الحلقة العاشرة نينوى والموصل المسيحية
هذه الحلقة مكملة للحلقة التي سبقتها بالنسبة لمدينة الموصل وبالنسبة لنينوى ساتطرق عنها منذ ان اتخذها الاشوريونعاصمة لهم عام 1080 ق.م . فبدأؤابتحصينها واقاموا حولها القلاع لحمايتها من الاعداء المتربصين بها . ان خصوصية منطقة نينوى الجغرافية المناخية بالاضافة الى الحدود المباشرة مع الهضبتين الايرانية من الغرب والانضولية والقفقاسية من الشمال . قد منحتها خصوصية سياسية وسكانية ، من حيث تنوع الاعراق والاديان والطوائف . ان الدولة الآشورية بالاضافة الى دورها المتميز في تطوير الحضارة العراقية بالتكامل مع الدولة البابلية
فانها قد تميزت بالروح العسكرية والميل الى التوسع والفتوحات التي جعلت العراقيون يسيطرون على كل بلاد الشام وحتى مصر .
ان سكان شمال العراق ما كانوا يختلفون عن باقي العراقييين ، لا من حيث اللغة ولا من حيث الدين حيث اللغة الاكدية بلهجتها الاشورية . كاللهجة المصلاوية الان مقارنة بالجنوبية ، لكن طغت عليهم تسمية آشوريون نسبة الى اله الثور { اله القوة والخصب } . الذي كان مقدسا لديهم اكثر من باقي العراقيين .
كان الملك اشور بانيبال من اشهر ملوك هذه السلالة وخصوصا مكتبته الغنية التي عثر عليها في الوقت الحالي ، والتي احتفض بها بالاف الرقم الطينية من تراث اسلافه العراقيين ، حتى المكتوب منها باللغة السومرية التي ظلت مقدسة لدى جميع السلالات العراقية بجانب لغتهم الاكدية خلال اكثر من الفي عام حتى نهاية بابل في القرن السادس قبل الميلاد . ويمكن ان نذكر ايضا ملكة نينوى السهيرة { سميرام } المعروفة ب { سمير اميس } والتي دخلت تاريخ الاسطورة العالمية عبر شخصيتها القوية والجذابة .
الموصل بعد وفاة الجايتو { المحظوظ } . بدأت فترة اضطرابات اصاب المسيحيين منها مساوى كثيرة . ففي سنة 1317 زج بالبطريرك يهبالاها الثالث المغولي في السجن . وبعد ان دفع فدية باهضة قدرها عشرون ألف دينار غادر بغداد ، وغادر العديد من المسيحيين المدن وتوجهوا الى القرى النائية في المناطق الجبلية . وفي هذه الفترة اختفت المسيحية من جنوب العراق , نرجو ان لا يتكرر هذا للمسيحيين في جنوب ووسط العراق بعد سقوط بغداد عند دخول القوات متعددة الجنسيات بقيادة امريكا في التاسع من اذار 2003 حيث يتعرض المسيحيون للاضطهاد بسبب معتقدهم وكذلك رزقهم . نعود الى الموصل في القرن الرابع عشر حيث ظلت الموضع المفضل على سواها ، وسرعان ما جاء بطاركة كنيسة المشرق واقاموا فيها تارة ، وطورا في كرمليس ، واخيرا استقروا في القوش عام { 1462 } . في عام 1322 جدد أبو سعيد ابن محمد خدابندة فرض السمات المميزة على المسيحيين ، وفي عهد المفريان غريغوريوس متى { 1317 ـ1345}، امر حاكم الموصل علي بهدم الكنائس ويبدوأنه لم يكن حاقدا على المسيحيين وحدهم ، إذ ثار عليه أهل الموصل فقتله شخص يدعى الحاج تاج . أما المسيحون فعادوا الى كنائسهم . وفي فترة ما بين {1383و 1394 } . امتدت انتهاكات تيمور لنك الى منطقة الموصل ، اذ تارة يرمم الجوامع وطورا يقطع رؤوس علماء الدين
التطورات التي حدثت في كنيسة المشرق والكنيسة الأرثوذكسية في القرن الرابع عشر اذا اردنا ان نفهم الاوضاع التي مرت على المسيحيين في الموصل بصورة واضحة علينا ان نتطرق ايضا الى التطور الكبير الذي حققته كل من كنيسة المشرق والكنيسة الارثوذكسية في المجالات الروحية والتبشيرية وكذلك الادبية والى وصف الحياة في مئات الاديرة ، وتوضيح لوائح الاساقفة . ان المسيحيين يستغلون ابسط فترات من الهدوء لكي يرفعوا انقاض كنائسهم المهدمة ويعيدوا بناءها . وشهد القرنان الخامس عشر والسادس عشر اضطرابات كثيرة الا ان كنلئس الموصل ظلت صامدة ولم تصب باذى في حين ان جميع الاديرة المحيطة بالموصل تقريبا هجرها رهبانها ،فدمرت او تهدمت . واننا نشاهد في كل مكان بجوار الموصل آثارا تتفاوت اهمية ولكنها تشهد لماضي الرهبانية الزاهر في ما بين النهرين . وفي عام 1516 وبعد اسماعيل شاه والحكم الفارسي ، جاء العثمانيون بزعامة سليم الاول وفي عهده استولى محمد باشا حاكم ديار بكر على الموصل فاحرق المدينة ، فاحرق المدينة واعمل السيف في رقاب بعض سكانها ، ثم تناوبت الجيوش العثمانية والفارسية في احتلال الموصل حتى جاء عام 1638 وفيه فرض مراد الاول . سيطرته التامة على المنطقة ومن المحتمل ان كنيسة التكريتيين الجديدة اختفت في هذا التاريخ كما تطرفنا الى ذلك في الحلقة الرابعة من هذا الموضوع .
