السيد عبد القادر العبيدي المحامي مؤسس مدينة الزهور .. مأساة رجل موصلي اختفى ولم يعد !!
الموصل : الطرد والجذبتميّزت مدينة الموصل في العصر الحديث بعظمة أولئك الذين أنجبتهم من نسوة ورجال على امتداد التاريخ . ويدهشنا التاريخ الحديث بمئات المتميزّين الموصليين الذين كان لهم دورهم النهضوي الرائد في إثراء الحياة العربية الحديثة ، والعراق الحديث بمختلف الميادين والمجالات .. المدنية والعسكرية فضلا عن المثقفين والمبدعين من كتّاب وصحفيين .. شعراء وفنانين .. تجار ورجال أعمال ومهنيين .. ضباط وقادة عسكريين ، أطباء ومهندسين ، وزراء وقضاة ومدراء عامين .. خطباء ومعلمين وعلماء دين .. الخ . ولا غبار على مثل هذه " الظاهرة " التي تميزّت بها أم الربيعين ، إذ أن ذلك نتاج تاريخ من سلالات وعوائل واسر محلية تنوعت معطياتها الحضارية حسب تخصص كل مبدع في مجال عمله .. وكثيرا ما افتقدت الموصل رجالها ومبدعيها على امتداد القرن العشرين لأسباب شتى ، فمن مهاجر إلى مكان بعيد إلى نازح إلى العاصمة بغداد ، وما أكثر النازحين المواصلة إليها من حين إلى حين .. إلى راحل إلى جوار ربه وتعددت الأسباب والموت واحد .. ولكن أن يختفي رجل نهائيا عن الوجود ولم يظهر له أي اثر حتى اليوم .. فمن الواجب على كل أهل الموصل أن يتساءلوا عن موضوعه ، ويسألوا عنه حتى يعرفوا إلى أين انتهى بهذا الرجل المطاف !
إن مأساة السيد عبد القادر العبيدي المحامي تثير الأحزان ، خصوصا وان للرجل خدماته الجليلة التي لا يمكن أن ينساها أو يتجاهلها أبناء مدينة الموصل أبدا . وقد آليت أن اكتب عنه هذه الفصلة ( التي يتضمنها كتابي زعماء ومثقفون : ذاكرة مؤرخ ) أسوة بكل الذين كتبت عليهم وقد عرفتهم معرفة عن قرب .. فكيف لا نكتب عن الأستاذ عبد القادر العبيدي ، ليس لكونه سليل السادات الاعرجية فحسب ،أو أن علاقة عائلية قديمة تجمعنا ، وصداقة حميمة تربط بين آبائنا وأجدادنا معا ، بل لأننا نحترم ذكرى رجل مثقف وشاعر ورجل قانون ورجل أعمال خدم مدينته وبلاده خدمات لا تضاهى أبدا بأي ثمن . كنت أتمنى أن يكتب عنه وعن منجزاته وعن نهايته المأساوية من قبل الذين عرفوه وعرفوا ما قدمّه من منجزات للمجتمع على امتداد حياته . وكنت قد عرفته معرفة قوية منذ صباي بحكم علاقة عائلتينا القديمة ، وبحكم الصداقة الحميمة التي جمعت جدّي المرحوم علي الجميل بعمه المرحوم حبيب العبيدي ، أو التي جمعت المرحوم والدي به ، او بحكم صداقتي لولده المرحوم قصي .
عبد القادر العبيدي : من يكون ؟
انه الأستاذ السيد عبد القادر بن السيد حسيب أفندي سليمان العبيدي ، ولد في مدينة الموصل عام 1919 ، وعاش فيها ، ثم اختفى فجأة عام 1969 ، ولم يعرف احد ما الأسباب التي كانت وراء اختفائه من قبل أجهزة الأمن العامة ببغداد ! انه سليل الأسرة العبيدية الهاشمية الاعرجية المعروفة في مدينة الموصل منذ مئات السنين . والأسرة العبيدية بالموصل واحدة من الأسر القديمة الشهيرة بالموصل التي تسّمى بعوائل السادة الاعرجية ، وهي : آل النقيب ، وآل الفخري ، وآل الاعرجي ، وآل العريبي ، وآل العبيدي ، وآل المفتي .. وبرز منهم العديد من أهم أعيان الموصل وشخصياتها من العلماء والأدباء على امتداد القرون الأخيرة .
