السنودس الأخير جسّد التلاحم بين الأساقفة وشعبهم الكلداني
البطاركة والأساقفة الكاثوليك الكلدان تمكنوا على امتداد قرون من مؤازرة شعبهم الكلداني ومن الأحتفاظ بتسميتهم الكلدانية العريقة وحملوا عبر هذه القرون تراث الأجداد وتقاليدهم وطقوسهم وأيمانهم ولغتهم الكلدانية وسلموها بأمانة الى ابنائهم رغم تواتر الأضطهادات والتهديدات والصعوبات الناجمة عبر الأزمنة .لقد شكل القرن الخامس عشر الميلادي محطة مهمة في تاريخ الشعب الكلداني حينما اعلن المطران طيماثاوس الطرسوسي صورة ايمانه يوم 7 آب 1445 م . والتي تبدأ بقوله :
أنا طيماثاوس الطرسوسي مطران الكلدان الذين في قبرص .. الخ وقررها أمام المجمع اللاتراني ...
فأصدر اوجينوس براءته المشهورة التي نصت على تسمية النساطرة المتحدين مع كنيسة روما او المتكثلكين بالكلدان واستمرت تلك التسمية التاريخية منذ ذلك الحين ( للمزيد انظر تاريخ الكلدان ، تأليف جورج البناء ج2 ص113 ، وما بعدها ) .ومن نفس المصدر ص 205 نستفيد بانه عندما اصبح مار يوسف اودو ـ وهو المدافع المستميت عن الهوية الوطنية والطقوس المتوارثة واللغة الكلدانية لكنيسة المشرق ـ حينما اصبح رئيساً اعلى للكلدان في مطاوي 1848 كان يومذاك عددهم بحدود الثلاثين الف منتشرين في العراق وسوريا وتركيا وايران وتحيط بهم ظروف صعبة ...
لقد كان الأساقفة الكلدان في تضاعيف تلك العقود يقفون الى جانب شعبهم للتخفيف عنهم اولاً ولبقاء تراثهم ولغتهم وطقوسهم وتسميتهم عبر الأجيال ، كما انهم كانوا يتحملون القسط الأكبر من الأضطهاد والتعذيب في تلك القرون المتسكعة في دهاليز التأخر والجهل والفقر والأضطهادات المتواترة .
في تلك العصور وقبلها وبعدها والى اليوم يشكل الأكليروس نخبة مثقفة يحافظ على التراث وعلى كتابة التاريخ وإيصاله بأمانة الى الأجيال عبر كرونولوجية الزمن .
في مقال سابق تحت عنوان المطارنة الكلدان والمسألة القومية ، أشرت الى ضرورة وقوف البطريرك والأساقفة الكاثوليك الى جانب شعبهم الكلداني ، واليوم يعقد غبطة البطريرك الكاردينال مار عمانوئيل الثالث دلي ، الكلي الطوبة مع الأساقفة الأجلاء مجمعهم السنوي الرسمي في عنكاوا من 28 نيسان لغاية 5 ايار 2009 وقد قرأنا في البيان الصادر عن السنودس قرارات مهمة تصب في مصلحة شعبهم الكلداني بجهة تعايشهم في الوطن العراقي مع اخوانهم المسلمين والأطياف الأخرى والى دعواتهم لعودة الأستقرار والسلام الى ربوع الوطن العراقي ليتمكن المهجرون من ابناء شعبنا
المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين للعودة الى ديارهم بأمان .
وتواصلاً مع الماضي العريق والأصالة اعلن الأساقفة تمسكهم بقوميتهم الكلدانية الراسخة وحقوقهم المشروعة ، بموجب الدستور العراقي الأتحادي وفق المادة 125 والتي تتضمن :
بأن هذا الدستور يضمن الحقوق الأدارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة مثل التركمان والكلدان والآشوريين .. ويطالب الأساقفة إدراج تسميتنا الكلدانيــــة في الدستور الكوردستاني لكي يتمكن شعبنا من القيام بدوره في المجال السياسي والثقافي والأجتماعي في المسيرة الحضارية للعراق عموماً لبناء الدولة العراقية الحديثة على دعائم الديمقراطية والتعددية .
إن هذه القرارات وغيرها التي ترشح عن هذا المجمع ترسم لنا الطريق في جو من الشفافية والحرية والتفاؤل لنساهم جميعاً بتكافؤ وندية في بناء هذا الوطن .
