الرئيس مسعود البارزاني اعرض لسيادتكم تأسيس جامعة في القوش
بادئ ذي بدء ، اقول ان طلبي هذا هو طلب فردي ، لا امثل حزباً او منظمة ولا انوب عن احد سوى نفسي .لست مجانباً للحقيقة او مجافياً لها حينما أزعم ان القوش كانت ترتبط بكردستان بوشائج اجتماعية وسياسية واقتصادية عبر عصور من الزمن وتبلورت وتوثقت تلك الأواصر بعد انبثاق ثورة أيلول عام 1961 م تحت قيادة القائد الكردي الخالد ملا مصطفى البارزاني ، فكانت القوش تقدم الرجال المقاتلين وتقسم رغيف الخبز بينها وبين كردستان ، وبقيت القوش مصدراً حيوياً لوصول الأرزاق للمقاتلين الأكراد ، وكم من الآلاقشة الشباب زجوا في السجون وحوكموا وتهمتهم تقديم المعونات للأكراد ، ومن جملتهم المرحوم عمي كيكا تومي الذي حوكم لمدة سنتين بتهمة أيصال المساعدات والأرزاق للأكراد ، وكانت تهمة لم يستطع انكارها لوجود القرائن .
على مدى عقود وقرون زمنية كانت العلاقات التجارية مزدهرة بين الطرفين ،الأكراد يجلبون الفاكهة والتبوغ والفحم والحطب ، ويستوردون من القوش الحبوب والسكر والشاي واللباد والملابس الكردية ( الشال والشبوك ) التي كانت تنسج في القوش وكان فيها في الأيام الخوالي اكثر من مائتي جومة لحياكة هذه الملابس وبيعها لأكراد المنطقة ، إضافة الى سوقها التجاري العامر .
اما الجانب العلمي لألقوش فمشهود له عبر التاريخ حيث ان مدرسة القوش التي اسسها مار ميخا النوهدري في مطاوي القرن الخامس الميلادي تعتبر من أوائل مدارس العراق والتي استمرت طيلة عقود وأجيال والى يومنا هذا لا زالت بقاياها شاخصة للعيان .
من جانب آخر فإن المسيرة العلمية لكردستان عموماً والمنطقة المتآخمة لسهل نينوى بحاجة الى صرح ورافد علمي يغني المنطقة ويغطي حاجتها الماسة في طلب العلم والمعرفة والتي باتت اهم سمات العصر . إن تأسيس جامعة باللغة العربية والأنكليزية ، مع تدريس اللغتين الكرديــة والكلدانيـــة ، يكون لقطاع كبير من الشباب في هذه المنطقة سبيل الأستفادة منها .
سيادة الرئيس : إن إنشاء جامعة علمية في القوش له مغزى عميق في توثيق اواصر الأخوة العربية الكردية ، فألقوش كانت دائماً في العهد العثماني تعكس الرؤية المشتركة او بالأحرى محطة اللقاء العربي الكردي ، فمكانتها الدينية والجغرافية والأقتصادية شكلت نقطة جذب وتنافس في العهد العثماني على تبعيتها بين إمارة بهدينان وإمارة الموصل ،الى درجة ان الأمر حسم بربط ديرها ـ دير الربان هرمز ـ الكائن في صدر جبل القوش ، ربط مع إمارة بهدينان ، ونسبت القوش للأرتباط مع ولاية الموصل . لكن هذا الخلاف السياسي لم يكن يمنع التواصل الأجتماعي والأقتصادي بين ألقوش وكردستان على مر العصور ، وهناك احداث كثيرة لهذا التواصل لا مجال للأشارة اليها في هذا المقام .
وفي حقل آخر كانت القوش ملتقى اليهود القاطنين في كردستان أيام أعيادهم حيث يتقاطرون الى مرقد النبي ناحوم الألقوشي الكائن في القوش والذي كان ملتقى زيارة اليهود السنوي ، القادمين من مدن وقرى العراق ولكن بصورة رئيسية كانوا يتقاطرون من كردستان قبل هجرتهم من العراق اواسط القرن الماضي .
إن تأسيس جامعة باللغة العربية والأنكليزية في القوش يحي المنطقة ويجعلها قبلة علمية ثقافية يؤمها طلاب العلم والثقافة من كل مكان . وهناك ايضاً من الطلبة من الأقليات الأثنية لا يستطيعون الأستمرار باللغة الكردية فيستمرون باللغة العربية وهذه الأقليات تعيش في اقليم كردستان ، وهذا جانب يوثق اواصر الصداقة والأخوة بين الشعبين الكردي والعربي وكل الأقليات الأثنية المتآخية في الفسيفساء الأثني للنسيج المجتمعي العراقي الجميل ، فكما هو معلوم ان التعددية أصل الحياة وصيرورتها ، والجامعة العلمية ستؤسس لايجاد لغة مشتركة ، فأقليم كردستان اليوم يزدهر بنسيجه المجتمعي المتنوع بكل أقلياته الى جانب اخوانهم الأكراد منهم العرب والتركمان والكلدانيين والسريان والأرمن والآثوريين والشبك ، هذا الى جانب التنوع الديني المتمثل بالأسلام والمسيحية واليزيدية والمندائية .
أقليم كردستان يتطلع الى حجز مكانة لائقة في مصاف امم العالم المتمدن وهو مؤهل لهذه المكانة بفضل النهج العلماني الديمقراطي الليبرلي الذي تنتهجه القيادة الكردية الحكيمة .
إن هذه الجامعة ستعزز الفكر الأنساني الذي يتقبله الأنسان الكردي بعيداً عن التزمت والتعصب مهما كان نوعه ، فاللغة العربية والأنكليزية تشكل الطريق نحو العمق العربي والأفق العالمي بعلومه وفنونه وثقافته .
إن استئثار اقليم كردستان بناصية العلم يثبت للعالم الوجه الناصع لقضية الشعب الكردي التي طالها الظلم والتعتيم عبر قرون من الزمن .
إن هذا الصرح العلمي سيكون منارة علمية يرمز الى التآخي ويعطي المنطقة جرعة شافية بعد عقود من الأهمال والتعتيم . ومن جانب آخر ستكون الجامعة عوناً للطلبة الذين يتعرضون الى التهديد والوعيد من قبل قوى الظلام التي تجبر هؤلاء الطلبة بإطاعة اجندتهم في السلوك الشخصي وبفرض الحجاب وتقييد الحريات ويتعرضون الى شتى انواع المضايقات .
إن موقع القوش الجغرافي المحصن نسبياً من ناحية الأمن ، الى جانب كون ناحية القوش الأدارية غنية بتنوعها الأثنوغرافي ، وهي ستشكل نقطة جذب لشرائح كثيرة من المجتمع المجاور ، وربما يقصدها طلاب من مراكز بعيدة من كردستان او مدن عراقية .
نحن نقرأ عن معاناة الطلبة من الأقليات العرقية والدينية في جامعة الموصل ، والبعض الآخر لهم مشاكل لغوية في جامعات كردستان ، وستكون الجامعة في القوش المتنفس الطبيعي لهؤلاء الطلبة الذين يسعون الى طلب العلم والمعرفة .
أضع هذا الطلب امام سيادة الرئيس مسعود البارزاني لكي يضيف الى مآثر كردستان ومواقفها مأثرة علمية وأنسانية أخرى . إنها مبادرة كريمة لغرس شتلة مباركة في اقليم كردستان وفي الوطن العراقي الحبيب .
حبيب تومي / اوسلو