الحداثة في القصيدة السريانية
الحداثة في القصيدة السريانية
نزار حنا الديراني /اذار 2004
من بحوث مؤتمر الادب السرياني الاول /2004
ملاحظة :اضغط هنا لتتمكن من قراءة النصوص السريانية في هذه المقالة في حال لم يكن موجود في نظامك خط سرياني
قد تكون فكرة الحداثة عند البعض ضرورة ملحة في تطوير ادبنا السرياني وقد تكون عند البعض الاخر نزوة عابرة .. الا انه مهما كانت نظرتنا لا نستطيع ان ننكر وجود الحداثة في ادبنا السرياني اسوة بالاداب الاخرى .. فالحداثة اذن هي ظاهرة واكبتها فترات من التازم والتالق .. قد تاتي على شكل هزات بسيطة كما عند مار افرام او ابن العبري او يعقوب السروجي او.. واحيانا تكون على شكل هزات كاسحة مدرة تغير كل معالم التقليد كما عند برديصان والقصيدة المعاصرة ..
فالاديب المحدث يسعى عبر رحلته الطويلة في مضمار الادب او الفن الى ان يجعل نتاجاته ذات اسلوب مميز ، وبهذا السياق لا يمكن عد الحاثة اسلوبا بل محاولة للوصول الى اسلوب فردي متميز[1] بمعنى اخر ان الحداثة في الحقيقة هي اكبر من كونها محض حادثة جمالية طارئة جاءت لاسباب يمكن تمييزها بوضوح انها مشكلة حضارية وجمالية فيان واحد .. انها مشكلة بناء اللغة واستخدامها ثم هي مشكلة توحديد الشكل وهي بعد ذلك مشكلة المعنى الاجتماعي للاديب نفسه[2] بمعنى اخر نستطيع ان نعرف الحداثة كونها حركة ترمي الى التجديد ودراسة النفس الانسانية من الداخل معتمدة في ذلك على وسائل فنية جديدة (برادبري) الا ان تعريفا كهذا يكون اقرب الى الرومانسية التي اهتمت كثيرا بالتجديد الجذري وبالتجربة في المضامين الجمالية والاسلوبية .. هذه المدرسة التي اعتبرها البعض بداية الحداثة في القصيدة الغربية .. الا ان البعض الاخر يعتبر نهاية الرومانسية بداية الحداثة في القصيدة الغربية . ان ازمة الاديب المعاصر ليست هي التحرر من اللغة الكلاسيكية والافكار الفلسفية والاهوتية لتي سيطرت على القصيدة السريانية لفترة طويلة وانما الاسلوب واللغة يجب ان يتعامل بها مع هذه الثوابت .. وهذا يتطلب ان يتمتع المحدث بخيال خلاق وع يستطيع تحويل كل ما هو بسيط وساذج الى شئ ذي بال (كما يقول جيمس) فللحداثة ايض القدرة على الاتيان بكل ما هو مدمر ، وانها رحلة الى عوالم فنية مجهولة لا يمكن ان يكتب لها التوفيق[3] .
لقد ودعت قصيدتنا المعاصرة العوالم الواقعية والفلسفية التي قام عليها ادب القرون العشرين الاولى واعتمدت بدلا منها العوالم الغنائية الموغلة في الخيال والتي تمتلك القدرة على الابداع والتحطيم في ان واحد ..
