ونموه الروحي. لا يصر الحب الحقيقي على جعل الشخص الآخر يفسخ علاقات صحية أخرى، لأن ليس من شأن ذلك أن يدعم سعادته.

الخاتمة :

الحب الحقيقي بالمصطلح الكتابي هو المحبة ( أغابي) ( Agape )، ان المحبة هي استجابة غير مشروطة للطرف الاخر فنقول : ( أحبك رغم ما فيك من نقاط الضعف التي أراها فيك ). إنها اهتمام بمصلحة الشخص الآخر دون أدنى رغبة في التحكم فيه، أو توقع الشكر منه، أو التمتع العملي. هي تصل إلى نقطة الاستعداد للعطاء عندما لا يكون الطرف الآخر قادراً على مبادلة المحبة بمثلها، سواء كان ذلك بسبب المرض، أم الفشل، أم بسبب ساعة ضعف. إنه حب قادر على إصلاح الروابط التي قطعتها الخيانة، أو اللامبالاة، أو الغيرة، وإن أفضل مثال على هذا النوع من المحبة هو الله نفسه " لأنه هكذا احب الله العالم حتى بذل ذاته " ( يوحنا 3 : 16 ). Opinions