الســـّـاقـطــون
الخيانة كالجوهرة، لا يستطيع صنعها صغار التجـّار ((Douglas Jerroldبيروت: 17/05/2009
غالبا ما يتمّ تناول معاناة الشعوب في نظام دولة ما، على مقاس الديموقراطية، ولكن بما أن العراق عبر تاريخه يسير على شريعة الغاب، وبما أن الديموقراطية هي حكم الأكثرية، فإن ديموقراطيته تعتبر دائماً مصيبة لفئاته الصغيرة خصوصاً حين يصوّت 79% من الشعب العراقي على أسلمة وتكريد الفئات العراقية الأصيلة من خلال نصّ كردو-إسلامي متخلف يسمّى "دستور" – وهنا يتم تشريع القضاء على المكونات الأصيلة لتتحوّل "القوة" إلى مفتاح الأمان لهذه المكوّنات، وهذه القوة لا تأتي إلا بالقوة، وذلك بفرض عقيدة تضمن مستقبل المكوّن بأي ثمن.
بما أن القومية الآشورية لا تزال مضطهَدة ومهمَّشة، وبسبب افتقارها إلى "الخط القومي العقائدي" الذي يعود بدوره إلى افتقار ما تسمّى "المنظمات الآشورية" (من أحزاب وحركات واتحادات) إلى العقائدية في وضع مناهجها، لذلك نرى البرامج السياسية لأغلب هذه المنظمات بأنها أتفه ما يكون، ومن هنا تتزايد الفوضى داخل البيت الآشوري من دلال رجال الدين وبروز "المستوزَرين" في حكومة الإحتلال الكردي، أو الدمى الآشورية المُرتهَنة لرياح بغداد المتعددة الإتجاهات (إتجاه النجف- قم، أو برزان- تل أبيب، أو الموصل- مكة)، وذلك في سبيل مصلحتهم الشخصية أو تأمين الوظائف الرسمية والمخصصات لأقاربهم العاطلين عن العمل، شأنهم شأن باقي الساسة العراقيين.
بسبب هذه الوقائع النادرة في مسيرة الأمم التي تحترم نفسها، تراجعت مؤشرات استمرار العوامل الني تضمن الوجود القومي الآشوري (الثقافة والجغرافيا) بنسبة عالية وبشكل خاص بعد المبالغة في تقبيل أيادي رجال الدين ودعوَتهم إلى المؤتمرات السياسية ومناقشتهم في أمور سياسية قومية، وتعظيمهم في المجتمع لكي يتحوّلوا فيما بعد إلى ذريعة قوية لفشل الساسة، بحيث سيتمّ لوم رجال الدين لتدخلهم في السياسة علما أن هؤلاء الساسة أنفسهم لم يتدخلوا في السياسة حيث ومتى وَجَب، فقد واجه التمثيل الآشوري في العراق امتحانات عديدة لن نقول أنه رسب فيها لأنه لم يشترك في الأساس، فما يسمّى بـ"إنجازات الديموقراطية" بعد سقوط النظام العراقي السابق يتلخّص باضطهاد الشعب الآشوري على مرأى ومسمع الحكومة الكردو-إسلامية فيما وقف ولا يزال من ابتلى به الشعب الآشوري تحت عنوان "ممثل المسيحيين"، واقفا يتفرّج على إفراغ أمته من أرضها بممارسات ينكى لها الجبين تتلخـّص بما يلي :
- قتل الآشوريين في الموصل وبغداد وباقي المناطق على يد التيارات الإسلامية المتخلفة
- تدمير الكنائس والإعتداء على رجال الدين الآشوريين (الكلدان والسريان والكنيسة الشرقية الآشورية) وذبح العديد منهم
- قتل الآشوريين في الموصل ونوهدرا (المكرّدة إلى "دهوك") وأربيل، واستمرار إخلائهم من آشور المحتلة على يد الأكراد ومنظمات الهجرة.