وفي سنة 1718 إجتاحت الموصل اضطرابات ضد المسيحيين ، وكان الاباء الكبوشيون قد قدموا الى الموصل سنة 1636 وسكنوا دارا تقع على ضفة نهر دجلة في محلة مار اشعيا ذات الاغلبية المسيحية ، وعندما أوشك الدير الصغير على الانهيار منعهم الوالي من ترميمه ، فاضطروا الى الانتقال الى موضع اخر حسب كتاب {ذخيرة الاذهان لبطرس نصري 2 ص 240 . وفي تلك الفترة تقريبا هوجم الدير وفي سنة 1722 اغتيل احد الاباء الكبوشيين وهو الاب بطرس ، فتولت اسرة الجليلي التي كانت جذورها مسيحية دفنه في فناء كنيسة شمعون الصفا ، وبعد سنتين الغى الاباء الكبوشيين رسالتهم في الموصل وغادروا المدينة . وكانت محنة اخيرة تنتظر بعض المباني المسيحية عند الحصار الفاشل الذي فرضه نادر شاه على الموصل سنة 1743 ، حيث سقطت على المدينة اكثر من 4000 قذيفة خلال اثنين واربعين يوما دام فيها الحصار . ودمرت جزءا من كنيستين قريبتين من الحصن الشمالي الشرقي من اسوار المدينة وهما طهرة الكلدان وطهرة الارثوذكس . وبعد الحصار ذهب ابن قائد المقاومة في الموصل حسين باشا الجليلي الى القسطنطينية ، واستحصل فرمانا من السلطان باعادة بناء الكنائس المدمرة . واذا اخذنا بقول الشماس القرقوشي ان الموصليون قد رمموا او اعادوا بناء ثماني كنائس ، ويروي التقاة من الناس وسيظلون يروون ان لطف الباشا ولطف السلطان جاء اعترافا رسميا بحماية مريم العذراء لمدينة الموصل وتروى الحادثة ايضا في كتاب الوردية المقدسة ومعظم اهالي الموصل من المسيحيين والمسلمين عندما يمرون بكنيسة الطهرة التي تقع بمحلة الشفاء اما يدخلون الكنيسة لغرض الصلاة او للزيارة وقسم يزورون الباب الخارجي او حائط الكنيسة . وهناك كتاب كثيرون جمعوا تقليدا يقول ان بعض القديسين ، ومنهم العذراء مريم ظهروا فوق اسوار المدينة ، وكانوا يردون قذائف الاعداء على مطلقيها وهناك رواية اخرى قد تكون أرثوذكسية الاصل تقول بظهور مار جرجس ومار متى والنبي يونان . مهما يكن من أمر فان مسيحيي الموصل اعادوا بناء كنائسهم إلا أن ذلك لم يمنع مصطفى باشا من ارغامهم سنة 1757 على دفع غرامات كبيرة بحجة أنهم شيدوا الكنائس دون اذن . وسيتكرر الامر نفسه ويالحجة ذاتها بعد سنتين في حكم نعمان باشا .
الغاية من البحث بهذا الموضوع ان الغاية من بحثي هذا اناشد القارئ الكريم .اذا كان محايدا ان يعتقد ان ما ذكرته هو الواقع الوحيد الذي دعاني الى سرد هذه الاحداث ونبتعد عن التعصب ، ليرى القارى الكريم ما حل بالمسيحيين سكان البلاد الاصليين سواء أكانوا في الموصل او سهل نينوى او مناطق العراق كافة واستعرضت الموصل ونينوى كنموذج للمدن والبلدات العراقية كافة .
وحيث يصمت التاريخ ، تتكلم اسماء المواقع وتقاليد البدوالرحل الذين يترددون الى المواقع المهجورة ويسردون حكايات الرعب والمجازر ، ومثالا على ذلك فيما يتعلق بموقع { تل العبدات } المجاور لوادي حليلة قرب دير مار ميخائيل بالموصل . ما زال البدو يروون قصة مقتل النساء اللواتي كن يسجدن لاله يجهل البدو هويته . ان القرى الكبيرة وحدها تمكنت من الصمود بالرغم من المجازر التي تعرضت لها بين الحين والاخر . اما في جميع الاماكن الاخرى فقد مسحت الحروب والاضطهادات المتلاحقة اثار القرى المسيحية الصغيرة وكنائسها المنتشرة في السهل الواقع بين دجلة وجبال كردستان . ارجو ممن يقرا هذه المواضيع ان يعرف ماذا يعمل لشعب يحاول الصمود ويحتفظ بما تبقى له من حضارة لايمكن للزمن ان يمحيها مهما تغيرت الضروف .