"الستوتة" في العراق وسيلة لتسلية الأطفال في العيد.. وللتفخيخ!
ينتظر الأطفال في الأعياد دورهم للصعود في الستوتة، فيقفون في طوابير طويلة. وحالما تنطلق، تتصاعد أناشيد العيد وسط مرح، وضحكات يطلقونها طيلة الفترة التي تقطع بها المركبة المسافات. إلا أن الشر لم يوفرها، بل فخخها قاتلًا الطفولة في أوج فرحها.
وسيم باسم من بغداد: تجوب عربة النقل الصغيرة "الستوتة" الشوارع في مدن العراق، وهي تتجوّل بالأطفال في الشوارع، وهم يرددون أغاني العيد، رغم المخاطر التي تصاحب وسيلة الترفيه المبتكرة الجديدة هذه.
و"الستوتة" عبارة عن جوف من الحديد والخشب على هيئة صندوق مفتوح من الأعلى يُربَط على الدراجات النارية، وأصبحت وسيلة نقل الأفراد والبضائع، لاسيما بين الشوارع الصغيرة، التي لا تستطيع المركبات الكبيرة الوصول إليها، لكنها في فترة الأعياد تحوّلت إلى وسيلة ترفيه، رغم أنها غير مخصصة لذلك. ويقول عصام سعيد (سائق ستوتة): يستأجرني الأطفال، لاسيما في الأعياد، لأجوب بهم الساحات والشوارع.
أناشيد العيد
وفي الأعياد تنتظر طوابير الأطفال دورها للصعود، وحالما تستقل "الستوتة"، تتصاعد أناشيد العيد، وسط مرح وضحكات يطلقونها طيلة الفترة التي تقطع بها "الستوتة" المسافات. الفتاة أسماء القيسي (11 سنة) تقول إن "الستوتة" أصبحت إحدى سمات العيد، التي تميّزه عن باقي الأيام، بعدما اختفت العربات الخشبية التي يجرّها الحصان.
هذه العربة، في الأصل دراجة نارية، لكنها بثلاث عجلات، تم تحويرها، لتتحوّل إلى أداة نقل، كما إن العدد الأكبر منها يقوده سائق من دون إجازة لقيادة المركبات. واسم "الستوتة"، تصغير محبّب لكلمة (الست)، وتسميتها جاءت لكثرة استخدام النساء لها في الأحياء الشعبية في بادئ الأمر.
جدير ذكره أن الدول المجاورة سبقت العراق في استخدام "الستوتة"، كما في إيران، وفي سوريا حيث يُطلق عليها اسم "الطرطيرة"، كما إن لها اسمًا آخر هو "التوك توك" في مصر، وفي الهند يطلق عليها اسم "سيارة الفقراء". ويقول الطفل أحمد حسن (10 سنة): إن الكثير من الأطفال يقضون معظم وقتهم في استئجار الستوتة، حيث يبلغ سعر التذكرة لاستخدامها 500 دينار أو 1000 دينار في حالة الجولة الأطول.
شحة المراكز الترفيهية
لعل أبرز أسباب انتشار "الستوتة" كوسيلة تسلية بين الفتيان والأطفال، رغم مخاطرها، هو عدم توافر المتنزهات أو المراكز الترفيهية بصورة كافية. ومنذ العام 2003 شرعت الحكومات المحلية في التمهيد لإقامة مدن ألعاب ومتنزهات ترفيهية، لكنها في غالبيتها مازالت مشاريع لم تنجز بعد. أما المنجز منها فلا يزال غير كاف.
في جولة لـ"إيلاف" في مدينة "ألعاب بغداد"، التي افتتحت في الأسبوع الماضي، قال العامل الخدمي محمد كامل: إن هذه المدينة ستجعل الأطفال يقضون العيد في أمان بعيدًا عن الخوف من أن تطالهم يد الإرهاب. وفي حديث مع مدير عام العلاقات في أمانة بغداد، حكيم عبد الزهرة، قال: إن المشروع يتضمن مختلف المرافق الحيوية، مثل المطاعم والصالات والحدائق الواسعة.