ولا يختلف إثنان على هوية المسؤولين عن هذه الحوادث، ولكن منطقياً، تنتخب الشعوب ممثلا ليكون لها صوت في المنابر الرسمية، إلا أن الشعب الآشوري هو من الشعوب الذي يتمتع ممثلوه بميزة فريدة من نوعها، وهي ميزة الخرس فيما يتعلق بمصير الأمة وهويتها، والإندفاع النادر المثيل فيما يتعلق بالكراسي والإنتخابات وتأمين الوظائف للأقارب، وعليه فإن تراتبية المسؤوليات (مرتبة الشرف) في إضطهاد الشعب الآشوري تندرّج كما يلي:
المسؤول بالدرجة الأولى عن هذه الجرائم هو الممثل "المنتخب من الشعب" الذي يغطي كافة الأعمال الإرهابية ضد الآشوريين سواء كانت من قبل التيارات الكردية الدخيلة أم من التيارات الإسلامية المتخلفة، وذلك كونه منتخبا من الشعب الآشوري ليدافع عنه وهو مقصّر وربما "متعامل" حسب ما يثبت من خلال تاريخه السياسي المخجل الذي رســـّخ مرحلة "الرجوع إلى الوراء" في التاريخ الآشوري الحديث. وأقل ما يمكننا قوله – على سبيل المثال - هو أن "المخلــّص" المنتخب حاليا ساهم في طمس حقيقة العمليات الإرهابية بحق آشوريي الموصل في تشرين الأول/2008 بحيث تمّ إغلاق الملف من قبل البرلمان الذي ينتمي إليه، بدون محاكمة الفاعلين وبدون صدور أي بيان من قبله يطالب بمتابعة القضية.
المسؤول بالدرجة الثانية هو المالكي، رئيس الحكومة الذي ساوم على سياسة الأسلمة والتكريد مستهزئاً بأهمية الآشوريين كمكوّن أصيل في ما يُسمّى بـ"النسيج العراقي"، وكونه المسؤول الأول عن الأمن الوطني فهو من استغلّ غياب التمثيل الآشوري في البرلمان (رغم وجود "الممثل"). وقد كان كلام النائب الموصلـّي أسامة النجيفي واضحاً حول علم المالكي بمنفذي الجرائم، إلا أن الأخير لم يتجرّأ على تحدّي النجيفي على "إدعاءاته" كما يصفها بل اكتفى ببيان هزيل، مما يفقده مصداقيته كرئيس للحكومة، خصوصا أن النجيفي ليس بذلك التهوّر ليبث الأكاذيب ويضع نفسه في مأزق هو بالغنى عنه، ولا يزال النجيفي يعبّر عن موقفه في كافة المناسبات.
المسؤول بالدرجة الثالثة هو منفذ الجرائم مسعود البرزاني وذلك على مرأى ومسمع أبناء الموصل بكافة قومياتهم ومذاهبهم، حتى الأكراد منهم، الذين لا يتجرأون على ذكر ذلك إلا لدى مغادرتهم العراق، ويشاركه في هذه المرتبة النائب الآشوري المستكرد عبد الأحد أفرام، ونمرود بيتو وجورج منصور المستوزَرين في حكومة الإحتلال الكردي واللذين أصبحا أبواقا دعائية للإحتلال بشكل مفضوح بات يثير قرف الأكراد أنفسهم، ولا ننسى منح رتبة الشرف من الدرجة الثالثة إلى البوق المستحدَث، مجلس عنكاوا المعروف بالمجلس "القومي" الكلداني الآشوري السرياني بإدارة وجوه جديدة على الساحة وبإدارة نيجرفان برزاني من خلف الكواليس.
في ظل هذه الفوضى تنحصر مطالب الشعب الآشوري بثلاثة طروحات :
- مجلس نيجرفان البرزاني: تكريد ما تبقى من المثلث الآشوري، وذلك بضمّ ما يسمّى "سهل نينوى" إلى الإحتلال الكردي تحت الشعار البرّاق "الحكم الذاتي لشعبنا"، وهو الطرح الأقوى كونه مدعوم من الأكراد بصرف الأموال وتأمين السفر للوفود واستحداث قناة كردية تبث باللغة الآشورية تحت إسم "قناة عشتار".
- الحركة الديموقراطية الآشورية: ذرّ الرماد في العيون تحت شعار "الإدارة الذاتية" الذي لم يفهمه حتى مبتكريه، فالفكرة لم يتمّ طرحها حتى اليوم في أي منبر رسمي بل فقط في حفلات التبرّع في المهجر، وهي فكرة مدعومة ممن لايجيدون حتى التصفيق.
- المؤتمر الآشوري العام: إقليم آشور بالمساواة ضمن الفدرالية المعترَفة في الدستور العراقي، على أن يتم إخلاء كافة الأراضي المصادرة في كافة أنحاء العراق أيا كان المُصادِر، وهي "أمنية" كل آشوري ومدعومة من الجميع إنما بخجل، ويبقى هذا الطرح الأضعف اليوم بسبب عدة عوامل داخلية وخارجية، أهمها عقدة النقص لدى الآشوريين بحيث يشعر القسم الأكبر من الأمة الآشورية بالعجز تجاه تحقيق "المساواة مع الآخرين"، وإن بقاء هذا الطرح على مستوى "التمني" هو علامة واضحة على ضعف الحركة القومية الآشورية من جهة، وحقيقة شريعة الغاب في العراق من جهة ثانية.