والده هو السيد حسيب أفندي العبيدي ، وكان من أوائل المتعلمين في الموصل ، مما أهله لنيل وظيفة في بلدية الموصل ، وكان قد توفي ريعان شبابه مخلفا وراءه عائلته الصغيرة المكونة من زوجته السيدة صديقة ابنة السيد أمين المفتي رئيس بلدية الموصل آنذاك ، وقد أنجب منها ولدهما السيد عبد القادر وأخته السيدة زينب . وعليه ، فبعد وفاة الوالد حسيب ، كفله عمه السيد محمد حبيب أفندي العبيدي (مفتي الديار الموصلية والشاعر والكاتب الأديب المعروف) ، فترعرع السيد عبد القادر مع عمه السيد حبيب الذي لم يكن له أي أولاد ، ولم يعقب ، فعاش عبد القادر بمثابة الولد إلى والده ، وفي جوّ من الشعر وفضاء الأدب ، وقد اترع على يد عمه بالثقافة الدينية المعتدلة ، إذ كان السيد محمد حبيب ، يعّد واحدا من ابرز المصلحين والمجددين ، وبلغت شهرته عربيا من خلال الكتب التي نشرها والمؤتمرات التي شارك بها .. وكان لعمه مجلسه اليومي الشهير الذي يرتاده أعيان الموصل ووجهائها واغلب المثقفين فيها ، فضلا عن شخصيات عراقية متنوعة المشارب ..
هكذا ، برز السيد عبد القادر شابا مثقفا وأديبا ألمعيا ، وقد تبلورت شخصيته الاجتماعية والثقافية والأدبية من خلال قراءاته ومشاركاته وأنشطته رفقة أصدقائه في ثانوية الموصل ، وبدأ يقرض الشعر وينشر بعض القصائد في الجرائد .. ثم انخرط في كلية الحقوق العرااقية وتخرّج فيها عام 1946 ، ومارس مهنة المحاماة من خلال مكتب له في قلب المدينة ، حيث انه لم يمارس أي وظيفة حكومية في دوائر الدولة أو مؤسساتها القضائية .. تزوج من السيدة أمل حميد رأفت (والدها كان برتبة زعيم في الجيش العراقي إبان العهد الملكي) ، فكان له منها السيد قصي العبيدي(رحمه الله) والسيد حسيب العبيدي وكل من ابنتيه ندى ورواء .. ولقد عرف عن الرجل قوة حركته وفنّه العالي في صنع علاقاته مع الناس والمحافظة عليها .. فضلا عن دأبه ودقته ونشاطه في العمل ليل نهار .
شخصيته ومشاركاته السياسية والادبية
عرف عنه انه كان قوي الإرادة ذا عزيمة وشخصية لا تنال منها المصاعب ، وكان محبا للخير سباقا لخدمة أبناء بلده الموصل ، وتحكى عنه الكثير من المواقف الاجتماعية المشرفة ، إذ لم يقصده أي إنسان ، ويرده خائبا من حيث أتى ، مهما كان الطلب صعبا .. كان الرجل بارا بعائلته وأقاربه ، ومحبوبا من كل أصدقائه حلو المعشر ، حاضر النكتة ، سريع البديهية .. وينقل عن المرحوم والدي ( توفي عام 1968 ) وكان رفيق دربه وصباه وصديقه وزميله في الحقوق ، انه أحب مدينته الموصل حبا جمّا ، وكان يتغّنى دوما بأزهارها وأقحوانها وحدائقها وجمال طبيعتها ويحلم بتطويرها وجعلها مدينة حديثة بكل معنى الكلمة .. وقد اشترك الاثنان في حزب الاستقلال الذي كان يقوده كل من محمد مهدي كبة ومحمد صديق شنشل ، واطلعت قبل سنوات على كراّس مصّور يحتوي مضمونه على الكلمات والقصائد التي قيلت في مهرجان الحزب الذي عقد بإحدى قاعات السينما بالموصل عام 1948 ، وفيها يلقي كل من الاثنين كوكب علي الجميل وعبد القادر العبيدي كلمته وقصيدته ، وقد شاركهما أيضا كل من أصدقائهما المحامين سامي باشعالم وقاسم المفتي وغربي الحاج احمد ـ على ما اذكر ـ بكلماتهم الحماسية تأييدا للأستاذ محمد صديق شنشل . ولقد انسحب كل من المرحومين الجميل والعبيدي من الحزب اثر اختلافهما مع توجهات حازم المفتي المحامي ، وآثر كل منهما الاستقلالية في العمل السياسي . كان السيد عبد القادر العبيدي شاعرا وأديبا و له قصائد رنانة في المناسبات الوطنية حيث انه كان يحررها في جريدة هذا الحزب إبان العهد الملكي ، وكان قد نشر عدة مقالات نارية تندد بالمعاهدات المشبوهة وتدعو إلى الإصلاحات السياسية مدفوعا بوطنيته وإخلاصه.. وقد كان محبوبا من كل معارفه .
ام الربيعين تعنى الكثير !
كانت أم الربيعين بالنسبة له تعادل الشيء الكثير .. ونقل عنه قوله : " إذا غادر الموصل جميع أهلها ولم يبق بها إلا حجر واحد فانا سأجلس عليه ولا أفارقها أبدا " ! ولقد لاقى جملة تحديات بعد العام 1958 ، وصادفته بالموصل عدة صعوبات أسوة ببقية أبناء العوائل والأسر المعروفة ، وخصوصا تلك التي صادفته عندما تعرض وعائلته لخطر الموت ، فضلا عن تعّرض بيته للنهب أثناء فشل حركة الشواف في شهر آذار / مارس 1959 ، وما تلاها من أهوال ، ولكنه بقي متمسكا بالموصل التي احبّها ، وأعطى لها من جهده و ماله الكثير في سبيل تطويرها ..
كان له باع طويل في سوح القضاء يشهد له بذلك من عاصره حين ذاك مدافعا عن الحق ناصفا المظلوم مقتصا من الظالم مما هيئه أن ينتخب رئيسا للجنة انضباط المحامين للمنطقة الشمالية لعدة سنوات ثقة من زملائه المحامين الكرام به ، وكذلك انتخب رئيسا لنادي المحامين بالموصل .. كان شخصيا اقل ما يقال عنه انه( الرجل الذي سبق عصره) ، إذ كان طموحا ، وهاجسه تطوير الموصل الخروج بأهلها الكرام من ضيق المكان وتوفير السكن اللائق للعوائل التي كان يصعب عليها الحصول على هذا الأمل لعوزها أو لأمور أخرى ..
مدينة الزهور
في عقد الخمسينيات من القرن الماضي ، بدأ السيد عبد القادر العبيدي زمام المبادرة لتأسيس مدينة في الجانب الشرقي من دجلة ، وتبعد طويلا عن الموصل ، فكانت تجربة تاريخية في تطوير المجتمع المحلي الذي كان قد ضاق على رحبه في مدينة قديمة ، لم تعد تستوعب أي زيادة في السكان خصوصا مع ولادة جيل جديد اثر الحرب العالمية الثانية .. هنا كانت النقلة النوعية في حياة الموصل أولا ومجتمعها ثانيا ، وحياة الكثير من الموصليين ثالثا حيث فكر الرجل بأخذ زمام المبادرة لتأسيس مدينة حديثة الطراز تلحق بالموصل القديمة .. وبالرغم من الصعوبات التي واجهها من النواحي البلدية والخدمية والاجتماعية ، وان المجتمع لم يستوعب فكرة السكن بعيدا في الضواحي ، إلا انه انتصر مستجيبا لكل التحديات ! لقد نجح الرجل لأول مرة بجعل قريته التي ورثها عن والده هو وأخته وأمهم ، في بناء مدينة حديثة نموذجية تؤمن للعوائل الموصلية السكن والرفاه والهدوء وجمال المنظر بإطلالتها الأولى على نهر الخوصر علاوة على المكسب المادي له ولعائلته . كان ذلك عام 1954 حيث وضع اللبنة الأولى لتأسيس (مدينة الزهور) هذا الحي الرائع الذي لا يزال يتألق جمالا وهدوءا لحد الآن ، وبعد سنوات ألحقت به عدة أحياء من حوله ، واختلطت الأحياء حول مركز مدينة الزهور الجميل ، مع توسّع مدينة الموصل الكبرى على الجانب الشرقي من الساحل الأيسر ـ كما يسمى ـ من نهر دجلة ..
لقد نجح تماما بجهد منقطع النظير على تقسيم تلك الأراضي بعد تحويلها في الطابو من أراض زراعية إلى قطع ملك صرف .. ومد لها خطوط الماء والكهرباء والهواتف والباصات ( مصلحة نقل الركاب ) بجهوده الشخصية وماله الخاص وبمساعدة معنوية وتشجيع كبير من أهالي الموصل الكرام ، ومن متصرف الموصل السيد عبد الوهاب شاكر (رحمه الله ) وما تلاه من متصرّفين ، وأيضا بجهد من السيد عبد الله الملاح رئيس بلدية الموصل (رحمه الله ) وكثير من موظفي دوائر الموصل ، ثقة منهم بقدراته ونزاهته وحبه للخير وعشقه لمدينته (فكانت مدينة الزهور) حيث خصها بكل جهده ووقته . ولا يفوتني أن اذكر انه كان يتعاطى مبالغ زهيدة ثمنا لكل ارض ، أو بالتقسيط المريح ، ومن كان يعسر عليه الدفع يعفيه من بقية المطلوب وخاصة الأرامل واليتامى والأقارب .. وكان كثيرا ما يساعدهم بمبالغ لتشييد دورهم .. أو ما ينفقه في الخفاء على عوائل بكاملها كانت بأمس الحاجة إلى المال والمساعدة لمواجهة الحياة .
منجزاته الأخرى
لقد كانت خطوته الكبرى في تأسيس مدينة الزهور سببا في ثرائه ، فكان فنانا في استثمار ثروته في تأسيس شركات امتدت بين الموصل وبغداد .. وكان كثير التبرع لجميع المرافق الاجتماعية والدينية الإسلامية والمسيحية ، فقد تبرع بمستوصف ومركز للشرطة و مدرسة ابتدائية (مدرسة عبد القادر العبيدي) وقطعة ارض في شارع الفاروق حصته من بيت والده تبرع بها لبلدية الموصل لجعلها متنزها لأهل الحي وتبرع كذلك لإنشاء الكثير من المساجد والكنائس وكان يقدم الكراسي المتحركة لكل معوق ويتكفل في كل سنة بمصاريف سبعة من طلاب كلية الطب من المعسرين وغيرها كثير من التبرعات التي لا حصر لها ، والتي كان قد اخبرني بها صديقي ولده المرحوم قصي .. كان عبد القادر العبيدي قد أسس شركة الموصل للتعبئة و التعليب المساهمة ، وطّور جملة أنواع من المياه الغازية ، فضلا عن تأسيس شركة العبيدي السليمان للتجارة بفرعيها في بغداد والموصل .. وكان من المساهمين الكبار في كثير من الشركات والبنوك في بغداد ، كما أسهم في تأسيس مدينة الألعاب ببغداد ( والقائمة حتى يومنا هذا ) . لقد ملأ عبد القادر العبيدي السمع والأبصار على الرغم من عمره الصغير . كان منهمكا في عمله الاقتصادي ، كواحد من ابرز رجال الأعمال في الموصل وبغداد .. من دون أن يعلم احد انه كان يعمل سياسيا أبدا ، إذ لم يكن يسعى إلى أي منصب سياسي أبدا .. بالرغم من كل التلفيقات والاتهامات الرخيصة التي روّجها من ساهم في وضع نهاية مأساوية له ولعائلته الكريمة .
مأساة اختفائه
لقد تحققت تماما ، بعد أن تابعت كل الجهود التي بذلها ولده الصديق المرحوم قصي وهو يبحث عن والده عبد القادر لسنوات طوال من دون جدوى .. كما تحققت أيضا من أهل بيته ، وخصوصا من ابنته السيدة رواء عن اختفاء والدها في ظروف صعبة ، وخصوصا بعد وصل حزب البعث إلى السلطة في تموز / يوليو 1968 .. بعد أشهر ، غاب عبد القادر ولم يظهر له أي اثر حتى يومنا هذا ، وبعد أكثر من أربعين عاما . كان عندما غاب في الخمسين من عمره . لقد اختطف من قبل أعوان أجهزة الأمن من فندق بغداد (في العاصمة بغداد) يوم 2 آب / أغسطس 1969 .. وبقيت سيارته الفورد السوداء مركونة هناك ، وقد أعادوها من دون صاحبها ! ولحد الآن لم تعرف عائلته مصيره ، ولم تسلم جثته إليهم ، بالرغم من كل الجهود التي بذلتها لمعرفة مصيره ، حيث لم يتسلموا إلا أمرا قضائيا بفقدانه عام 1975 .
تقول عائلته : كانت هذه الجريمة بحق هذا الرجل العصامي المكافح المحب للوطن وتطوره .. من الجرائم التي يندى لها الجبين ، شاهدا على ظلم ذلك النظام ، إذ لم تثبت على السيد عبد القادر العبيدي أية تهمة أو حتى مجرد إدانة ، ولم يذكر اسمه في أي تحقيق ، أو محكمة . وتتابع عائلته قائلة : إن صدام حسين اعترف بنفسه لزوجة المغدور بعد مقابلتها له عندما كان نائبا ، بأن ما حدث كان جريمة من احد جرائم المجرم ناظم كزار مدير الأمن العام آنذاك .. ، وقد تداول الخبر سّرا بعد أن طال اختفاء الرجل انه قد أذيب بحوض أسيد ، وقد عتمت الحكومة على جريمتها لكل ما حدث وقت ذاك . وهذا اكبر دليل على براءته ، إذ كانت تخشى في بداية حكمها من الرأي العام الموصلي ، نظرا للمكانة الاجتماعية والاقتصادية التي حظي بها الرجل ، ونظرا لما كان له من محبة في قلوب الناس . وتقول العائلة أيضا : إن المجرم سعدون شاكر احد أزلام النظام السابق يعرف بكل تفاصيل هذه القضية حيث انه كان مفصولا من وظيفته أيام حكم الرئيس الراحل عبد السلام عارف ، حيث عينه السيد عبد القادر العبيدي موظفا ( كاتب طابعة ) في شركة العبيدي والسليمان فرع بغداد مساعدة منه لإعالة عائلته ، وعندما حدث ما حدث للسيد عبد القادر العبيدي تعهد هذا المجرم لعائلته بأن يساعده في معرفة مصيره ، ولكنه تنصّل من القضية ، ونأى بنفسه ناسيا الجميل الذي بعنقه .. بل وتتهّم العائلة هذا الشخص انه كان وراء اختفاء السيد عبد القادر العبيدي حتى يومنا هذا .. كما تتهمّه بسرقة اموال طائلة من الشركة التي كان يعمل فيها ، ومعرفته أرقام حساباتها في البنوك .
وتناشد عائلة الفقيد المختفي حتى يومنا هذا باسم الإنسانية وباسم الموصل الحبيبة وهو ابنها البار ، إن من يعرف أي معلومة عن طريقة فقدانه ، ومن عنده معلومات عمّن اقترف هذه الجريمة بحقه أو حتى مكان دفنه أو وجوده الإدلاء بها لعائلته لكي يضمد بعض من جراحها التي طال نزفها بفقدانها المريب .. إن على كل أبناء الموصل سواء كانوا من جيل الكبار ، أم جيل الشباب أن يبقوا البحث مستمرا عن مصير واحدا من ابرز أبنائهم وأخلصهم لهم وباني مدينة زهورهم الجميلة ، والإعلان عن ذلك كي تنجلي حقيقة مأساوية ، عّتم عليها منذ أربعين سنة . ولابد أن اذكر بأن الأستاذ عبد القادر كان قد اتّهم سواء قبل اختفائه أم من بعد ذلك ، بتهم رخيصة شتى لا أساس لها من الصحة أبدا .. وكالعادة البالية السمجة في مجتمعنا ، عندما يتهم أي إنسان ناجح في حياته من قبل الحسّاد الجهلة والخصوم المارقين الذين لا يطيقون سماع ذكر أي لامع من اللامعين .
السيد قصي العبيدي
لقد جمعتني وقصي ـ رحمه الله ـ الابن البكر للأستاذ عبد القادر علاقة قديمة تعود إلى أيام الطفولة ، وزاملته في كل من متوسطة المثنى والإعدادية الشرقية بالموصل .. كان اكبر مني بسنتين .. وكان شابا محبوبا من قبل كل أصدقائه ومعارفه ، دمث الأخلاق ويخلص لأصدقائه إخلاصا كبيرا .. كان فنانا رائعا ، لا اعتقد أن أحدا يضاهي قصي في ضرب الإيقاع .. تخرّج بشهادة جامعية ، ولكنه لم يمارس العمل في مؤسسات الدولة ، بل كان واحدا من رجال الأعمال أيضا .. اقترن بالدكتورة إيمان غازي حلمي ، وعاش في الموصل ردحا من الزمن ، ثم انتقل بعد ذلك إلى بغداد ، واستمرت علاقتنا حتى مغادرتي العراق ، وقد صعقت قبل أربع سنوات ، عندما علمت بأن قصي قد فارق الحياة اثر سكتة قلبية ولم يكمل الخمسين من العمر ، فأسفت رفقة كل أصدقائه ومحبيه على شبابه .. حيث بقي (رحمه الله) طوال حياته يتحسر على نهاية والده الغالي وجاهدا في البحث عن أي معلومة تساهم في معرفة أي شيء عنه ، وتوفى وهو حسير . وبعد قرابة شهر واحد من رحيل قصي ، انتقلت والدته السيدة أمل زوجة عبد القادر إلى رحمة الله حزنا وكمدا على اختفاء الزوج ورحيل الولد .
واخيرا وليس آخرا
هنا أضم صوتي إلى صوت عائلته المنكوبة منذ أكثر من أربعين سنة ، كي أناشد كل أعضاء نقابة المحامين العراقيين ، وجمعية الاقتصاديين العراقيين ، وغرفتي تجارة بغداد والموصل وغيرها من المؤسسات النقابية ، للعمل على معرفة مصير زميل لهم ، وكواحد من رعيل رجال القانون والأعمال اللامعين في العراق ، فلقد فقد مظلوما ، وعاش أهله بمأساة حقيقية محزنة ، وما زالوا ينتظرونه .. نناشد كل أبناء الموصل الشرفاء بالمطالبة بإجراء التحقيق لمعرفة مصير ولدهم البار السيد عبد القادر العبيدي الذي خدمهم خدمة جليلة .. إن ذكرى السيد عبد القادر العبيدي المحامي ورجل الأعمال الشهير ستبقى حية في الضمائر ، وستذكر الأجيال القادمة أعماله ومنجزاته بالفخر والذكر الجميل دوما ..
ملاحظة : يعدّ هذا " الموضوع " فصلة من كتاب الدكتور سيار الجميل ، زعماء ومثقفون : ذاكرة مؤرخ .
ينشر اساسا على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
ويعاد نشره على بعض المواقع الالكترونية والاعلامية بموافقة من قبل محرره .