Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الرماد أصبح له أبناء والعراق لا أولياء فيه ولا أبناء

جولة سريعة في شوارعنا ومقاهينا تكشف لك عن ثقافة الوطن الغني التي يدركها الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية وقراءة بسيطة للتاريخ ستشرح لك ما هو العراق ولماذا تكالبت عليه الدول والشعوب القريبة والبعيدة ولكي تضيف شيئا جديدا على معلوماتك أسال الساسة الأمريكان لماذا اختاروا العراق بالذات في حملتهم لمحاربة الإرهاب ولم يبدؤوا من سوريا أو إيران أو أي بلد أخر ؟ لماذا العراق أولا في نشر الديمقراطية ومعها العولمة والكثير من التوابل الأمريكية الأخرى ، وفي ترويض الشرق الأوسط هذه البقعة الساخنة العنيدة التي لا تدرك شعوبها حجم ما تمثله منطقتهم من أهمية في العالم . لماذا العراق ؟ هذا ما لا يدركه أغلب أبنائه سواء المسحوقين فقرا والباحثين عن أسباب تأخر حصتهم التموينية أو أولئك الذين يتقاضون رواتب دولاريه دسمة لأنهم يمثلون الشعب وحتى تلك المهمة يعجز الكثير منهم في انجازها . بصراحة كلنا تخلينا عن العراق كلنا يفكر في نفسه وما من مثل ينطبق علينا اليوم أكثر من المثل الكردي القائل .. الرماد أصبح له أبناء والأولياء أتخذوا من الرماد أبناء لهم .. (( ترجمة قريبة من معنى المثل )) والعراق ذلك البلد الذي لا يحتاج إلى المزيد من الثروات لأنه غني جدا تجده اليوم فقير تماما كالولي الغني المعروف الذي لم يترك ورائه ذرية صالحة أو نسلا مشرفا فأصبح أبا للرماد . لتعبر حالة عراقنا مع بعض جيرانه الخليجيين عن ذلك المثل الكردي فهم بعد تجاهل تاريخي وطبيعي استطاعوا استثمار ثرواتهم على أكمل وجه وحولوا دولهم التي لم تكن قادرة على إشباع مراهق صغير من أنتاجها المحلي إلى دول تنتج الملايين من الأطنان من كل صنف ولون . دول حولت النفط إلى ثروات أخرى متجددة واستثمارات في كل مكان ستجلب لها من العوائد مستقبلا ما تحققه لها مبيعات النفط اليوم ، بعكسنا تماما بعد أن انشغلنا بالحروب ولم نحافظ حتى على ميراثنا الحضاري والتاريخي وتركنا أمجاد أجدادنا مهملة أمام الزمن لتزول دون أن نضيف عليها أو نقلدها بل ساعدنا العالم على تجاوزها في حساباته وعلمنا الغرباء واللصوص كيف يصلون أليها ويبددونها وكأنها لم تكن لنا . ربما يتسـأل قائل لماذا هذا الجمع العشوائي فليس كل العراقيين شركاء في العبث بتاريخهم ولم تكن لهم أرادة في سياسة معظم حكوماتهم : ولكن الحقيقة تقول أن كل حي في العراق مسئول عن ما يحدث فيه حتى لو كان بقدر بسيط ترتب على عدم المبالاة في مجالات صغيرة تستحق بعدها أن نكون شركاء حقيقيين لكل الجرائم الكبيرة التي اقترفت بحق بلدنا وعليه استحقينا بجدارة لقب أبناء الرماد بعد أن أحرقنا الكبريت ولوثنا مدننا بغازاته السامة وتركنا النفط في مخدعه نائما ليتحول بعد عقود إلى فحم روسيا وأمريكا الذي لم يعد يستخدم كما كان حاضرا قبل اكتشاف النفط نحن وما أدراك من نحن (( العراقيون )) أبناء