ساقسم دراستي من حيث الحداثة الى مرحلتين :
1- المرحلة الاولى (من القرن الثاني الميلادي وحتى القرن السادس عشر)
قبل كل شئ اود ان اقول ان دراسة الادب السرياني وخصوصا التراث منه ليس بالامر السهل لوجود فجوات كثيرة وخصوصا الفترة المحصورة بين الملحمة السومرية كلكامش وقصائد مار افرام ، لذا كل ما اقوله بحق هذا الادب يعتبر فرضية اود من خلالها لفت انظار الدارسين لهذا الادب املا العمل على اثبات هذه النظرية او دحضها والاتيان بنظرية بديلة ، وتكمن صعوبة الدراسة في :
1- ما تيسر بين ايدينا من التراث السرياني يمثل جزء" يسيرا منه ، لان الكثير من هذا الادب قد فقد او لا يزال في بطون المكتبات والمتاحف العالمية فلم يرى النور بعد ، فهناك اشارة الى الشاعر وفا الارامي (قبل الميلاد) لم تصلنا رسالته ، الا ان الباحث انطون التكريتي (القرن التاسع الميلادي ) نوه عنه في كتابه علم الفصاحة .
2- ربما قد نسب البعض منه الى شعراء اخرين وخصوصا في القرون العشرة الاولى كما يعتقد البعض في فقدان قصائد برديصان الذي قيل عنه بانه كتب اكثر من 150 قصيدة على طريقة مزامير داود ولم يبقى منها الا جزء يسير واغلب الظن نسبت الى شعراء اخرين كمار افرام الذي يقول عنه دوفال[4] ( حتى اننا لو اردنا ان نستشهد المؤلف نفسه عن مجموعاته هذه لانكر علينا قسما كبيرا منها . وقد نسب اليه بعض مؤلفات مدرسته خاصة مؤلفات اسحق الملفان ) ويغلب الاعتقاد بان مزامير سليمان تعود اليه ، فليس من المنطق ان نرضخ للنظرية القائلة بان قصائد برديصان احرقت كونها قد تورطت في معتقدات غريبة فنبذتها الكنيسة
3- اغلب الدراسات التي تناولت الادب السرياني هي دراسات تاريخية ولاهوتية اي بمعنى اخر لم اجد (على الاقل باللغة العربية والسريانية) من بين ما تيسر لي دراسة نقدية منهجية تناولت الشعر السرياني كشعر لا كمادة فلسفية او لاهوتية
4- الكثير من الدراسات التي كتبت عنها هي بلغات اجنبية وخصوصا الفرنسية والالمانية والانكليزية بنسبة اقل ، وفي مجلات قديمة غير متيسرة لدينا
الا انه من خلال ما توصل الينا يعتبر برديصان[5] مدشن الحداثة في تلك الفترة للانقلاب الذي احدثه في نمط القصيدة السريانية حين وقعها (كما يقول الدارسون) على لحون شتى وخصص لانشادها فرقا عديدة في الكنائس فشرع الناس (كما يقول البير ابونا) يحفظونها بيسر وينشدونها بطرب ويتناقلونها بكثير من الحماس والاندفاع . رغم اننا لم نعثر الا اليسر منها ، الا ان ما يؤكد كلامنا هو استنادا الى ما ذكر عنه في كتب التراث كقول ما افرام في احد مداريشه ضد الهراطقة ما نصه :[6]
(لقد اخترع اغاني واوقعها على الالحان الموسيقية ، ونظم مدائح موزونة ، فقسم الكلام ووزنه وزنا[7] وقدم للناس الاصحاء سما ممزوجا" بحلاوة ولم يبق بوسع المرضى ان يختارو دواء" شافيا لهم ، لقد نزعت نفسه الى الاقتداء بداؤود والتحلي بجماله ، فطمح ببصره نحو امجاد هذا الملك والف على مثاله مئة وخمسين لحنا )
بمعنى اخر له اليد الطولى في نشاة الشعر السرياني الحديث (اعني الكلاسيكي ) لان القصيدة السريانية حسب ظني كانت تكتب على شكل قصيدة النثر من خلال :
1 - ما نوه عنها انطون التكريتي في كتابه علم الفصاحة ـ المقالة العاشرة ـ حين قال :
).. والبحر الخامس في الشعر هو المؤلف من اوزان سداسية وسباعية ، وتزيد احيانا وتنقص ، وهو للرجل يقال له وفا من فلاسفة الاراميين ...)
هذا يعني ان القصيدة في زمانه لم تخضع الى وزن محدد .
