الشباب مشعل الإصلاح في نهضة الحسين(ع)
الشباب هم عماد كل أمة وقلبها النابض وطاقتها الحية، بهم تبنى الأوطان وتستمر الحياة، وبصلاحهم يصلح المجتمع ويولد كل مشروع فكري ونهضوي جديد، والشباب من العمر كالربيع من الزمان، ولهذا حث الإسلام على اغتنام فرصة الشباب في الإكثار من العمل الصالح والجاد الهادف لصلاح الدنيا والفوز بالآخرة.ودور الشباب المسلم الذي يسير وفق تعاليم الإسلام وعلى النهج المحمدي، دور عظيم في إصلاح النفوس وتوجيه المجتمع والمحافظة على سلامته وأمنه وازدهاره وتقدمه وبخاصة ممن آمنوا بالمشروع الإصلاحي المنبثق من النهضة الحسينية وتأثروا به، ولا ينكر هذا الدور إلا أعداء الإسلام أو من كان في قلبه مرض، الذين يدركون مكانة الشباب المسلم الحقيقي وسعيه في الإخلاص لدينه ومعتقده ومحاربته لكل توجه يحاول الانحراف بمسيرة الدين القويم ورسالة السماء.
وللنهضة الحسينية أثر واضح وكبير على سلوك وتصرف أغلب الشباب المسلم وبخاصة الذين ينظرون إليها كمنهج فكري وعملي خطه سيد الشهداء(ع) الذين قال عنه رسول الله (ص) وعن أخيه (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، فمن دروس النهضة الحسينية أخذت جميع شرائح المجتمع وسيلتها للسير في طريق بناء الأمة والمجتمع الصالح والابتعاد عن طريق الانحراف والفساد.
لقد ضرب لنا الشباب المؤمن الذين كانون في عسكر الامام الحسين (عليه السلام) أروع الأمثلة في الصبر والعزيمة والتوكل على الله في تحمل المسؤولية مهما بلغ حجمهما وعظمها، وكانوا مصداقاً لقوله تعالى(........إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً (14))سورة الكهف.
فعلي الأكبر لم يكن وقوفه إلى جانب النهضة الحسينية بسبب ارتباطه بأبيه(ع) فقط ولكن السبب الرئيسي هو إيمانه بصدق القضية التي خرج من أجلها الامام الحسين عليه السلام وشعوره بالمسؤولية الملقاة على عاتقه كشاب مسلم مؤمن وهو يرى الفساد والانحراف ينخر جسد الأمة ويمزق أوصالها، وهكذا كان القاسم ابن الحسن وبقية شباب بني هاشم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل، وصل إلى الشاب التركي والغلام الزنجي، كونهم ينتمون إلى هذه الأمة ويؤدون واجبهم على أتم وجه.
اليوم ونحن نعيش حياة التطور والتكنولوجيا التي دخلت إلى أغلب بيوت المسلمين وحيث حملات الفساد الأخلاقي المنظم التي تقودها بعض الدوائر المعروفة ومن يدور بفلكها علينا أن ندرك نهضة الحسين(ع) وثورته من أجل الإصلاح وهو القائل (إني لم أخرج أشراً ولا بطرا ولا ظالماً ولا مفسدا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله(ص))، لمعرفتنا بأن الإصلاح ومحاربة الفساد يأخذ العديد من الأوجه ولا يتعلق بزمان أو مكان معين.
ومن بين الأوجه التي يتم خلالها التصدي إلى الفساد والانحراف هي:
أولاً: الامتثال للحكم الشرعي؛ فلو أخذنا علي الأكبر كنموذج وقدوة للشباب المسلم المؤمن بقضية الحسين، فإنه لم يَقدم على أية صغيرة ولا كبيرة إلا وسأل إمامه الحسين(ع) عنها حرصاً منه على تطبيق الحكم الشرعي، وهو ما يجب أخذه بنظر الاعتبار من جميع الشباب.
ثانيا: إدراك أهمية حقوق الوالدين؛ فعلي الأكبر لم يرجع إلى المعركة قبل أن يودع أمه التي تركها مغماَ عليها -بحسب الروايات- وما خرج منها حتى أوصى بها والده الحسين(ع)، وأحب أن يكون أول من يستشهد بين يديه، لذلك يجب على كل شاب مسلم أن يرعى ذلك الحق الذي قال عنه رسول الله(ص) (رضا الله من رضا الوالدين وسخطه من سخطهما).
ثالثاً: معرفة القدرات الذاتية: فالإمام أمير المؤمنين علي(ع) يقول(وتحسب نفسك جرماً صغير وفيك انطوى العالم الأكبرُ) فالقدرة على التعامل الإيجابي مع المشاكل والتحديات التي تواجهه تنبع أولاً من إدراكه لذاته، وتعرفه على قدراته ونواقصه، وشعوره بالثقة في قدرته على التغيير.
رابعاً: أهمية المثال الأعلى؛ فالحرص على إيجاد القدوة الحسنة في المدرسة والبيت والشارع، وفي ميدان العمل، وعدم وجود المظاهر المنافية للإسلام، والتي قد تحدث داخل النفس شيئا من الشك والريبة في الفكر أو المعتقد.
خامسااً: استغلال الوقت؛ فربيع العمر لا يعوض واستغلال مرحلة الشباب من أهم الأمور التي أوصى بها النبي(ص) حيث قال (أغتنم خمس قبل خمس ......... وشبابك قبل هرمك).
علينا إذن كشباب مسلم أن ننهض بمسؤوليتنا الشرعية والأخلاقية والوطنية وأن نؤمن بقيم التسامح وقبول الآخر المختلف عرقياً أو دينياً أو لغوياً، وهو ما جسده سيد شباب أهل الجنة الحسين (ع) حينما كان يضع خده تارة على خد ولده علي الأكبر وتارة أخرى يضعه على خد الغلام التركي أو المولى الحبشي، وهي أسمى صور الإنسانية الحقة.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com