أولياء الحضارة والتاريخ ، ورثة أكبر ثروات الشرق الأوسط على الإطلاق نحن نشتري صلصة الطماطم والثوم والبصل من تركيا التي لا تمتلك على كل أرضها سهلا فسيحا واحدا عل أكتاف نهر صغير نحن نبيع النفط ونعود لنشتريه بأضعاف سعره بعد أن سرقنا ونهبنا منشاة التكرير والتصفية التي كانت تسد حاجتنا من تلك المشتقات . نحن اليوم نتلذذ بشرب عصائر ومشروبات غازية يشكل الماء أكثر من 95% من مادتها الأولية معبئة في الأردن هذه الدولة التي تتصارع مع إسرائيل على 50 مليون متر مربع كحصة سنوية من مياه نهر الأردن ونحن كما يقول البسطاء في بلدي .. أبو الماء .. وفي الثرثار وحدها لدينا 88 مليار متر مكعب . نحن من ترك صحراء الرمادي مليئة بالثروات من كل شيء وأطلقنا عليها مناطق خالية من الثروة وفي الحقيقة أرادتنا هي الضعيفة والخالية من العزيمة وعقولنا صدئة تحتاج إلى طلاء جديد يتماشى مع متطلبات العالم المتحرك . نحن من يزيل صروح القرون العتيقة في ثوان معدودة ويحول قباب الذهب إلى أطلال سخيفة وهذا لن تجده في العالم بأسره ألا عند طالبان في أفغانستان. فهل تستحق بابل الجلوس في خانة المقارنة مع طالبان : حتى لو فعلناها نحن . فالعالم لن يغفر لنا ذلك الخطأ ولسان حالنا في ذلك يقول الأولون أصبحوا في المؤخرة ومن كان في الحضيض يرتقي القمة . لم نعد ننظر إلى العراق كأبناء له ولن نستمر بهذا الشكل خصوصا بعد أن أصبحنا مصدر خوف ورعب حتى لأقرب جيراننا الذي يفكر البعض منهم في بناء جدران تفصله عن هذه الدولة الساخنة تحاشيا لانتقال المشاكل وبدل مد يد العون لنا كما تفعل أوربا الغربية مع شقيقتها الشرقية تجد الخليجيين أقرب العرب إلى العراق في كل شيء مجتمعين من أجل بحث وسائل حماية أنفسهم من تداعيات الحرب الأهلية في بلد وقف حاجزا بينهم وبين التاريخ الذي رفض مرارا النزول إلى ما دون البصرة حتى بأقل الانجازات وبأتفه أنواع الذكر.
ربما اليوم نحن بأمس الحاجة إلى تحديد موقعنا الجديد لأن المعادلات انقلبت رأسا على عقب ولن تنقذنا أمريكا ولا أية جهة أخرى إذا لم نضع حقيقتنا الدامغة نصب أعيننا وتلك الحقيقة القاسية تقول .. نحن أبناء من رماد لولي صالح وغني لا يستحق تلك الذرية السيئة .. وبعدها لننطلق في تحدي تلك الحقائق ونثبت للعالم بان ولينا جدير بالترحيب وليس بغلق الأبواب ووضع المتاريس على الحدود فلا ينقصنا من المقومات شيء لكي ننطلق وما نمتلكه من وقود يكفينا لنجتاز من يتصور نفسه قد عبرنا بمراحل ومسافات شاسعة ولكن ما ينقصنا هو الوقوف أمام مرآة الواقع العراقي المؤلم حتى لو ظهرت أمامنا عظامنا الهزيلة المخيفة وعدم التشدق بما كان عليه والدنا الغني بل لنقول ها نحن اليوم مستعدون لبناء كل شبر فيك ولا بأس أن نكون رماد اليوم فالرماد ينثر على الجليد ليدفأ الأرض ويزيد من خصوبتها وغدا سينمو القمح ويزيد من اخضرار الأفاق ولكن كل ذلك لن يكون إذا لم نقل نحن العراقيون له كن فيكون .
عصام سليمان – تلكيف .
Esa_j9@yahoo.com Opinions