لكن لدى قراءاتي في المواقع على ردود الفعل المؤسفة والتي تحاول ان تعيدنا الى المربع الأول حيث كنت اعتقد ان مبدأ الوصاية والأقصاء قد ألغيا من قاموس جدالاتنا وحواراتنا ، لكن يبدو ان الأقلام طفقت على ترديد نفس الأسطوانة القديمة المملة ، وكنت اعتقد أننا قد تجاوزنا تلك المرحلة لكن يبدو ان الأخوان مصرون على إرجاعنا الى المربع الأول لما مضى من السنين .
المحاججة اليوم تتمحور حول التابو القاضي بعدم تدخل رجال الدين بالسياسية .
أقول :
إن الأساقفة الأجلاء لم يشكلوا حزباً ولم يؤيدوا حزباً ، إنهم يناصرون قضية شعبهم ويدافعون عن هوية هذا الشعب كما دافعوا عن تراثه وتسميته ولغته وطقوسه عبر القرون ، فهل المحافظة على هوية شعب يعتبر من الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها ؟
ان كتابنا اليوم يريدون إرشاد المطارنة وتعليمهم ما هو مباح لهم وما هو ممنوع ، اليست هذه من سخرية الأقدار ؟ ثم إن كان ذلك يدخل في باب توجيه النصيحة ، فلماذا نشف حبر هذه الأقلام يوم هنأ قداسة البطريرك مار دنخا الرابع شعبه الآشوري وأقصى من الساحة شعبنا الكلداني بشكل صريح ومتعمد . فلماذا لم نقرأ حرفاً عن ذلك التدخل بالأمور السياسية الحزبية البحتة ؟
وهل يجوز الكيل بمكيالين ؟
وتبرير انتقائية لا تمت بصلة الى المهنية والحيادية بالتعامل مع جميع الأطراف .
إنه أمر مؤسف ان نعود الى المربع الأول كما قلت ونلجأ الى مبدأ الوصاية واحتكار الحقيقة ، وشطب كل المواثيق الدولية التي تعترف بحقوق الأنسان ، وتعطي للاقليات مساحة من الحرية في المعتفد والدين والسياسية والأنتماء ، وعلى ضوء لوائح حقوق الأنسان كيف نفسر هذا التدخل بشؤون الكلدان ومنعهم من التمتع بقرارهم ؟
ألا يجدر بهؤلاء السادة الكتاب ان يحترموا مشاعر الكتاب الكلدان والأحزاب الكلدانية ومنظمات المجتمع المدني الكلدانية ومجمع اساقفة الكلدان والشعب الكلداني عموماً ؟
نحن دعاة الكلدانية ـ وهذا تعبير جديد نسمعه وقد أدخل للتداول في قاموس كتّابنا لوصف من يعتز بقوميته الكلدانية ـ ويجري تذكيرنا نحن دعاة الكلدانية بأن الكلدانية مذهب كنسي فحسب ، فبعد جهد جهيد كما يقال استطاع منظرونا ان يفسروا الماء بالماء .
فأقول لهم :
إن المذاهب الكنسية ايها السادة : معلومة ومعروفة وهي " الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية والنسطورية " فهل تعلمونا اين قرأتم عن المذهب الجديد ، وحسب تصنيفكم ، ستكون الآشورية والأرمنية والعربية والكردية .. كلها مذاهب كنسية ، وإلا ما معنى نعت الكلدانية بمذهب كنسي .
بنظري علينا ان نفتح قلوبنا لبعضنا ونترك نظرية الأقصاء والوصاية ، بل نضع خارطة الطريق لعمل مشترك في مسائل الأنتخابات والحقوق والهجرة وإيجاد فرص العمل لابناء شعبنا وتطوير مناطقنا ... والقائمة طويلة لابواب التعاون والعمل المشترك ، بدل الأنشغال ومضيعة الوقت في تفسير القومية الكلدانية بمذهب كنسي . لنفتح قلوبنا ونتضامن ونقبل بعضنا لبعض وليكون الأحترام المتبادل هو سيد الموقف ، وهذا هو المدخل الصحيح للتعاون .
وتحياتي للجميع .
حبيب تومي / القوش في 10 / 5 / 2009