قبل انتخابات البرلمان الكردو-إسلامي عام /2005/ كتبنا مقالا بدأناه بمقولة الرئيس الأميركي الراحل أبراهام لنكولن: "الإنتخابات ملك للشعب ورهنٌ لقراره، فإذا قرّر أن يدير مؤخرته للنار، عليه الجلوس على حروقه فيما بعد" – وفعلا أدار الشعب الآشوري مؤخرته لنار الحركة الديموقراطية الآشورية وانتخبها متجاهلا سلبياتها، وها هو اليوم جالساً على حروقه المتمثلة بمطلب "الإدارة الذاتية"، بحيث لم يعُد أمامه إلا اختيار "العيش في أمان" ولو كان ذلك على حساب هوية أرضه، ولصالح المنتفعين من مصائب الشعب الآشوري، رعاة المشروع الكردي في تكريد ما يُسمّى "سهل نينوى" تحت عنوان "الحكم الذاتي لشعبنا"، ولم تكن انتخابات مجالس لمّ النفايات الأخيرة، إلا خير دليل على تزايد شعبية هذا المشروع الخبيث.
أمّا مشروع "إقليم آشور" فهو يعتبر "حلم غير واقعي" لدى البعض ويستند المعارضون لهذا المشروع على الواقع الديموغرافي باعتبار أن التواجد السكاني في منطقة المثلث الآشوري (بين الزاب الكبير ودجلة) قليل نسبياً وبشكل خاص في منطقة نوهدرا (المكرّدة إلى "دهوك")، متناسين بأن من يدير مشاريعهم السياسية هو من هجّر الآشوريين من نوهدرا وحول واقعهم إلى "مرير"، علما أنه لا علاقة للعدد بالحقوق، فهكذا تأسست دول الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الاولى ورأينا قبائلا لا تميّز بين الزفت والسوس تتحوّل إلى دول وإمارات وممالك، بينما الحقوق القومية الآشورية المطروحة اليوم لا تتخطى بمستواها "المساواة" التي ليست بدورها إلا من أبسط حقوق المواطنة. وفي هذا السياق خير معبّر عن الفكرة هو الإعلان الفرنسي للحقوق الذي نـُشر عام 1795 والذي يقول: "كل شعب هو مستقلّ وذو سيادة مهما يكن عدد الأفراد الذين يؤلفونه، ومدى الأرض التي يشغلها، هذه السيادة غير قابلة للتنازل"
بسبب التحرّك المتزايد للمؤتمر الآشوري العام ولقاءاته وتقوية علاقته بكافة التيارات الوطنية العراقية آخذا دور الرائد في إيصال الصوت الآشوري الحقيقي، يواجه اليوم طرح "إقليم آشور" معارضة ظريفة بشكل خاص من قبل الأخوة الذين دخلوا العمل القومي حديثا، أو بعض الخائبين من بعثيين وشيوعيين سابقين أسماؤهم معروفة في بلداتهم وخارجها، يقومون بمناهضة كل مشروع يضمن مستقبل أبنائهم وأحفادهم، فكلّ منهم يكتب نكات يومية مملة تقوم بنشرها مواقع إعلامية معروفة في توجهها السياسي، وذات مستوى مناسب لهكذا مقالات يكتبها من يحاول فرض نفسه كـ"كاتب" أو "مفكر" فيما لا يزال يتقلب في مهد الكتابة والتفكير بعد أن قضى سنين عمره في رفع شعار البروليتاريا أو العروبة الخالدة، بينمانراه اليوم تحوّل إلى قومي إنما على الطريقة العوجاء، فالكثلكة الكلدانية بالنسبة له قومية، علما أن الإسم الكلداني لا يصلح لأن يكون حتى إسما كنسيا كون "كلداني" تعني "عرّاف" (القاموس الكلداني العربي للعلامة الكلداني الراحل، المطران يعقوب أوجين منـّـا)، والعرافة مناقضة للدين المسيحي، وليس من اللائق القول بأن البطريرك دلي هو "بطريرك العرافين" – عذرا من الأخوة الكاثوليك ولكن يجدر بهم إيجاد دراسة طروحاتهم قبل رميها أمام الناس.