2- من خلال مزامير سليمان التي كتبت حسب اغلب الدارسين[8] في مطلع المسيحية ، على الاقل قبل برديصان (المولود سنة 154) حيث نجدها لا تخضع الى وزن محدد بل هي تواصل للقصيدة النهرينية القديمة كما نجد في الانشودة الثالثة [9]:
وىدميٌ لوةى انون
وبىون ةلا اِنا ومَخب لي
لا جير يًدَع ىوية لمِرخَم لمًريا
اِلو ىو لا رًخِم ىوا لي
منو مِشكَخ لمِفرَش رِخمت
اِلا ىَو دمِةرخِم
وجوارحه هي عنده
وانا مشغوف به واحبه
لم اكن اعرف كيف احب الرب
لو لم يحبني
من يقدر ان يعرف الحب
غير المحبوب
3- القصائد العراقية القديمة ، فلو اخذنا على سبيل المثال المقطوعة التي جاءت على لسان الاله ابسو ـ اله المياه حيث يقول[10]:
حينما عيلش لا نبو شمامو
شابلش امتم شوما لا زكرت
ابسو ـ ماريشتو زاروشون
ممو تيامة مولدة كمريشون
مي شونو ايشيتينش اخو قوما
حينما في العلى لم تسم السماء
وفي الدنى لم تذكر الارض باسم
وحين ابسو الاول ، موجدهم
والام تيامة مولدة جميعهم
كانت مياهها واحدة مختلطة
ربما يكون هوميروس (ابن برديصان) هو مدشن الحداثة كما قيل عنه[11] من انه ( احرز في فن الشعر قصب السبق حتى فاق اباه برديصان . ولكن لسوء الحظ لم يبق لنا شئ من هذه الاشعار ، لان مؤلفات الغنوصيين وتعاليمهم قد تلاشت تماما " اسوة بوالده" ) الا ان البعض ينكر وجود هذا الاسم في الادب السرياني . وقد يكون ذلك صحيحا رغم اني وللاسف لم اجد اي اثر لهما حتى نستطيع كشف الحقيقة باستثناء قطعتين نسبهما البطريرك اغناطيوس يعقوبالثالث في كتابه اللالئ المنثورة في الاقوال الماثورة ، الا اني لم اجد فيهما سوى قطعة نثرية خالية من الوزن والايقاع الشعري كقوله في القطعة المعنونة (ىيمنوت) الايمان:
سجياين انون بنينشا ىنون ىيمنوت لية بىون ويدعت من خكمت دشررا لا قبلو . ومطلىنا لا لمامر ولمشَلمو سفقين ولا دليلاية مشكخين لمشمع لا جير شةاست دىيمنوت اية لىون نبنون عليىُ ولا ةوكلنا ايةلىون دعلونسَبرون ومطل داف عل الىا
ما اكثر الذين هم صفر من الايمان، ولم يقتبسوا المعرفة من حكمة الحق . انهم والحالة هذه ليس في وسعهم ام يتفهوا او يذعنوا ولا ان يصغوا بيسر الى امر ما . اذ ليس فيهم اساس للايمان ليبنوا عليه ، ولا عماد لهم ليستندوا اليه . واذ يشكون في اله ايضا ..
وهكذا الحال في منثوره (طبت وبيشت ) الخير والشرالذي يفتتح قصيدته بمقطع من قول عويذا الذي يقول فيه
امر عويدا :
كبر نزدهر أنش من سنيْةى مشكخ دنعبد من طبت اينا من بنينشا مشكخ
قال عويذا :
ربما يستطيع المرء ان يحذر السيئات ، ولكن مَن من الناس يستطيع ان يفعل الصالحات
فيرد عليه برديصان قائلا:
دليل ىو لمعبد طبت يةير من دلمزدىرو من بيشت . طبت جير ديلى ىي دبرنشا ومطل ىنا خًدٍا امةي دعًبٌد طبت .بيشت دين معبدنوت ىي دبعلدبٌبًٌا .ومطل ىنا كد شجيشىْو برنشا ولا خليم بكينى عًبٌد لىين لسنيْت
اجاب برديصان :
انه لايسر للمرء ان يفعل الصلاح من ان يحذر الشر . ذلك لان الصلاح انما هو خاص به . ولذا فهو ينبسط حين يفعل الصلاح. اما الشر فهو من تاثير العدو ، ولذا فان المرء يفعل السيئات وهو مضطرب وغير معافي في طبعه .
