الديمقراطية في العالم العربي
صدمة الحداثة في الثقافة العربية بدأت مع دخول الاستعمار إلى البلدان العربية في القرنين الماضيين. لكنها بقيت صدمة دون أن تتعد الأمر إلى الخطوة الموالية: خطوة ممارسة الحداثة التي تبقى الديمقراطية إحدى أهم تجلياتها. ولقد كانت أهم العوائق التي حالت دون تحقيق تلك الخطوة لبداية رحلة الألف ميل هي تغليب كفة المصلحة على كفة الفعل التاريخي والإقلاع الحضاري.فقد كان الدستور يُوضع على مقاس السلطان وقانون الممارسة الديمقراطية على مقاس السلطان والتدريس على مقاس السلطان والقضاء على مقاس السلطان...
وقد استمر الأمر لمدة ستين عاما حتى جاءت انتفاضات محمد البوعزيزي المتعددة الجنسيات لتفجر الاختيارات العقيمة التي تخنق الإرادة العربية التواقة إلى الانطلاق ودخول التاريخ وممارسة الفعل التاريخي
الآن فقط بعد هذه الثورات الواحدة المتعددة التي تعم العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه يمكن الحديث عن عودة القطار العربي إلى سكته الصحيحة. الآن فقط يمكن البدء في تصنيف الديمقراطيات العربية إلى ديمقراطيات واعدة أو ديمقراطيات كاذبة. الآن فقط يمكن الحديث عن جمهورية تونس الديمقراطية وجمهورية مصر الديمقراطية وجمهورية ليبيا الديمقراطية. أما الباقي من الدول التي تسابق الزمن وتسابق التغيير وتسابق شعبها بافتعال تظاهرات تسبق التواريخ التي حددها الشعب للخروج في مسيرات شعبية سلمية وبافتعال أعمال فوضى وشغب عبثت بالمنشآت العمومية وكسرت زجاج المقاهي وضرب الناس بالحجر في محاولة لتشويه صورة التظاهر وطمس معالم الحق في التظاهر وكبح جماح الجماهير الشعبية التواقة للجهر بمواقفها ضد الظلم والفساد وثني الشعب عن الخروج في أي تظاهرة لن يكون في إمكان احد السيطرة عليها... تلك الدول لا يمكنها الاستمرار لا في تمثيلياتها ومسرحياتها ولا في شعاراتها ووعودها بالفعل والبداية في الفعل والتفعيل وبداية التفعيل. تسونامي التغيير قادم ولن ينجو منه إلا من ارتقى الأعالي أيام الطقس الصحو.
إن الديمقراطيات تبنى إما بالتدرج وهذا ما لم يتحقق في العالم العربي بعد مرور أزيد من نصف قرن من الكتابات والخطب والقوانين، أو هي تقام بالثورات وهذا ما بدأ بالفعل في العالم العربي ولن تطفأ جذوته حتى تشمل كل الوطن العربي لتنتقل إلى المستوى الثاني الذي حاول أن يبدأ به هواة السياسة من حكام عرب القرن العشرين: مستوى توحيد الوطن العربي الحر من الطفيليين ووحوش السلطة ومجنوني العظمة والمهووسين بالكراسي...
******
محمد سعيد الريحاني، كاتب ومترجم وباحث في الفن والأدب من مواليد 23 ديسمبر 1968، عضو هيأة تحرير "مجلة كتابات إفريقية" الأنغلوفونية African Writing Magazine والصادرة من مدينة بورنموث Bournemouth جنوب إنجلترة، عضو اتحاد كتاب المغرب. صدر له: "الاسم المغربي وإرادة التفرد"، دراسة سيميائية للإسم الفردي (2001) ، "في انتظار الصباح" ، مجموعة قصصية (2003)، "موسم الهجرة إلى أي مكان "، مجموعة قصصية (2006)، "الحاءات الثلاث "، أنطولوجيا القصة المغربية الجديدة (صادرة في ثلاثة أجزاء على ثلاث سنوات 2006- 2007- 2008)، "تاريخ التلاعب بالامتحانات المهنية في المغرب" (صادر في جزأين 2009- 2011)، "موت المؤلف"، مجموعة قصصية (2010).
له قيد الطبع: "المدرسة الحائية: مدرسة القصة العربية الغدوية" (عن دار السندباد بالقاهرة)، "حوار جيلين" (مجموعة قصصية مشتركة مع القاص المغربي إدريس الصغير)...
أشرف على الترجمة الإنجليزية للنصوص القصصية المكونة للقسم المغربي في أنطولوجيا "صوت الأجيال: مختارات من القصة الإفريقية المعاصرة" Speaking for the Generations التي أعدتها جامعة أوليف هارفيه بولاية تشيكاغو الأمريكية ونشرتها دارا نشر "ريد سيه بريس" و"أفريكا وورلد بريس" في ترنتن بولاية نيو جيرزي الأمريكية، يونيو 2010.
كما أشرف على ترجمة خمسين (50) قاصة وقاصا مغربيا إلى اللغة الإنجليزية ضمن أنطولوجيا "الحاءات الثلاث: مختارات من القصة المغربية الجديدة" وهو مشروع ثلاثي الأجزاء صادر في نسخته الورقية العربية على ثلاث سنوات: "أنطولوجيا الحلم المغربي" سنة 2006، "أنطولوجيا الحب" سنة 2007، و"أنطولوجيا الحرية" سنة 2008 تقصد منذ بداياته، تحقيق ثلاث غايات أولها التعريف بالقصة القصيرة المغربية عالميا؛ وثانيها التعبئة بين أوساط المبدعات والمبدعين المغاربة لجعل المغرب يحتل مكانته الأدبية كعاصمة للقصة القصيرة في "المغرب العربي" إلى جانب الجزائر عاصمة الرواية وتونس عاصمة الشعر؛ وثالثها التأسيس ل"المدرسة الحائية"، "مدرسة" قادمة للقصة القصيرة الغدوية عبر هدم آخر قلاع العتمة في الإبداع العربي (الحلم والحب والحرية) واعتماد هده "الحاءات الثلاث" مادة للحكي الغدوي التي بدونها لا يكون الإبداع إبداعا.
عنوان الموقع الإلكتروني: http://www.raihani.ma