Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الدعم الدولي للعراق يفضح حماة الإرهاب

 

لا شك لدي أن جميع الحكومات العربية وحتى المكون السني العربي في العراق كانوا يتمنون سقوط حكم البعث الصدامي، ولكن ما لم يكونوا يريدونه هو قيام حكم ديمقراطي بديلاً عنه، إذ كانوا يتمنون إسقاطه وتسليم الحكم إلى نفس المكونة التي احتكرت السلطة لتسعين عاماً مع بعض التحسينات في المظهر والديكور، يرافقه تغيير جذري في السياسات الخارجية كالانفتاح الكلي على "الأخ الأكبر" السعودية. أما أن يأتي نظام ديمقراطي يعامل جميع مكونات الشعب العراقي على قدم المساواة، ولهم حق المشاركة في حكم بلادهم وصنع القرارات السياسية، ووفق ما تفرزه صناديق الاقتراع، فهذا ما لم يدر بخلدهم، ولم يرتضوه مطلقاً، ولذلك بدأت الحملة من جميع الأطراف العربية بمحاربة النظام العراقي الجديد، وتحت مختلف الحجج الباطلة، وعلى رأسها يافطة "تهميش السنة في الحكم"، بينما الحقيقة تؤكد عكس ذلك تماماً. فشنوا حملة إعلامية ضارية لتشويه صورة النظام الجديد، وسخروا لها جميع إمكانياتهم من فضائيات ومشايخ المساجد والفتاوى التكفيرية، والشحن الطائفي ودعم الإرهاب، وحتى الجامعة العربية تعاملت مع الحكومة الجديدة بجفاء، بينما تلقت المعارضين لها بالأحضان. 

ورغم أن النظام الجديد انفتح على جميع الكيانات السياسية من ممثلي جميع المكونات الدينية والمذهبية والأثنية، بما فيها المكون السني العربي، ومشاركتهم في جميع سلطات الدولة ومفاصلها الإدارية، إلا إن نغمة التهميش استمرت تتصاعد وتتلقى الدعم من الحكومات العربية ومؤسساتها الدينية والإعلامية، كما وصار الهدف الرئيسي لبعض المشاركين من هؤلاء في العملية السياسية هو إفشالها، حتى صاروا الواجهة السياسية للإرهاب المتمثل في تحالف فلول البعث والقاعدة وداعش، بل أصبحت هذه الأسماء متماهية في تنظيم إرهابي واحد.

كما وبلغ تأثير أصحاب معزوفة "التهميش الطائفي" إلى الدول الغربية و حتى إلى إدارة أوباما، والضجة التي أفتعلها سناتور جون ماكين ضد زيارة الوفد العراقي برئاسة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي إلى واشنطن في نهاية العام الماضي. وهؤلاء جميعاً، رغم أنهم يتعاملون مع الإرهاب في العالم كإرهاب وعدو مشترك دون أي تأويل، إلا إنهم تعاملوا مع الإرهاب في العراق بشكل مختلف، حتى بلغ بهم الأمر إلى اعتبار سبب الإرهاب في العراق هو سوء تصرف المالكي مع المكون السني. فالدول العربية تحارب الإرهاب في بلدانها، ولكنها تعامل الإرهابيين في العراق كمجاهدين وطلاب حق ضد حكومة المالكي "الشيعية الصفوية" "العميلة لإيران".

