الذين تلطخت أيديهم بأموال الشعب العراقي الصابر
ظلت مشكلة الفساد الأداري والمالي من دون حل وبقيت كل القرارات التي أصدرتها الجهات المختصة بشأن تفرعات هذه الآفة من غير تنفيذ، فبرغم الصيحات التي تتعالى من هذا الطرف أو ذاك وبرغم الفضائح التي تكشفها هذه الهيأة وتلك المؤسسة تستمر وتيرة الأفساد المالي والأداري وبتصاعد. وتمارس بلا رادع أخلاقي أو قانوني وتتفشى بلا وازع من مخافة الله!.ويبدو أن عملية سرقة وتبديد المال العام التي أقدم عليها بعض المسؤولين الكبار ومن بينهم وزراء ومدراء عامون ورؤساء لجان في الفترات السابقة يبدو أن تلك السرقات والأختلاسات أسست لنشوء هذه الظاهرة بل وفاقمتها وجعلت منها آفة يصعب القضاء عليها. حيث أن أقدام المسؤولين الكبار على مثل هذا السلوك الشائن يشجع العاملين تحت أمرتهم وضمن نطاق عملهم على أقتفاء أثرهم والعمل بسيرتهم الاّ النوادر منهم والذين أصبحوا عملة نادرة وشواذاً بنظر أقرانهم المفسدين وربما صاروا مهددين ومراقبين ومستضعفين بلا حول ولا قوة. ما تجدر الأشارة اليه أن الوضع الحالي قد شهد تشكيل العديد من الأجهزة الرقابية المختصة وبمستويات عالية ومستقلة العمل والقرار مثل:
-دائرة المفتش العام في كل وزارة من وزارات العراق، - ديوان الرقابة المالية وتتفرع منه لجان ومفتشيات في جميع الوزارات والمؤسسات والدوائر الرسمية وحتى شبه الرسمية، - هيأة النزاهة والتي تشكلت بعد سقوط السلطة السابقة.
وأسلوب عمل هذه الدوائر يبدأ بتولي دائرة المفتش العام معالجة ومتابعة أية عملية فساد أداري في الوزارة التي تقع ضمن أختصاصه وفي محيط عمله من خلال الصلاحيات التي يتمتع بها المفتش العام وتقوم المجالس الأنضباطية في كل وزارة بتنفيذ الأحكام والأجراءات التي تصدر عن دائرة المفتش العام بشكل مباشر. أما ديوان الرقابة المالية فيتولى متابعة عمليات الفساد المالي في كافة الوزارات العراقية وتفرعاتها والمؤسسات والدوائر التابعة لها من خلال الرقباء الماليين المنتشرين في تلك الدوائر والوزارات وتفرعاتها حيث تجمع كل المخالفات بشكل دوري ومنتظم وتعد لاحقاً بكشوفات خاصة وتقدم الى الجهات المختصة في ديوان الرقابة المالية لتتخذ الأجراءات القانونية والأصولية بحق المخالفين والمفسدين من المتلاعبين بالمال العام هدراً أو أختلاساً وتتولى هيأة النزاهة التحقيق المستقل في القضايا الجزائية المرفوعة اليها من قبل لجانها الخاصة، وكذلك القضايا التي تردها من الهيئات الخاصة والعامة. وبعد أجراء التحقيق ترفع تلك القضايا الى السلطة القضائية لأكتساب الحكم القطعي وأصدار العقوبة المناسبة حسب أهمية وحجم القضية. كان المفترض أن يتبع تشكيل هذه الأجهزة الفاعلة المستقلة عدة أمور: منها منحها صلاحيات واسعة تتعدى صلاحيات الوزراء والاّ كيف تستطيع هذه الهيئات التحقيق مع مدير عام والأمر يتطلب موافقة وزيره أولاً أو مع وزير والأمر يتطلب موافقة دولة رئيس الوزراء؟!، وكيف تستطيع هذه الهيئات أتخاذ أجراء صارم في مثل هذه الحال؟!، وما الفائدة من قراراتها التي تظل رهن الأضابير بأنتظار أوامر التنفيذ التي تأتي ولا تأتي؟! وكيف سيكون موقف أعضاء هذه الهيئات ورؤسائها أمام حالات الفساد المحدودة التي يرتكبها الموظفون البسطاء؟! وأية هيأة هذه لاتمتلك حق أصدار الأحكام أو أوامر ألقاء القبض في ظرف يعج بالمحسوبيات والمنسوبيات والأنتماءات؟!.
أن هذه المشكلة التي أزمنت ستستمر في التفاقم مالم يتم التعاون التام من قبل الرئاسات الثلاث: رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة البرلمان بوضع قانون خاص رفيع الصلاحيات وشديد العقوبات تناط مهمة تنفيذه بالهيأة العليا للنزاهة. بعد منحها الصلاحيات الواسعة والدعم الكامل من قبل تلك الرئاسات وبعد الأختيار الدقيق لرئاسة وأعضاء وموظفي هذه الهيأة وتوفير الحماية والحصانة الكاملة لهم.
ما يدمي القلب وما يحز في النفس ويوغر الصدر تفشي هذه الظاهرة الخسيسة في أوساط رفيعة المستوى والتي لايليق بها الاّ أن تكون أشد حرصاً من غيرها وقدوة للعاملين معها. خاصة في ظرف يشهد العراق فيه هجمة شرسة محمومة متداخلة متعددة الجهات خبيثة النوايا بهدف زعزعة أمنه وتبديد ثرواته وتقطيع أوصاله وأبادة وتهجير شعبه الصابر، أن التصدي الحازم للمفسدين والمختلسين والمرتشين وخونة الأمانات ومبددي المال العام من ضعاف النفوس وناقصي المروءة والاخلاق وعديمي المثل والمقدسات والقيم لا يقل خطورة وأهمية عن التصدي لزمر الارهاب وعصابات الخطف والقتل والتهجير والخراب ومثيري الفوضى والاضطراب ومزعزعي الامان.
وهذا من صلب أسبقيات واولويات واجبات الحكومة واجهزتها التنفيذية وبالتعاون مع كل الاخيار في مؤسسات المجتمع المدني، واصحاب النفوس العالية التي لم تلوثها اقذار "الحواسم" ولم تلطخها دماء وحقوق العراقيين الطيبين.