الحكومات الوطنية المحايدة . حل أمثل لاستيعاب المشاعر الدينية المتفجرة.
كل ديانة في العراق تنقسم إلى عدة طوائف ومذاهب وداخل الطائفة الواحدة نفسها تختلف الأفكار وتتنوع بحيث لا يمكن حصرها على أصابع اليد وتبعا لذلك فأن لكل عراقي مشاعره الدينية الخاصة به ورموزه المقدسة التي لا يتحمل أية مساومة عليها أو حتى النقاش حول شرعيتها أو نزاهتها.والإنسان الطبيعي أو السوي هو الذي يدرك بأن المشاعر الدينية لها مكان خاص أما في مدارك المرء وانعكاس ذلك على طرق تعبيره عنها بعد ذلك في كل مناحي الحياة أو في كل مكان مقدس أخر يجبر الواثقين به على الانحناء أمام قدسية المكان أو حتى الزمان. لذا فمن غير المستحب أن يعبر الإنسان عن مشاعره الدينية في الشارع مثلا لأنه ملك للجميع سواء لمن يوافقنا على معتقداتنا وطرقنا ولمن يخالفنا فيها أيضا حتى لو لم يكن متواجدا هناك طالما نحن نعيش في دولة مبنية على أساس القانون والنظام والاحترام المتبادل. يجب أن نحصر مشاعرنا الدينية ونحركها فقط في حدود معقولة لا نؤثر بواسطتها على أحد ولا نسلب من خلالها حقا عاما للمجتمع ككل أو تدفعنا تلك المشاعر الدينية الساخنة إلى تبني ردود فعل عنيفة ومكلفة لنا وفي أحيان كثيرة للآخرين أيضا. الدولة يجب أن تفرض سيطرتها في هذا المجال وتطبق القانون على كل فئة تخل بالآداب العامة أو تعتدي على مصلحة المجتمع ومؤسسات الدولة بدعوى الدفاع عن حقوقها الدينية أو رد الاعتبار لنفسها جوابا على إساءة هذا أو ذاك فهذا الأمر غير مقبول مطلقا ويجب العمل على اجتثاثه لأنه ورم خبيث يثير الناس على بعضها ويخلق من المشاكل ما نحن في غنى عنه . ليس ابتكارا جديدا في السياسة القول بأن الدولة الدينية لن تنجح في العراق وبالرغم من أن الكثير من الأحزاب السياسية المساهمة اليوم في تشكيل الحكومة صعدت إلى سدة الحكم على أكتاف الطائفية والمذهبية من أجل جمع أكبر عدد ممكن من الأصوات في بلد لم يأخذ من الديمقراطية سوى الجرعة الأولى والاستمرار على هذا النهج لا يعني شيئا سوى الدوران في حلقات مفرغة دون تحقيق أنجاز يذكر والسياسي المحنك هو من يسلم بأمكانية تغيير الإستراتيجية المعتمدة في الحكم عن تلك التي اعتمدت في مرحلة المنافسة الانتخابية بسبب وجود فرق شاسع بين المسؤوليات التي يتحملها الحزب كحزب سياسي خارج نطاق الحكم أو كحزب مساهم في الحزمة السياسية الحاكمة علما بأن الفرق بين المرحلتين لا يمنع الحكومة وأن كانت أثناء وصولها دينية الفكر إلى تغيير منهجها العام والتزام الحياد التام أمام جميع أبناء البلد لكي تظهر أمام الشعب حكومة عادلة لا تشجع هذا المذهب على الأخر أو تفضل الدين الرسمي للبلاد على الأديان الأخرى حتى لو تم تثبيت ذلك في الدستور لأنه كان أيفاء بمتطلبات مرحلة ماضية تميزت بكثرة الخلافات فيها. يجب أن تعي قياداتنا الجديدة كم هي بحاجة إلى أقصى درجات المرونة لبدء العمل في عراق متباين ومختلف ومتمازج وأحيانا متصارع ويبتعدون قدر الإمكان عن تطبيق نظرياتهم الحزبية داخل أروقة الحكومة لأن الأخيرة هي حصيلة من الجهود المتضافرة بين مجموعات سياسية كبيرة وأحزاب متباينة ولن تكون مرآة جديدة تعكس صورة وتغض النظر عن أخرى ونجاحها متعلق بالقوة التي ستضرب بها أسباب العنف وخصوصا ذلك الذي يستهدف أثارة الانقسامات الطائفية وتبرهن لكل فصيل عرقي أو ديني بأنه جزء من نسيج عراقي عام لذا عليه أن يلتزم بحدود معينة ويعبر عن نفسه بوسائل لائقة لا تجرح الذوق العام أو مشاعر الآخرين وهذه فعلا هي الحرية الصادقة وليس المفهوم الخطأ المترسخ اليوم لدى أغلبيتنا فهي تمكن الإنسان من التعبير عن نفسه بكل عفوية مستخدما طريقة التعبير المناسبة والمكان الملائم وفي الوقت الصحيح وكذلك تقوده إلى النضال من أجل استرداد حقوقه المنتقصة بطرق النضال المشروعة والتي تجبر المجتمع على الاعتراف بتلك الاستحقاقات واحترامها وليس برشق البنايات الخاصة أو العامة بالحجارة أو حرق الممتلكات. فمهما كانت درجة الاستياء لدى أي فصيل أو طائفة من حادثة معينة أو نتيجة لحدوث سوء فهم بين طرفين على الحكومة أن تلجم مشاعرهم الدينية ضمن حدود معينة وتحاسب المتجاوز أيا كان أسمه أو عنوانه وعدد أتباعه ولا تسمح لأحد باستغلال ثقله السكاني في أية منطقة يعتقد بأنه السائد فيها ليبدأ بتلوينها بلونه الخاص فهذا من شأنه الدفع بالآخرين إلى مغادرة المكان حتى لو لم يكن الأمر تحت عنوان التهجير القسري والتعامل مع الجميع على أساس نصيب ثابت وحق معروف ومتساوي لكل طائفة مع الأخرى في كل ما يتعلق بالدولة حتى في وسائل الأعلام فالعدالة هي اللبنة الأولى لبناء مجتمع قوي والنظام هو بمثابة حزام الأمان الذي يشد الجميع ويمنعهم من الانزلاق في الفوضى ولتحقيق الاثنين معا نحتاج إلى دولة قوية وسلطة فولاذية لا تتساهل مع الانحراف وقادرة على إخضاع المجتمع ككل تحت سلطة القانون.