وأخيراً طلعت الشمس على الحرامية، كما يقول المثل. إذ بلغت تجاوزات العصابات الإرهابية على أهل السنة وخاصة أهالي محافظة الأنبار إلى حد لا يطاق، فطالب شيوخ عشائر الأنبار الحكومة بالتدخل لخلاصهم من شرور الإرهابيين في ساحات الاعتصامات وفي داخل مدن المحافظة. وكبادرة حسنة منهم قامت العشائر بقيادة شيوخهم بحل ساحات الاعتصامات وبدون سفك قطرة دم واحدة، أو أي تدخل من القوات المسلحة، مقارنة بما حصل في حالات مماثلة في بعض دول المنطقة. "فتظاهرات ساحة الاعتصام في رابعة العدوية في القاهرة التي استمرت 44 يوماً انتهت بمذبحة راح ضحيتها ما يزيد على 800 متظاهر بين قتيل وجريح، كما سقط عشرات الضحايا اثناء عملية فض تظاهرات ساحة تقسيم في اسطنبول التي لم تستمر سوى 17 يوماً، اما تظاهرات ساحة اللؤلؤة في المنامة فقد انتهت بإزالة الميدان من العاصمة واحتلال قوات درع الجزيرة والجيش السعودي للبحرين". (ياسين مجيد)(1).

 كما واستجابت القوات المسلحة لنداء الأهالي في مدن المحافظة لخلاصهم من الإرهابيين. وهنا كشف محامو الإرهاب، المتخفون وراء واجهات سياسية عن وجوههم الحقيقية، فأعلن ائتلاف (متحدون) الذي يرأسه رئيس مجلس النواب، السيد أسامة النجيفي، "تقديم نوابه استقالاتهم من عضوية مجلس النواب احتجاجا على الاحداث الجارية في محافظة الانبار".

والجدير بالذكر أن إئتلاف متحدون هو ضمن كتلة "العراقية" التي يتزعمها الدكتور أياد علاوي الذي هو الآخر أخذ موقفاً ضد محاربة الإرهاب وتحت مختلف الذرائع الواهية. فمن الذي خسر في هذه المحاولات البائسة التي تقودها قيادات كتلة العراقية؟

الدعم الدولي للعراق

وأخيراُ انتبه العالم إلى لعبة هؤلاء السياسيين الذين ارتضوا أن يكونوا واجهات سياسية للإرهابيين، وأبواقاً لهم يبثون في الإعلام المضاد أن حرب الحكومة ليست على الإرهاب وإنما هي حرب طائفية ضد السنة، وتحديداً ضد أهالي محافظة الأنبار!!.

وللأسف الشديد انطلت اللعبة على بعض السياسيين والإعلاميين الغربيين إلى أن انكشفت لهم الحقيقة، فانتبه  المجتمع الدولي المتمثل في مجلس الأمن الذي أصدر قراراً بالإجماع يوم 10/1/2014 "أقر فيه بأن قوات الأمن العراقية والشرطة المحلية وزعماء العشائر في محافظة الأنبار يظهرون قدرا كبيرا من الشجاعة في قتالهم لدحر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام عن مدنهم... وأكد مجلس الأمن ضرورة تقديم مرتكبي هذه الأعمال الإرهابية المشينة، ومنظميها، ومموليها ومن يرعونها إلى العدالة. كما أكد أن الدولة الإسلامية في العراق والشام تخضع للحظر المفروض على الأسلحة وتجميد الأصول المفروضة بموجب قرارات مجلس الأمن. وأعاد المجلس تأكيد دعمه لاستقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامته الإقليمية."(2)

كذلك قام السيد بان كي مون بزيارة إلى بغداد ولقائه مع رئيس الوزراء وعدد من القادة السياسيين، معلناً تضامنه مع الحكومة العراقية في حربها على الإرهاب. وكذلك الإدارة الأمريكية أكدت تضامنها وأمرت بالإسراع بدعم القوات العراقية المسلحة بالسلاح والعتاد، والوسائل اللوجستية وغيرها، وغير المجلسان، الكونغرس والشيوخ الأمريكيين موقفهما المتردد من الرئيس العراقي بسبب الدعايات المضادة واللوبي السعودي، وإذا بهما يطالبان بالإسراع لدعم العراق عسكرياً واستخباراتياً. بل وبلغ الأمر من الوضوح للعالم حتى السناتور جون ماكين، الذي ناهض زيارة المالكي إلى واشنطن، غيَّر موقفه وطالب بدعم القوات العراقية في حربها على الإرهاب. إضافة إلى دعم الاتحاد الأوربي للعراق.

