الراعي الصالح حاضر بين شعبه في تربة وادي الرافدين
في المساء تجمع الخراف إلى داخل الحظيرة لحمايتها من اللصوص، ومن البرد وعوامل الطقس، ومن الحيوانات المفترسة، والحظيرة إما كهف، أو مغارة، أو سقيفة، أو مكان مفتوح تحوطه أسوار من الحجارة، أو أغصان الشجر وكثيراً ما كان الراعي ينام في الحظيرة لرعاية خرافه وحمايتها، وكما يهتم الراعي بخرافه ويرعاها، يهتم يسوع المسيح الراعي الصالح بقطيعه ويرعاه ( وقطيعه هم من يتبعونه ).يرعى الأجير الخراف من أجل المال، أما الراعي الصالح فيرعاها من أجل محبته والتزامه بها، ويسوع المسيح لا يؤدي عمله فقط لكنه ملتزم بأن يحبنا، وأن يضع ذاته وحياته من أجلنا. بينما ليس للمعلمين المضلين والأنبياء الكذبة مثل ذلك الراعي الصالح الملتزم.
يبقى راعي الخراف الصالح مع قطيعه بالليل والنهار، وراعي الغنم ليس نظير أولئك الذين يرعون قطعان الأبقار، أو الجاموس، أو غيرها من الحيوانات، التي يمكن حفظها في حظائر، بخلاف الأغنام التي ليس لها مكان معين تحفظ فيه، لذا فهي تحتاج إلى الرعاية ليلاً ونهاراً، ويقوم رعاة الأغنام بجمعها كلها معاً في مكان واحد عند مجيء الليل ويسهرون عليها بالتناوب، لعلنا نذكر أنه عندما ولد يسوع المسيح في بيت لحم، كان هناك رعاة موجودين خارجاً في العراء، يحرسون حراسات الليل على رعيتهم، عندما ظهر لهم الملاك ليبشرهم بولادة المخلص.
يقود الراعي الصالح قطيعه إلى مراع متنوعة، فكما أننا نحتاج إلى أطعمة متنوعة في الأفطار والغذاء والعشاء هكذا أيضاً تحتاج الأغنام إلى أنواع مختلفة من الغذاء في أوقات مختلفة. ويسوع المسيح يقول انه يكون كراع يسهر على حمايتنا وحراستنا بالليل والنهار من الأخطار المنظورة والخفية، وفي كل صباح يقود الراعي الصالح قطيعه إلى مراع متنوعة، والغنم لا تاكل الأعشاب الجافة الخشنة، أو القذرة، انها تحب العشب الأخضر النضير، في مزمور 23 نعرف كيف يقود الرعاة الغنم إلى مراع جيدة، حيث العشب الأخضر الممتلئ بالعصارة، ويتجولون بالقطعان في اماكن مختلفة في الصباح، وبعد الظهر وفي المساء، وكذلك تحتاج الأغنام أيضاً إلى المياه النظيفة، انها لا تشرب المياه الملوثة، ويسوع المسيح يعلم تماماً ما نحتاج إليه من أنواع الغذاء لتشبع جوعنا وتروي ظمأنا.
ان كلماته الحلوة هي المرعى الذي يقود إليه نفوسنا فهو يعطينا كل صباح كلمته الحية والمحيية التي يعلن بها لنفوسنا خطته السماوية لليوم كله، وفي فترة ما بعد الظهيرة ننال منه قوة تعيننا لبقية اليوم، وفي المساء نحظى بالافتقاد الإلهي قبلما نأوى إلى فراشنا، وهكذ تنتعش حياتنا يوما فيوماً ونحفظ من كل خطر منظور وغير منظور. لذلك لأنه مخلصنا الأمين والمحب، وهو معنا كل حين.