ولكي لا نعطي هذه النماذج حجما لا تستحقه، نعيد كل هذه الإنكسارات في نفوس هذا القسم من الآشوريين وخيباته وطروحاته الساذجة إلى عدم تربيـَته قوميا، أي عدم تنشئته وفقا لعقيدة قومية، فالمدرسة العقائدية بعرف الـ Nationalism هي الحزب أو المنظمة أو الحركة، فكيف الحال إذا كانت هذه المؤسسات بذاتها تحتاج إلى تثقيف عقائدي ؟ فقد وصل الأمر بالمؤسسات السياسية الآشورية إلى الإمتثال بأوامر رجال الدين والتذلــّـل لهم لدرجة أن الآشوري يعتقد للوهلة الأولى بأن البطريرك دلـّي يترأس الحركة الديموقراطية الآشورية، والبطريرك دنخا الرابع يترأس الإتحاد الآشوري العالمي، والبطريرك زكا يترأس المنظمة الديموقراطية الآشورية.
انطلاقا مما تقدّم، لم تعد حتميـّة التغيير في الحركة القومية الآشورية خافية على أحد، وبات اعتماد وسائل جديدة لم يعتادها الشعب الآشوري بقساوتها، الحلّ المثالي بعد فشل الطرق الكلاسيكسية التي سهلت وأباحت اقتلاع أجزاء كبيرة من الآشورية من جذورها، عن طريق الإرهاب الكردو-إسلامي المنظم، الذي ليس فصلا جديدا من فصول التخلف المحيط بجغرافية آشور، فقد سبقته فصول عدة تحت عناوين تعتبر مفخرة الأنظمة الحاكمة والمجتمعات المتخلفة المحيطة، وأبرز تلك الفصول هي "دولة الخلافة"، و"السلطنة"، وصولا إلى "القطر العربي"، وأخيرا "الإقليم الفدرالي" و"العراق الديموقراطي".
الحل الأمثل إذا لمواجهة المحيط المتخلف هو فرض "التقدمية" الآشورية داخل المجتمع الآشوري أولا، ومواجهة الخيانة داخل البيت الآشوري حيث لا مكان للديموقراطية والاستفتاء و"الإستئناس بآراء رجال الدين" حين نعالج مسألة العقيدة الآشورية التي نفتقر إليها كمرجع في سلوكنا السياسي، خصوصا كوننا شعب مشتت ديموغرافيا وفكريا.
والمسؤول الأوّل عن إدارة الحركة القومية الآشورية والسير بها في مجاهل المحيط المتخلف هو السياسي المنتخب من الشعب، وليس المعين من أعداء الأمة، فكلّ مسؤول أمام من أوكله للقيام بمهامه؛ المنتخب من الشعب مسؤول أمام الشعب، ودمية الأكراد مسؤول أمام أسياده ولا علاقة للأمة به – على الأقل طالما منتخـَب الأمّة متخاذل بحقها. وحتى لوم رجال الدين على فسادهم ودجلهم ليس في محله، كونهم جبناء بطبعهم ولو لاحظوا أية "رجولة" في التمثيل الآشوري الرسمي لما تجرّؤا على فضّ بكارة السياسة.
وبالعودة إلى العبارة الحكيمة أعلاه للكاتب والمفكر الإنكليزي دوغلاس جيرولد حول "الخيانة"، نستخلص من خلال ما وَرَد من حقائق دامغة بأن كبار التجار الآشوريين (المنخبين من الشعب) قد سبق أن صنعوا "الجوهرة الآشورية" وسلموها منذ العام 2003 إلى صغار التجار (الساسة المعيـَّنين ورجال الدين) ليتبادلوها ويتنعموا بنتائجها، ويتلقوا اللوم فيما صانعو الجوهرة شبعوا من نعمها مكرَّمين ممجَّدين.
إذا الحركة القومية الآشورية بحاجة إلى "محكمة قومية" أو "مجلس أمن قومي" يرعى منظمة تأديب تأخذ على عاتقها "تذكــير" الساسة الآشوريين أقله بفركة أذن، وبشكل خاص المنتخبين من الشعب (كبار التجار)، بواجباتهم وتحديد الخطوط الحمر في التعامل مع المسألة الآشورية كونهم يجب أن يكونوا خـُدّاما للأمة وليس العكس، فهذه الطريقة الوحيدة ليكسب الشعب الآشوري احترام محيطه المتخلــّف، وليفهم كبار التجار من لحظة قراءتهم لهذه الأسطر، بأن حذاء الأرملة الآشورية المنتظرة على أبواب السفارات الغربية يفوق بقيمته تمثيلهم.
.
أوليست القساوة الآشورية ضد سياسي آشوري متخاذل، ألذ وأعز من قساوة التكريد والأسلمة والتعريب والتهجير للأمة الآشورية بكاملها ؟