الزعيم الليبي معمر القذافي يسئ للكتب المقدسة المسيحية
habeebtomi@yahoo.com
ليس الغرض من كتابة هذا المقال مناقشة الأديان السماوية بصفتها عقائد دينية ، ولا اريد التطرق الى العلوم الدينية منها التلمود اليهودي او اللاهوت المسيحي او علوم الدين الأسلامية ، لأن الغرض من علوم الدين هذه هو إثبات صحيح الدين . لكن ما أرمي اليه هو النظر الى الأديان والأديان السماوية بالذات باعتبارها ظواهر مجتمعية تاريخية ينبغي احترامها ، لكي تقوم بدورها الأيجابي في المجتمعات الأنسانية .
امام 6 رؤساء دول افريقية بتاريخ 19 من شهر آذار الحالي ، وصم الزعيم الليبي معمر القذافي ، الأنجيل والتوراة الحاليين بأنهما مزوران ( كذا ) والسبب لأن اسم نبي الأسلام محمد بن عبد الله ليس مذكوراً فيهما . وقال القذافي ، في خطاب القاه بالمسجد الكبير بالعاصمة الأوغندية ، كمبالا والذي افتتحه وتموله ليبيا :
إن أي توراة وأي انجيل غير مذكور فيهما اسم النبي محمد مزوران ، ويضيف خالد محمود في خبر في جريدة الشرق الأوسط اللندنية في في 20 / 3 / 2008 بأن القذافي قارن في الخطاب الذي بثته الفضائية الليبية على الهواء مباشرة بالتزوير الذي تعرض له الأنجيل والتوراة بشطب ذكر النبي محمد منهما وبين استحالة ان يشطب المسلمون من القرآن تقديس وتمجيد ذكر عيسى عليه السلام 25 مرة ، وموسى 38 مرة ، ومريم 39 مرة قائلاً : إن المسلمين لا يكونون مسلمين إذا لم يأمنوا بعيسى وموسى .
وقال ايضاً : إن الذين يهاجمون النبي محمد في اسكندنافيا ( يقصد الدانمارك والسويد والنرويج وفنلندا ) هم يهاجمون نبياً مرسلاً اليهم هم أيضاً ، وهم جهلة مرضى حاقدون عنصريون ضد الأنسانية .
إن القذافي يهاجم المسيئين للأسلام ولكنه في نفس اللحظة يسمح لنفسه بالأساءة للمعتقدات المسيحية ، فهل يحق لمن يشغل منصب رئيس جمهورية ان يسئ للآخرين ام ينبغي عليه ان يكون قدوة للآخرين في التعامل الفكري والحضاري ؟
القرآن يقدس ويذكر عيسى وموسى ومريم عشرات المرات وهذا امر طبيعي فالقرآن وهو كتاب المسلمين نشأ في ارضية يهودية او مسيحية في الغالب وجاء بعدها زمنياً فكانت هذه الكتب المنهل الذي نهل منه القرآن .
إن الدور المجتمعي للدين لا يمكن إغفاله ، بل له دور أساسي في تحريك المجتمعات . وكل دين يحمل السمات المجتمعية والبيئية التي ترعرع فيها ، فالدين الأسلامي لم يشير قط الى بيئة الأسكيمو الثلجية وما هو الحلال والحرام لهذا القوم ، إنما تطرق الى البيئة العربية المجتمعية الصحراوية فكانت الحروب الأسلامية امتداداً للغزوات البدوية وحتى الجنات الأسلامية كانت تجري من تحتها الأنهار التي يتشوق العربي في بيئته الصحراوية الى قطرة ماء ، وكانت الجنة الاسلامية حافلة بالحوريات اللائي يشتاق اليهن العربي في مجتمع مؤمن بوأد البنات إن كان تخلصاً من العار او بغية تحديد النسل .
الأنجيل لم يشر الى القرآن او الى محمد نبي الأسلام لأن المسيح كان قبل الأسلام بحوالي 630 سنة فلماذا يجب ان يشير الأنجيل الى محمد ؟ وإن زعم القذافي ان هذا الأنجيل مزور فليبرز لنا الأنجيل الحقيقي غير المزور ، والذي يدعي مثل هذا الأدعاء بمعنى ان بحوزته انجيل غير مزور وهو مستعد لأظهاره الى الملاء ، وإن كان الأدعاء مجرد كلام فارغ لا معنى ، فهذا لا يليق برجل يشغل وظيفة رئيس جمهورية .
يقول القذافي عن الدول الأسكندنافية (( هم يهاجمون نبياً مرسلاً اليهم وهم جهلة حاقدون عنصريون ضد الأنسانية )) .
إن القذافي هنا يرتكب خطأً فادحاً في وصم هذه الشعوب بالجهل والحقد والعنصرية وضد الأنسانية ، فالدول التي اشار اليها القذافي هي الوحيدة التي قضت على الجهل والأمية ، كما انها لا تحمل اية سمات عنصرية ضد الشعوب الأخرى ، إنهم يتعاملون مع جميع البشر من منطق انساني ، إنهم يساعدون المسلمين الهاربين من بلداهم الأسلامية بسبب الأضطهاد السياسي او الديني وفي حالات كثيرة بسبب الفقر ، وحال وصولهم الى هذه البلاد تقدم لهم المساعدات الأنسانية ويعاملون كما يعامل المواطن الأصلي لهذه البلاد وتمنح لهم من بين الحريات الأخرى حرية الدين والمعتقد . فالبروباغندا التي يطلقها القذافي ضد هذه البلاد لا تحمل شيئاً من الصحة ولا تتسم بالمصداقية .