ولم يتوقف الأمر على هذه الجهات الدولية، بل وحتى الجامعة العربية التي بعد أن رأت كل هذا الدعم الدولي للعراق، هي الأخرى أعلنت دعمها في التفاتة نادرة، لكي لا ينكشف انحيازها للجهات الراعية والحاضنة للإرهاب في العراق.

لذلك نتمنى على الحكومة العراقية توظيف هذه الصحوة الدولية و الأممية مع العراق بمطالبة الأمين العام للأمم المتحدة والإتحاد الأوربي بتسمية وفضح ومعاقبة الحكومات التي ترعى الإرهاب وتوفر له الحواضن وتموله وتمده بالمال والسلاح مثل السعودية وقطر.

فماذا كان رد فعل محامي الإرهاب إزاء الدعم الدولي للعراق؟

قلنا مراراً أن نسبة من قياديي "كتلة العراقية"، ومعظمهم من خلفيات بعثية، دخلوا العملية السياسية كحصن طروادة لتفجيرها من الداخل. فهؤلاء لا تلائمهم الديمقراطية، فهم اعتادوا على المؤامرات والانقلابات العسكرية في السيطرة على السلطة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 إلى عام 2003. لذلك فطوال فترة مشاركتهم في حكومة الوحدة الوطنية كانوا يعرقلون أعمال الحكومة، وخاصة في مجال تقديم الخدمات وإعمار البلاد، ويدافعون عن الإرهاب بمختلف الطرق الملتوية والادعاءات الباطلة.

وأخيراً كشفوا عن وجوههم الحقيقية، إذ بدأت الحملة بالاستقالة الجماعية لـ 44 نائباً من إئتلاف (متحدون)، ودفاعهم المحموم عن النائب المتهم بالإرهاب أحمد العلواني الذي أُلقي القبض عليه بالجرم المشهود وهو يطلق النار على القوات المسلحة وقتل وجرح عدداً منهم.

فعن زيارة السيد بان كي مون للعراق، قال أياد علاوي رئيس كتلة العراقية في تصريح صحفي ان "زيارة الأمين العام للأمم المتحدة الى العراق كانت فاشلة وكان عليه اللقاء مع رؤساء عشائر الانبار وليس المسؤولين في الحكومة". وكأن السيد بان كي مون هو (أمين عام للمشيخات العشائرية المتحدة) وليس أمين عام للأمم المتحدة. فالبعثيون لم يكتفوا بإحياء العشائرية في العراق، بل ويسعون إلى عولمتها، ومنح العشائرية أهمية أكبر من الدولة.

أما القيادي الآخر في كتلة العراقية، السيد أسامة النجيفي، ففي لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة لم يعلن تضامنه مع حكومة بلاده في مواجهة الإرهاب، بل راح يشكو إليه عن "وسائل التعذيب الجديدة" التي تمارسها الحكومة ضد السجناء من المتهمين بالإرهاب. [كما وتداولت وسائل الاعلام ومواقع رقمية، خبراً نشر على موقع "ويكيليكس" يتحدث عن وثائق، تفيد بوجود اتصالات سرية بين كل من رئيس البرلمان العراقي اسامه النجيفي، والنائب احمد العلواني، بالمخابرات السعودية...]

أما صالح المطلك، المفروض به أن يقف بحزم ضد الإرهابيين بصفته نائب رئيس الحكومة، ورئيس كيان سياسي، إلا إنه ذهب إلى أمريكا ليؤلب على الحكومة ويعطي الحرب على الإرهاب بعداً طائفياً، ففي معظم تصريحاته ولقاءاته ردد ما مؤداه، وكما جاء في صحيفة واشنطن تايمز: "اتهم أحد أبرز الساسة السنة في العراق رئيس الوزراء نوري المالكي بإذكاء العنف الطائفي للحد من أصوات السنة في الانتخابات المقبلة، وانتقد إدارة أوباما لعدم بذلها المزيد من الجهد في بلد قامت الولايات المتحدة بتدميره".