لقد وهب الله الغنم موهبة تمييز صوت الراعي الصالح، ويمكنها ان تعرف صوت سيدها بالذات، ففي بعض الأحيان عندما تتجمع القطعان معاً للمبيت، ويتناوب الرعاة حراستها أثناء الليل، حتى طلوع النهار، وعندما يصفر أول راع لقطيعه، وقد يستعمل صفارة من الفضة، أو أي معدن آخر، وربما يصفر واضعاً اصبيعه في فمه، لكنه على أية حال إذ يصفر لقطيعه، فأن قطيعه هو وحده الذي يخرج أولاً ويتجمع معاً، وبعد ذلك يأتي الراعي الثاني ويصفر، والثالث كذلك، وفي كل مرة تلاحظ أن الغنم لن تذهب أبداً إلى راع خلاف راعيها، ذلك لأنها تعرف صوته فتتبعه.
أحياناً يأتي راع غريب ويصفر للغنم، لكنها لا تتبع، و يسوع المسيح يقول : " وأما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه لانها لا تعرف صوت الغرباء " ( يوحنا 10 : 5 )، ذلك لأن آذانها حساسة لصوت سيدها وحده.
انه امتيازنا اليوم نحن ابناء كنيسة العراق هو ان نسمع صوت الله ونصغي إليه بقلب نقي ومتواضع، ربما لا نعرف موضوعات كثيرة كالتاريخ، أو الجغرافيا، أو العلوم، أو السياسة، أو الفلسفة، أو اللاهوت، لكننا مع ذلك يمكننا ان نعرف ونميز صوت إلهنا الذي اختارنا أن نكون ملحاً في هذه الأرض الطيبة التي ارتوت من دماء شهدائنا الأبرار القديسين الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل تربة هذا الوطن العريق في القدم والذي كان منبع الايمان والحضارة، وأن نكون اليوم نوراً ساطعاً في سمائه الصافية من خلال كلمته المحيّة، وخميرة في عجينة مجتمعه من خلال أعمالنا النقية، لكي يتمجد اسم الرب الإله في كل بقعة من بقاع أرضه امتداداً من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه مروراً في وسطه.
واليوم نحن كمؤمنين عراقيين أن نسمع صوت يسوع الراعي الصالح ونتبعه، وأينما يسير الراعي الصالح علينا ان نتبعه دون أن نسأل. اننا ينبغي ان نتبع يسوع المسيح بثقة كاملة واثقين به ثقة تامة، لاننا نعلم اننا نكون في امان تام فيه، ولا نعود نحمل هّم الأخطار التي من حوّلنا أيا كانت هذه المخاوف والمخاطر التي نمر فيها هذه الأيام في أرضنا ووطننا من ظلم واضطهاد، وقتل وخطف، وتهجير قسري من قبل أعداء العراق، والذين لا يعرفون معنى الحياة، ولا قيمة الإنسان العراقي الأصيل المخلوق على صورة الله ومثاله منذ مئات القرون في تربة هذا البلد الغالي على نفوس كل مؤمن عراقي حقيقي. والذين يحاولون هؤلاء الأشرار بشتى الطرق والوسائل أن يقلعوا جذورنا من أعماق هذه الأرض التي ولدنا وترعرعنا فيها، واكلنا من خيرات ثمارها وشربنا من مياه دجلة والفرات الخالدين منذ الالاف السنيين، وعلّمنا العالم التمدن والكتابة، والقوانين، ووصنعنا أعظم حضارة في أرضها.
نقول لهؤلاء الأشرار أعداء العراق هيهأت لكم، لا تستطيعون فعل ما يدور في عقولكم الجوفاء، ما دام هناك الراعي الصالح الذي يقول لنا :
" لا تخافوا الذين يقتلون الجسد، بل خافوا الذين يقتلون النفس "
" فأنا غلبت العالم لا بالسيف ولا بالشر، إنما غلبته بلغة الحب، والحوار والتفاهم، والسلام، والتواضع، والاحترام "
" فانا معكم طول الدهر قطيعي الصغير فلن أترككم يتامى"
وفي الختام يقول كاتب سفر الرؤيا :
" ها أنا واقف خارج الباب أقرعه، ان سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه فأتعشى معه وهو معي " ( رؤيا 3 : 20 ).