إن العالم المسيحي لم يثر حينما اطلق القذافي إساءته الى الكتب المقدسة والمعتقدات المسيحية واصفاً كتبهم بالمزورة ، وسؤال افتراضي : الى ماذا كانت تؤول اليه الحال لو تجرأ رئيس جمهورية لدولة مسيحية وقال القران الذي يتداوله المسلمون مزور ؟ من المؤكد ان النتائج لم تكن تمضي بسلام ولا أبالية كالتي صرح بها العقيد القذافي امام الرؤساء الأفارقة .
إن رأي السلفيين المسلمين هو التمسك بنموذج المدينة الذي يشكل لهم نهاية التاريخ فلا بد من التمسك به وإعادة نسخه حرفياً في حياتنا المعاصرة ، إنهم يقولون بكل صراحة للمواطنين الأصليين في البلاد التي اصبحت اسلامية بعد الفتح الأسلامي في القرن السابع الميلادي ، كبلاد سوريا ومصر والعراق ، يقولون :
إما دفع الجزية او الدخول في الأسلام او الهجرة او الموت ، هذه الخيارات التي يضعها الأسلام الأصولي للعراقيين المسيحيين مثلاً .
ألا يكون الخشية من الأسلام في هذه الحالة مشروعاً ؟
المسلمون السلفيون ليسوا صادقين مع أنفسهم ومع غيرهم ، فإن كان الأمر يستوجب العودة الى القرن الأول الهجري فلماذا يستفيدون من تكنولوجيا القرن العشرين ؟ لما لا يعودون الى ركوب البعران بدلاً من التقل بالطائرات والسيارات ؟
إنهم يستفيدون من التكنولوجيا الحديثة ولكنهم يتنافرون من الأفكار الأنسانية وحقوق الأنسان وحقوق الأقليات التي رافقت التنطور الأنساني إنها انتقائية مصلحية سياسية ولا علاقة لها بالدين الأسلامي الحنيف .
بدون شك ثمة دعوات كريمة تطلق من قبل مسؤولين من أعلى المستويات في العالم الأسلامي بغية الحوار بين الثقافات او الأديان المختلفة .
لكن هل هذه الدعوات جادة فيما ترمي اليه ؟
من اجل الحوار ينبغي ان يكون هناك تكافؤ وندية ، فالمسلمون يصادفون امامهم ابواب مدن اوروبية مسيحية مفتوحة ترحب بالكتب الدينية الأسلامية وبحرية التعبير في هذه البلدان فهل للدول الأسلامية هذا الصدر الرحب في فتح الأبواب والحرية امام الأديان الأخرى للتبشير في بلدانهم وبالأخص الدين المسيحي ؟
في شأن آخر أنا استغرب من تخوف اكثر من مليار مسلم من فلم يطرح هنا او هناك او تصريحات معينة تمس الدين الأسلامي إن كان بالأيجاب او السلب .
ما هذه الخشية المفرطة عن كل كلام يقال هنا او هناك عن الدين الأسلامي ؟ اليس هناك الآلاف من العلماء المسلمين ؟ لماذا لا يجابهون الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق ؟
لماذا يحرضون البسطاء على التظاهر والى تحطيم الواجهات وحرق المباني وغيرها بدلاً من الحوار الفكري الهادئ ، إنها بالأساس مسائل فكرية ينبغي ان ينبري لها في المقدمة علماء الدين الذين امضوا حياتهم في الدراسات الدينية ، فهل واجب رجال الدين هو توعية الناس ام تجييشهم على اعمال العنف ؟
هل يتأثر الدين المسيحي بما تطاله من إساءات إن كان من قبل رجال الدين المسلمين او من قبل المسيحيين أحياناً ، لقد صرح القذافي بتصريحه المسئ للكتب السماوية ولم يعر له اهتمام وبقي الدين شامخاً محتفظاً بملايينه دون ان يصدقوا كلمة واحدة مما صرح به القذافي .
انا لا اعتقد ان إساءة تافهة كرسوم الكاريكاتير في الدانمارك او الفلم الفتنة الذي اخرجه مخرج هولندي سوف يكون له تأثير على دين الأسلام التي يعتنقه اكثر من مليار انسان على وجه الكوكب الأرضي .
باعتقادي المتواضع ينبغي على المسلمين ان يتصالحوا مع بقية البشر مع كل الأديان لا سيما مع المسيحيين الذي يعيشون بين ظهرانيهم ، ويجب ان يعلم المسلمون ان احكام اهل الذمة لا تتوائم مع روح العصر وعليهم ان يعاملو ابناء وطنهم من المسيحيين وغيرهم من الأديان الغير اسلامية بدرجة المواطنة في الوطن الواحد وهذه هي الخطوة الأولى لتفاهم المسلمون مع بقية البشر في بلادهم وفي البلدان الأخرى . عليهم ان يبنوا جسور التفاهم والمحبة مع كل البشر وفي المقدمة مع المواطنين الأصليين في بلدانهم من غير المسلمين .
على المسلمين ان يبنوا ويصونوا كنائس المسيحيين ومعابد الأديان الأخرى في بلدانهم وبذلك يثبت المسلمون انهم اخوة لكل البشر.
حبيب تومي / اوسلو