كما و نشر المطلك مقالة كُتبت له ونُشرت مدفوعة الثمن في صحيفة (الوول ستريت جرنال) يوم 15 من الشهر الجاري بعنوان: (مقاتلة تنظيم القاعدة لن تحل الطائفية التي تمزق بلدي إربا). من كل ذلك يريد المطلك أن يقول للإدارة الأمريكية وللعالم، أن الحرب في الأنبار هي ليست على القاعدة وداعش، وإنما هي حرب نوري المالكي على السنة!! وإن هذا الصراع لا ينتهي بالحرب وإنما بالحل السياسي!

والغريب في الأمر أن مطالبة الحكومة بالحل السياسي مع الإرهاب لم يقتصر على قيادة تحالف "العراقية" من أمثال علاوي والنجيفي والملطلك، بل تعداهم إلى بعض القياديين في المجلس الإسلامي الأعلى، إما بسذاجة أو بدوافع اللعب على الحبلين والتزلف بمناسبة الانتخابات القادمة. وإذا كان دافعهم هو الانتخابات، فهم على خطأ كبير لأن الناخب العراقي ليس مع من يتساهل مع الإرهابيين الذين يتمادون في سفك دماء الأبرياء بالجملة في حرب الإبادة.

إن من يعتقد بأنه يمكن فتح حوار سياسي مع القاعدة وداعش الذي هو في معظمه من منتسبي جيش الحرس الجمهوري السابق ومن عتاة البعثيين الطائفيين، فهو في منتهى السذاجة في أحسن الأحوال. أما دعاة الحل السياسي من قيادة كتلة العراقية فهم ليسوا سذجاً مطلقاً، بل هم حماة والوجوه السياسية المرئية للإرهابيين. فما يسمى بالمطالب المشروعة للمحافظات الغربية هي نفسها مطالب جميع المحافظات العراقية، لأن معاناة المحافظات الوسطى والجنوبية هي أشد من غيرها، ولم يلجؤوا إلى الاعتصمات والتفجيرات والمفخخات ليفرضوا شروطهم بإبتزاز الحكومة عن طريق الإرهاب.

وإذا كان لدى هؤلاء شعور بالتهميش والغبن والعزل والإقصاء كما يدعون، ويرددها لهم في الخارج إعلاميون مأجورون، فليذكروها لنا إن كانت هي حقيقة، فالمحافظات السنية لها ممثلوها في البرلمان وفي الحكومة، وعندئذ يمكن حل هذه المشاكل بالوسائل السياسية إن كانوا صادقين. ولكنهم يعرفون جيداً أن المطالب المشروعة هي ليست مشكلتهم الحقيقية، بل مشكلتهم الرئيسية هي المطالب غير المشروعة، وهي إلغاء الديمقراطية والعملية السياسية برمتها وإعادة عجلة التاريخ إلى ما قبل 2003. وهذا مستحيل.

فهل حقاً هناك تهميش السنة في النظام الجديد، أم هو الإصرار على إفشال العملية السياسية برمتها وإلغاء الديمقراطية، وهو نوع آخر من الوهم لخدع الناس على طريقة "ثياب الإمبراطور الجديدة"؟

وهذا سيكون موضوع مقالنا القادم.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


ــــــــــــــــــــــ


روابط ذات علاقة


1- ياسين مجيد: الخاسرون في أزمة الانبار

http://alakhbaar.org/home/2014/1/161073.html


2- النص الرسمي لبيان مجلس الأمن بشأن أحداث محافظة الأنبار: المجلس يعرب عن دعمه الشديد للحكومة لمحاربة [داعش]


http://alakhbaar.org/home/2014/1/160913.html


3- الإرهاب السعودي يتنكر بزي منحة للجيش اللبناني


الأموال السعودية الملوثة بالطائفية والدماء تدمر سلام اللبنانيين والعراقيين والسوريين


http://www.aljaml.com/node/103698


 

 

Opinions