ما يلاحظ في قصائده هو الاسلوب التعليمي المباشر الخالي من المزج حيث يطرح حكمته ومن ثم يقوم بشرح وتعليل اسباب ذلك ، او يطرح فلسفة احد الفلاسفة ومن ثم يحاول دحضها .. وهذا الاسلوب لم نألفه في قصيدة كلكامش ولا في المزامير المسمى بمزامير سليمان . اما من حيث الايقاع او التقطيع الشعري نجده يستخدم دعامات شعرية مختلفة (6+8/3+6+4+8/3+8/4+6+5+6 ) كما في منثوره الثاني بمعنى اخر لم نجد في هذين المقطعين ما يبرر تنسيب الاوزان الشعرية اليه كون اسلوبها نثري شكلا ومضمونا قريب من الاسلوب الذي كان متبعا في عصره ، ولا تصلح قصيدتيه الانفة الذكر كي تكون انشودة ترتل لا من قبل شخص او جوقة ولا شخصان او جوقتان ... الا اننا لا نستطيع من قول ذلك طالما لم ندرس بقية قصائد الـ (148) او اكثر من ذلك . وخصوصا هناك اشارات تؤكد كونه كان يمتلك هذا النوع من الشعر .
الا ان اسلوب مار افرام[12] يختلف عن ذلك ، فنجد قصائده موزونة ونستطيع ان نقول ان مار افرام هو الذي ادخل الاسلوب المقطعي في الشعر السرياني (ما لم نجد شاعرا اخر قبله) ، اي ان قصيدته تتكون من عدة قصائد قصيرة تشبه الارجوزة او المقطع ، وفي كل مقطع يطرح الشاعر صورة تختلف عن الاخرى ، بمعنى اخر ان كل مقطع من مقاطع قصائده عبارة عن قصيدة قصيرة متكاملة ، كما في قصيدته (مرةينوت ـ النصيحة) حيث يقول فيها :
كما ميْا ايةبى بيما ولا مروخ لن ردابى
دمن دمانى لا نسب بجو يمما بؤىيى ماا
ىكنا كل دلا فلخ طبت لعلم ابد
نىوا سيم لك قدم عينْكرنيى دموت بكلعدن
وما دملوية عنيدا اةدكر داف انة مةلوية
وبكٌي ولاي عل نفشك وبعي ذخما من مرك
ان اليم ، رغم وفرة مياهه لا يشفي غلة من يخوض عبابه
فمن لا يتزود فيه بالماء يقضي ظمأ رغم كونه في وسط الامواه
كذلك يهلك الى الابد من لا يتزود بلاعمال الصالحة
ضع فكرة الموت نصب عينيك دوما
وكلما شيعت ميتا تذكر انك ستشيع يوما
فابك اذن واندب نفسك واطلب الرحمة من ربك
وكذا الحال في قصيدته (ىوجيا ـ التأمل ) او ( دخلت دالىا ـ مخافة الله ) الذي يقول فيها:
بكلمدم اةبقية
ولا خزية مدم دميةر
من دخلة مريا دوب لاينا داخبى
اخبى ىوا يوسف كانا
وملكا بمؤرين ىوا
اخبى ىوا موشا ربا ويما بخوطرى فلك
تبصرت كل شئ ولم اجد ما هو افضل من خشية الله
فطوبى لمن احبها
فقد احبها يوسف البار فعقد له التاج على مصر
واحبها موسى العظيم ففلق البحر بعصاه ...