وتنتقد الباحثة الاجتماعية علياء حسن ظاهرة "الستوتة"، لكونها فردية وارتجالية وغير مُسيطر عليها في ظل أوضاع أمنية متدهورة. وفي محافظة بابل (100 كم جنوب بغداد)، شرعت الجهات الأمنية في تأمين ساحات لوقوف "الستوتات" خوفًا من استهدافها من قبل جماعات إرهابية.
وبحسب علياء، فإن تأمين وسائل الترفيه ومجمع الألعاب أصبح ضرورة اجتماعية، في وقت يستهدف فيه الإرهاب التجمعات المدنية. وتعتقد علياء أن الإسراع في التأسيس لمدن ألعاب بإشراف متخصصين سيحول دون وقوع الخطر على حياة الأطفال، لاسيما في المناطق الفقيرة، حيث تندر المراكز الترفيهية والكازينوهات.
تتابع علياء: في بغداد مثلًا، فإن وجود منطقة ترفيهية، مثل حديقة الزوراء، وبعض المراكز الترفيهية في الأعظمية، لا يكفي سكان العاصمة بغداد وزوارها في العيد من المحافظات الأخرى. وعلى مدى عقود كانت العربات الخشبية، التي تجرّها الخيول والحمير، إحدى وسائل الترفيه للأطفال والفتيان، لاسيما في الأعياد، لكن دخول "الستوتة" هذا المضمار ساهم في انقراضها.
حوادث المرور
غير أن "الستوتة" تثير الجانب الصحي، حين يتحدث المسعف من مستشفى بابل غيث سعدون عن تعرّض بعض الأطفال للسقوط من الستوتة، مؤكدًا: أن المستشفى يستقبل عشرات الحالات يوميًا، لاسيما أيام العيد، في ظل عدم وجود أحزمة أو مقاعد تتوافر فيها شروط السلامة، مطالبًا بمنع استخدام "الستوتة" لأغراض نقل الأطفال بصورة خاصة ومحاسبة السائقين المخالفين، ومؤكدًا إصابة الكثير من الأطفال نتيجة سقوطهم من العربات من دون أن يلتفت السائق إليهم.
ويتكلم كاظم الحيدري عن إصابة ابنه بكسر في الذراع بعد سقوطه من "الستوتة" في عيد الفطر الماضي. وتبلغ نسبة الحوادث التي تسلمتها أقسام الطوارئ في المستشفيات كل عام حوالى 14% حوادث سيارات منها حوالى 5% وحوادث دراجات نارية و(ستوتات) بحسب وزارة الصحة في العام الماضي.
تفخيخ الستوتة
إلى ذلك يتحدث ضابط شرطة المرور عصام أحمد عن انتشار استخدام الستوتة كوسيلة نقل، لاسيما في العيد، ما جعلها هدفا للجماعات الإرهابية، ما اضطر الجهات الأمنية إلى أخذ ذلك في الاعتبار. وشهد تشرين الأول (أكتوبر) عام 2012 انفجار (ستوتة) في شارع بغداد، وسط كركوك (240 كم شمال شرق بغداد)، ما أسفر عن جرحى وقتلى، كما انفجرت مفخخة أخرى قرب مرآب للسيارات شمال بغداد.
وفي صلاح الدين تكريت (160 كم شمال غرب بغداد) سقط خمسة أشخاص بين قتيل وجريح في الشهر الماضي بانفجار ستوتة شرق تكريت. وحدث الأمر نفسه في ديالى (57 كم شمال بغداد).
وبحسب مؤتمر لوزارة الصحة العراقية، فإن حصيلة حوادث الطرق في العراق تزيد بما يقرب من أربعة اضعاف على حصيلة الإصابات من جراء عمليات الإرهاب، حيث تعهد المؤتمر، الذي شاركت فيه وزارة الداخلية أيضًا، بخفض مستوى الوفيات المرورية بحلول عام 2020، عبر برامج، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية.