السلام والعدل والحق والمساواة
السلام مبتغى جميع الناس، ولكن قليلون هم الذين يقبلون بما يفرضه السلام من شروط ليتحقق بوجهٍ ثابت ودائم. السلام هو نتيجة جهود كثيرة. إنه ثمرة يحملها غصن هو العدل. والعدل يتفرع من جذع هو الحق. والحق ينبت من جذر هو المساواة بين الناس، والمساواة تحيا في تربة هي حرية الضمير. فكما ان الثمرة لا يمكن الحصول عليها إن لم يحملها غصن، والغصن لا يُزهر إن لم يتفرع من جذع، والجذع لا ينبت إن لم يكن متأصلاً في جذور، والجذور لا تحيا إن لم تكن منغرسة في تربة صالحة تستقي منها الغذاء، هكذا فالسلام لا يمكن أن نذوق طعمه إن لم يكن مبنيّاً على العدل، والعدل على الحق، والحق على الاعتراف بالمساواة الجوهرية بين جميع الناس، والاعتراف بالمساواة على الضمير. فلا سلام بدون عدل، ولا عدل بدون حق، ولا حق بدون مساواة، ولا مساواة بدون ضمير. فإذا كانت ثمرة صغيرة بحاجة إلى كل هذه الشروط لتصير ثمرة تؤكل، فكم بالحريّ السلام بين الناس بحاجة أيضاً إلى شروط كثيرة ليعمّ بين جميع الشعوب.لا يمكن تحقيق السلام إن لم يتحقق العدل، فالعدل هو الأساس الأول للسلام. لأن السلام المبني على الظلم لا يمكن أن يدوم. فالمظلوم لن يعتم أن يدرك الظلم الذي يمارس عليه فيثور، وتكون ثورته عنيفة وهدّامة بقدر ما يكون الظلم الذي يرزح تحته شديداً ومثيراً. السلام المبني على القوة، قوة أحد الفرقاء، لا يمكن أن يدوم، لأنه لا بدَّ من يأتي يوم يتغير فيه ميزان القوى، فيقوى الضعيف ويثور على القوي، وتكون ثورته عنيفة وفتاكة بقدر ما يكون الكبت الذي كان عائشاً فيه عميقاً ومريراً. إن معظم الحروب في تاريخ البشرية نتجت عن وجود الظلم وعن عدم توفر العدل بين الناس أو بين الشعوب.
والعدل هو اعطاء كل ذي حق حقه. فالإنسان كائنٌ حي اجتماعي، أي عائش في مجتمع. ولا سبيل إلى العيش بسلام في أي مجتمع بدون تحديد حقوق الأفراد في هذا المجتمع، بحسب القول الماثور : ( حيث الحق هناك المجتمع ). والحقوق تقابلها الواجبات . فلكل إنسان حقوق وعليه واجبات تنتج عن ضرورة احترام حقوق غيره، وذلك في سبيل ضمان حقوقه. فكل مجتمع مبني على ميثاق، أعني على اتفاق يعقده أفراد المجتمع بقبول العيش معاً ضمن شروط محددة تضمن لكل عضو في هذا المجتمع حقوقه وتفرض عليه واجباته، وضمن هذه الشروط يخيم السلام على المجتمع.
" طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون"