الشاعر خالد المقدسي
إن كان قد فارقنا بجسده إلا إن روحه خالدة أبد الدهر ، هذا ليس حال الجميع بل كل من أورث المجتمع فكراً ناصعاً . فما زلنا ندرس كل مانشر من إبداعات الشعراء والفنانين ، وستبقى الأجيال تردد المعلقات وتحفظ عن ظهر قلب أشعار المتنبي والرصافي والسياب وأحمد شوقي والجواهري ، بالرغم من رحيلهم عن هذه الدنيا لسنين والبعض لقرون طويلة . مبدع من المبدعين ، رسام وشاعر وعازف ومحامي، زرع الفن في إبنته غادة لتعيش مع الوتر والنغمة ، وزوجته هناء بطرس أوراها تهوى الرسم ، عائلة يشعر من يلتقيها طيبتهم ويلمس شفافيتهم . أخذت على عاتقها ألا تحتكر فكر خالد المقدسي بل يريدوا أن يضعوا هذا الفكر النير لخدمة الجميع ، لاتريد إلا أن تمنح الإنسانية خلاصة أشعار إبن الرافدين وعاشق العراق خالد المقدسي ليسطروا هذا الإسم الخالد في سجلات الخيرين من العراقيين الذين منحوا وطننا الجميل خدماتهم ورسموا له حضاراته الذي لأكثر من حضارة شهد . وقد رفد الأدب العربي بقصيدة رائعة فيها أكثر من ألف بيت لها قافية واحدة سميت " الألفية التائية " يتحاور فيها مع كبار الشعراء ويتطرق إلى مجالات عدة في أمور الحياة إن كان في الماضي السحيق أم في زماننا هذا . كل من قرأ قصائده وألفيته أظهر إعجابه ، لابل ذهوله أمام هذا العمل الملحمي وأبدها بشاعرتنا الكبيرة حيث قالت :-
أن تكتشف شاعراً في المهجر كانك تكتشف كنزاً
هكذا عبرت عن فرحتها لميعة عباس عمارة عندما إلتقت الشاعر المرحوم خالد المقدسي . وقد قالت عنه وعن ألفيته :-
"شاعر حقيقي ، وكلمة حقيقية غير معترف بها هنا في المهجر ، ولابد من دعمها بقسم ، ليطمئن من أصابه الإحباط من إستعمال لفظة شعر وشاعر في غير محلها ، وليبتهج من أصابه اليأس من وجود شعر في المهجر ، إذن فلأقل :لقد وجدت شاعراً حقيقياً والله أضيف إسمه إلى القليل الذي أعرف . وتقول أيضاً ، خالد المقدسي شاعر تفخر به المهاجر .
والأديب توفيق حنا ، أحد كتاب الصفحة الأدبية في جريدة الأهرام القاهرية ، إستاذ الفلسفة والأدب في جامعة القاهرة ومقيم في أميركا بعد تقاعده قال :
معلقة عميقة .. فيها إختيار للشعراء الشوامخ ، الممثلين في أصدق وأعمق تمثيل لهذه الحضارة العربية العملاقة في مراحلها الحضارية إختياراً موفقاً كل التوفيق ، شكلاً ومضمونا وموضوعاً ... كم أود أن أرى هذا العمل الهوميري العربي الشامخ وقد تجسد على يد ملحن عملاق ( أو عدد من الملحنين العباقرة العرب ) فيها سمفونية كورالية تمتزج فيها الموسيقى بالصوت الإنساني ( كما في رائعة بيتهوفن – السنفونية التاسعة ) ..شعرك ياصديقي العزيز يستحق كل الود والحب والإعجاب .
يوسف قينايا
كان خالد مبدعاً في حواره مع كبار الشعراء إبتداء من أمرئ القيس الذي غاص في أعماق معلقته وأنتقى من وردها مفردات أضفى عليها طابعه الخاص فجاء شعراً يمتزج فيه القديم والحديث بشكل مؤثر . فلغة الجوار التي إنتهجها الشاعر المقدسي جاءت بمعاني مكملة جديدة وشجية وصورة رائعة لكل من حاوره من الشعراء .
جاء شعر خالد واقعياً بسبب نظرته إلى الحياة بوجهيها الجميل والمشوه ، السعيد والبائس ، فهو يودع شعره كل مافي الدهر أو الحزن .
الباحث سالم تولا
توقعت أن أجد أشياء غريبة كثيرة في الولايات المتحدة الأميريكية ، إلا أن أجد شاعراً مثل أمرء القيس في معلقاته والمتنبي في رصانته والمعري في فلسفياته وإبن زيدون في رقته وعذوبيته والرصافي في وطنياته والقباني في نسائياته وغيرهم . هذا مالم أكن أتوقعه البته . وفعلاً وجدته عن طريق المصادفة ولم أصدق نفسي هل أنا في اليقضة أم في عالم عالم الأحلام . حينذاك تحقق القول على أميركا إنها فعلاً بلد العجائب والغرائب .
مجلة القيثارة
أيها الستاذ والأديب والشاعر خالد المقدسي .. أيها الصوت والقلم والأديب والهادئ والصافي في أميركا . شكراً لك وأنت تهدي لنا عصارتك الشعرية (( وشكراً لك وأنت على رحلتك هذه بين جوانح الكلمة والفكرة والأدب الحقيقي ... وجدتك في ملحمتك الشعرية ربان يقود الحرف كالوتر ويقول كلمة الميزان الشعري ، رسام بكلمات على الأرض والأفق والرياح .. نعم – فهناك وجدت مملكة وهناك وجدت ملائكة .. وهناك تذكرت كما أعرف عراقنا الحبيب .
عائلة الشاعر خالد المقدسي لكم العمر الطويل من بعده . عرفنا بنيتكم على جمع أشعار خالد المقدسي لغرض طبعها في عمل كبير واحد . وهذا ماحفزنا على لقاءنا هذا . كتبت وسائل الأعلام عن خالد المقدسي وأمتدحت أخلاقه وشعره وفنه وعائلته، لذا إرتينا أن نعرف هذا العظيم الذي رحل مبكراً إلى عالم القديسين ، فحدثتنا عائلته قائلة :
ولد في بغداد 1939 ونظم الشعر في سن مبكر منذ أن كان في العاشرة من عمره ولم يتفرغ للشعر والأدب على الأطلاق إلا إنها كانت هوايته المفضلة التي أبدع فيها ، نظم قصيدته الأولى وهو في سن الحادية عشر مطلعها :
ألا ياربة الشعر ألهمينا وحيي في براعتنا الفنونا
أصبح من الأعضاء الرواد في إتحاد الأدباء العراقيين أول تاسيسه بعد ثورة 1958
تخرج من كلية الحقوق بأمتياز عام 1963 ومارس مهنة المحاماة ولم يفرغ للشعر والأدب على الإطلاق . و كان له شعبية في العراق وإن كانت بعيدة عن وسائل الأعلام . له ديوانين مطبوعان في العراق ، المجموعة الكاملة والظلال الطويلة وفيها قصائد مختلفة عن حياته وعن الوضع الإجتماعي وعن عائلته وتطرق أيضاً للفن والفكر والفسلفة والوجود . بالإضافة إلى ذلك فقد كان عازف قدير ورسام بإمتياز .
سمعت عن ألفيته الكثير ، هل لكم أن تحدثونا عنها .
الألفية التاءية ( ألفية خالد المقدسي ) وهي تنتهي في قافية واحدة ( حرف التاء ) . وهي من أصعب أوزان الشعر ، وقد ذكرت لنا المراجع القليل من الشعراء الذين دونوا شعر يزيد عن الألف بيت ، لكن هذه المرة الأولى التي ينظم فيها شاعراً قصيدة ألفية تنتهي بنفس الحرف . يناقش بها 35 شاعراً جاهلياً وإسلامياً وأموياً وعباسياً وإنتهاء بفطاحل شعراء عصرنا وفي مقدمتهم الشاعر محمد مهدي الجواهري ، يناقضهم في آراءهم ويأيدهم في أخرى . ولايمثل هذا الكتاب كامل إنتاجه حيث فقد الكثير من أشعاره لظروف سياسية .
إذن يمكننا القول عن هذه الألفية بانها إعجاز شعري ؟
فعلاً ، هذا ماقاله الكثير من الشعراء ومحبي الشعر .
ومتى سترى النور هذه الألفية الشعرية في ديوان واحد ؟
بالحقيقة نقوم حالياً بجمع كل الأعمال المنشورة والغير منشورة وما لم يسعفه الحظ لأكماله بسبب وفاته ، وقد نشرت البعض منها في صحف ومجلات المهجر . وفي نيتنا وضع الألفية في كتاب وجميع القصائد في كتاب آخر .
نعرف بأنه ليس من السهل أن يبتعد الشاعر عن بلده حيث من البديهي أن يرافق ويلتقي بأشخاص يشترك معهم في الشعر والفن ، كيف عالج خالد المقدسي هذه المشكلة التي تواجه المبدعين في دول الإغتراب ؟
أسسوا في المهجر جمعية أدباء بلا حدود مع الدكتور قحطان المندوي ( شاعر له عدة دواوين ) يعيش في المهجر منذ أكثر من ثلاثين سنة ويدرِّس الأدب الإنكليزي والدكتور عبد الإله الصائغ (عميد كلية الأدب العربي في جامعة بغداد ) والشاعرة الأستاذة السورية إباء إسمعيل ( شاعرة تسكن في دير بون شاعرة متمكنة لها عدة مطبوعات ) ومجموعة أخرى من الشعراء حيث جمعهم الشعر والأدب دون سابق معرفة . وكان يلتقي بندوات ادبية وشعرية بصورة منظمة إلى أن توقف عنها بسبب مرضه .
أين في نيتكم طبع مجموعته الشعرية الكاملة ؟
هناك من يقترح طباعتها في سوريا أو الأردن وسيتكفل بمتابعة ذلك ، إلا إننا لم نأخذ القرار إلى الآن ، إذ نسعى لكي يكون كل شيء تحت إشرافنا .
ولماذا لايتم ذلك هنا في الولايات المتحدة الأميركية أو كندا ؟
القرار لم يأخذ بعد ، ففي دول الشرق هناك معنيين أكثر في الشعر ويمكن أن يكون في متناول أكبر عدد من القراء والسبب في ذلك هو إن الجميع يتكلم ويقرأ اللغة العربية ، كما توجد الكثير من المعاهد والجامعات التي تعتني بالأدب والشعر ناهيك عن المكتبات المتوفرة ، بينما الحال في القارة الأمريكية مختلف ، فبالرغم من وجود الكثير من المهتمين والمتذوقين للشعر إلا إن العدد أكيد لايقاس ضمن حدود البقعة الجغرافية التي تتكلم وتقرأ العربية . ومع ذلك ، فما أن يتم طباعتة في سوريا أو الأردن فسيكون هناك حصة لابأس بها للمهتمين في الولايات المتحدة الأميركية وكندا .
هل له شعر شعبي عراقي ؟
نعم ، فقد كان مهتم بهذا اللون الجميل الذي يعشقه ، ومن ما كتبه شعر شعبي عبّر فيه عن حبه وشوقه لبغداد :
بغداد
وتظل بغداد
عرسي وفرحت أيامي
ومواويلي
أناغيها وأكول شبعدت عني
تظل روحي ولف دجلة
تهيم ترفرف تسافر
تلبسهه محابسهه
تبوس الشاطي والجزرات
تروي الشوك من ميهه من النسمة
من جسور التمر حجول فوك الماي والجرفين
ياعيني على الجرفين
والمسكوف فوك الحطب يسبي العين
والغزلان تتمشى ببو نواس
محروكة بلهيب الصيف
تتغازل ويه النسمات يامحلاج يابغداد
محلى الصيف محلى شتاج
محلى المطر من كاعج تحظنه ويفرح بملكاج
محلى شباط من شمسه ترد الروح للمشتاك
محلى الكمر من يضوي
على سطوح التنام الناس فوكاها
بليالي الصيف
محلى الفجر من يطلع يذري الذهب
فوك الكاع
يامحلاج يابغداد
ك2 2003
وقد شارك في مسابقة النشيد الوطني العراقي بقصيدة جميلة جداً :
ياعراق
دجلة الخير وشط العرب عانقنا الفرات
وجموع الشعب هبّت تتحدى العاديات
أنت رمز الوحدة الشماء سر التضحيات
أنت يامهد الحضارات معين للحياة
ياعراق
سنحيل القصر روضاً سوف تخضّر الحقول
سيقيم الحب صرحـــاً في الروابي والسهول
ياعراق
نحن للحق جنود نحن للعدل وثاق
وعلى وقع خطانا أشرقت شمس الوفاق
إن في الوحدة فوزاً وخلاصاً وأنعتاق
قد كفانا ماحتملنا قد كفانا ياعراق
خالد المقدسي حزيران 2005
للإتصال :-
غادة المقدسي
248-740-3909
مشيغان
almekdisy@comcast.net