.....
وفي المقطع الثاني يقول :
بعية عوةرا وىركا فاش
بعية شوفرا وبشيول كلا
وبعية اخا وخبيبا ولا اوةروني مدم
لقد اوغلت في طلب المال فاذا به يبقى في الدنى
وتعشقت الجمال فاذا به يفنى في الهاوية
وتلمست الاخوة والاحباء فلم يجدوني نفعا
...
كما ان قصائد مار افرام تمتاز من حيث الصورة الشعرية بتوظيف الظواهر الطبيعية من اجل تقريب الصورة اللاانسانية الى القارئ .. بمعنى اخر انه ينتقد تصرفات الانسان من خلال طرح تصرفات خاطئة للحيوانات او الطبيعة ومن ثم طرح ما يماثلها عند الانسان خذ مثلا قصيدته ىوجيا ـ التامل ، نجده يشبه ازدراد الاسماك بعضها بعضا بازدراد الانسان لاخيه الانسان حيث يقول :
بسفا يممٍا عبر ىوية وبنونٍا مةبقا ىوية دبلعين لخددْا وسجي اةدمرة
كد قام انا وةىر انا برعيني اةخشبة داية ىّو بعلما بنينشْا دلخددْا بلعين
مررت ذات يوم بساحل البحر فقادني الفكر الى التامل بالاسماك ، كيف يزدرد بعضها بعضا ، فقضيت منها العجب ! ثم قلت في قرارة نفسي اليس في الدنيا اناس يزدرد بعضهم بعضا
وهكذا الحال في بقية قصائده ..
اما الشاعر يعقوب السروجي نراه يعالج الكثير من الامراض الاجتماعية من خلال صور مبسطة يدعو فيها الانسان (الغني) ان يمد يد العون لاخيه الانسان (الفقير) الى حد يشبه الفقير باليد اليسرى والغني باليد اليمنى ، كما في قصيدته مسكنا ـ الفقير:
مخيل مسكنا وايك سملا بجوشما قام ان المسكين ضعيف ومكانته من البدن كاليد اليسى
او عةيرا ايك يمينا قروب وسموكيىي فبادر ايها الثري واسنده كاليد اليمنى
وكذا الحال في قصيدته (علما خلما ىو ـ ان العالم حلم ) نراه يتسائل ، فجاءت تساؤلاته صورا تدق كالناقوس في اذاننا لتوقظنا من خطر الموت فيقول :
من لا يدع دبشولما دخيْا موت
وايك ؤفخت يومى دموت لعل من ريشى
من لا يدع دعلما خلما ىّو اف ططللا ىّو
ومشنا ولا مةقدا من خبيبْوىّي
من ذا الذي لا يدري ان في اعقاب الحياة موتا
وان يوم الردى كصاعقة فوق هامته؟
من ذا الذي لا يدري ان العالم حلم وظل
وسيزول ولن يحظى به محبوه ؟
وقد اخذت الصورة الشعرية لدى ابن العبري [13] الطابع الحكمي وهي صور قصيرة تتكون من بيتين من الشعر يطرح فيها لشاعر حكمته والتي هي على شكل نصائح يقدمها الشاعر باسلوب حكمي كقوله في قصيدته (خكمت ـ الحكمة ) :
سفرا اينا دكل ما ديدع ىوا ممعل
ىو لايقرى عم عمميْا ىوا مزَلل
من دباذزا جنيزّا لجبرا شطيا مدلل
بكليل ؤعرا لى ولاذزا شطيا مكلل
ان العالم الذي يتفوه بكل ما يعرف
يحط من كرامته في نظر الاميين
من ارشد الجاهل بالاسرار الخفية
كلله الجاهل والاسرار باكليل الاهانة
وهناك قصيدة لاحد ملافنة السريان الموسومة بـ (ىوجيا ـ التامل ) ترى اسلوب قصيدة النثر واضحا فيه ، رغم اني لم اجد في النص اسم قائله ولا تاريخه الا اني اعتقد قد كتب قبل القرن الثالث عشر يقول فيها:
خطاانا ومطشا انا دلا انش نخزيني
وما دسعر انا بيشت خزالي مريا
ان انش نخزيني بىة انا منى
ومنالىا لا مةكخد انا
دينا ورب دينا ايةيك مريا
ان قدم انش وان موخر بايديك مري مشةلم
برخميك خوس علي
اني ابتلي بالمعاصي واستتر ، لئلا يراني احد
في حين اني كلما ارتكبت معصية راني ربي
اذا راني احد خجلت منه
ولكنني لا اخجل من الله
فانت ربي انت الديان وقاضي القضاة
فسواء اتقدم المرء ام تاخر فلا بد من ان يسلم اليك
فارأف بي كرما منك
الا ان القصيدة السريانية بعد القرن الثالث عشر لم تسجل تقدما يذكر ، لا بل دخلت في منعطف خطر ربما كان السبب في انحدار منحني القصيدة نحو الاسفل ، حين انشغل شعرائنا بادخال البدائع الشعرية والتلاعب بالالفاظ ، بمعنى اخر حين قلدوا القصيدة العربية من حيث الشطرين والقافية والسجع و .. لا بل تطرف بعضهم في زخرفة قصائده فكتب عبديشوع الصوباوي على سبيل المثال القصيدة الطردية والعكسية واخرا عمودية وافقية و..
المرحلة الثانية ( من القرن السادس عشر وحتى يومنا ):
وبعد القرن السادس عشر انعطفت القصيدة من حيث اللغة الى اللهجوية اي العامية .. بالحقيقة كانت التفاتة ذكية وجاءت في محلها لو وظف الشاعر ذلك بصورة علمية ، الا انه وللاسف لم يستطيعوا هؤلاء الشعراء من تطوير هذه اللغة كي تكون ادبية رغم كون ذلك ممكنا كونهم كانوا يعرفون السريانية الفصحى واللهجة العامية ، كان بامكانهم التزاوج بينهما للحصول على لغة سليمة ، ربما كان ذلك سببا في انحدارهم من حيث الاسلوب الى البساطة والمباشرة بعيدا عن التوظيف ومن شعراء هذه الفترة شعراء المدرسة الالقوشية واخرون كقول القس هرمز الالقوشي في قصيدته المنظومة سنة 1608 في التوبة :
اكٌةون عما مشيخيا ؤوةون لادي خطيا
دىدايك كامر ببكًيا مرًخم علي يا مريا
يا شعب المسيح انصتوا لتذرع الخاطئ
كيف يبكي ويقول ارحمني يا رب
كان بامكانهم ان يسجلوا نقطة باتجاه الحداثة لو ان شعرائها قرروا ذلك ، الا انهم كانوا ينظرون الى القصيدة ليست الا ترتيلة كنسية تعليمية او قصة تاريخية ، لذا كانت القصيدة مقسمة الى تدوين الوقائع التاريخية كحالات السلب والقتل والحروب الدائرة رحاها فوق جثثهم والمدائح التي كانت تنشد في الكنيسة ممجدين بعض الرموز الدينية وقديسيها و.. كقول الشاعر اسرائيل الالقوشي (1541-1611) في قصيدته المنظومة في وباء القوش:
بريشا داشبط مشورالى: وكمينّا لانشّا اريلا: ومىو ريشا دمت شرالى
شرالى ببْت دبية ساما: ارالى فقيذا منْ كما: مخولقلى بخدا جاما
ابتدأ في بداية شباط ، نصب كمينا للبشر ، مبتدأً من طرف القرية
كانت بدايته حي سينا ، فالتهم الفقراء واحدا تلو الاخر
واستمرت القصيدة على وضعها حتى القرن التاسع عشر رغم وجود قصائد اخرى حافظت على التقليد يمكن اعتبارها مكملة للقصي