السفير العراقي في السويد .. مهنية واعتدال
إن أقصر الطرق لبلوغ الحقيقة هي تلك المتسمة بالأعتدال والتأني والحيادية ، فإذا كان انطلاقي من مصلحتي الشخصية ، كان علي ان اكيل التهم للسفارة والسفير على حد سواء ، إذ سافرت الى ستوكهولم من أوسلو لقضاء بعض الأعمال ، وقبل يوم من عودتي عرجت الى السفارة العراقية لأكمال معاملة تخص جواز سفري ، لكن معاملتي رُفضت لعدم تعيين موعد مسبق مع السفارة ، ورغم أنني قابلت السفير في هذه الزيارة إلا ان المعاملة بقيت دون إنجاز للسبب المذكور أعلاه ، وهكذا رجعت بخفي حنين في شأن المعاملة .يوم 17 أكتوبر كان للسفير العراقي في السويد الدكتور أحمد بامرني لقاءاً مع الجالية العراقية في النرويج وذلك في مدينة اوسلو ، وبعد ان شرح السيد السفير آلية عمل السفارة ، منها المهام الدبلوماسية والعلاقات الثقافية والتجارية ، وأخرى كالأعمال القنصلية ، وتمشية أمور الجالية العراقية في السويد والدانمارك والنرويج . وشرح بالتفصيل المصاعب التي جابهت السفارة من الزخم الكبير وتراكم المعاملات في بداية الأمر ، الى ان وضع نظام حجز المواعيد مسبقاً قبل المجئ الى السفارة لانجاز المعاملة ، فتحققت العدالة والأنسيابية في إنجاز المعاملات وعلى أسس من التعامل الحضاري .
لا أجافي الحقيقة بقولي :
ان مهام السفارة في الحكم السابق كانت تتركز على مبدأ اقتفاء اثر العراقيين في الخارج وحصرهم في دائرة المراقبة ، ليكونوا تحت رحمة الأذرع المخابراتية أينما رحلوا . أما إجراء المعاملات المتعلقة بجواز السفر وغيرها ، فكان لابد من دفع الرشاوي لتليين وتقصير الروتين ، او لتجاوز عقبات قانونية . ومن هنا فإن مناشدة السفير لمراعاة ميكانيزم عمل السفارة كان دعوة لمعاضدة شفافية ومهنية السفارة في التعامل مع العراقي دون محاباة على أساس العشيرة او القومية او الدين او الحزب .
لقد بين السفير انه ثمة فواصل محدودة بين المواعيد لتمشية تلك المعاملات التي لا تقبل التأجيل كمعاملات رجال الأعمال أو حالات اضطرارية كالظروف الصحية ،وما عدا ذلك فإن الجميع متساوون أمام القانون ، وهو يرجو مراعاة هذه المهنية .
كما بيّن السفير ان قنوات الأتصال بالجالية العراقية في هذه البلدان تجري عبر لجان التنسيق المتكونة من بعض ممثلي الأحزاب العراقية في هذه البلاد ، ويعزي العزوف عن التعامل مع المنظمات والنوادي والجمعيات التي تمثل تنظيمات المجتمع المدني بأنه يعود الى الكثرة العددية لهذه التنظيمات ويصبح من العسير جمع هذا العدد الغفير في لجنة واحدة للتنسيق .
لكن يبقى مفهوم لجان التنسيق بين السفارة والجالية ، نقطة أيجابية وحالة ديمقراطية لتحقيق التواصل الأمثل بين السلطات الرسمية ( السفارة ) والمواطن العراقي خارج حدود العراق .
في الحقيقة نحن بحاجة الى تطبيق هذه المهنية في كل سفاراتنا في الخارج ، بل في كل دوائرنا الحكومية التي ، مع الأسف ، يستشري فيها المحاباة والمحسوبية لاسيما تلك التي تروجها الأحزاب السياسية الدينية المهيمنة على مقاليد الأمور في الساحة السياسية العراقية .
لقد أثيرت أثناء الأجتماع مداخلات سياسية من قبل الحضور ، لكن الرجل يجيب على الأسئلة بقدرة الدبلوماسي المحنك فيكون جوابه موزوناً معتدلاً ، يحترم كل الطروحات ، دون ميول الى رأي خاص .
قصارى القول :
إن السفير الدكتور أحمد البامرني ( الكردي ـ العراقي ) ، أثبت بحق انه سفير العراق ، وإنه ينطلق من هويته العراقية في هذا المحفل وغيره ، دون ان يعطي أية إشارة على أنه يمثل جهة معينة او أثنية محدودة .
باعتقادي هكذا يجب أن يتصرف أي مسؤول عراقي ومهما كان موقعه في هرم المسؤولية ، إن النزوع الى الهوية العراقية والأنتماء العراقي ، يبعدانه عن شرور التعصب للعشيرة او المدينة او المذهب او اية اثنية أخرى غير الأنتماء العراقي .
إن السرطان المستشري في اوصال الوطن العراقي ، وتهميش الهوية العراقية ، قد أفقد العراق مناعته وقدرته على مقاومة الأصطفافات الطائفية التي تعمل على تمزيق العراق وتقسيمه الى كنتونات تلعب في مقدراتها الميليشيات الحزبية التي تفرض أجندتها بالقوة على الناس العزل من أبناء الشعب العراقي المسكين .
إن القوى العلمانية الديمقراطية التي تنشد التقدم والأستقرار والتنمية والمهنية في العمل قد جرى تهميشها لجهة هيمنة التيار الديني الراديكالي ، وكتب علينا الأنتظار هذه المرة ايضاً كما انتظرنا سابقاً أفول الحكم الدكتاتوري ، فإننا اليوم ننظر الى الأمام من داخل النفق الذي فرض علينا الدخول فيه ، ويحدونا الأمل في ان نلمح بصيص النور في آخر النفق ، لنعيش بأمان واستقرار كبقية البشر على سطح كوكب الأرض .
حبيب تومي / اوسلو