الشهيد المطران يوسف توماس لا زال حياً
تمر هذا اليوم 5 / شباط / 2009 ذكرى مرور 25 عام على رسامة المرحوم يوسف توماس مطراناً على البصرة وكانت بتاريخ 5 / شباط / 1984، ولد المرحوم في القوش في 2 / 8 / 1934، دخل معهد شمعون الصفا الكهنوتي – الموصل عام 1949، ارسل الى روما لاكمال دراسته عام 1953، وحاز على شهادة الليسانس في الفلسفة واللاهوت من هناك، ثم رسم كاهناً في 21 / 12 / 1960!!!! وهو نفس يوم وتاريخ وفاته! توفي في 21 / 12 أيضاً!! وفي عام 1966 تخصص في القانون الكنسي من جامعة اللاتران وحاز على شهادة الدكتوراه وعاد الى العراق وخدم في ابرشية القوش حتى رسامته مطراناً حيث انتقل للخدمة على ابرشية البصرة بتاريخ 5/ 2 / 1984، وفي بداية 1996 انتقل الى ابرشية بيروت، وتوفي هناك أثر مرض عضال وروى جثمانه الثرى في القوش مسقط رأسه في 26 / 12 / 1999 بناء على رغبته، وهو نفس يوم ولادته كما نوهناالمطران كما عرفته
عرفته في القوش عندما تقاسم الاخويات والتعليم المسيحي مع المرحوم الأب يوحنان جولاغ، كنا نذهب الى الاخوية والتعليم المسيحي كل يوم احد وفي العطل الرسمية، وخاصة في السنوات 67 – 68 – 69 – 70 –، كان يجمع بين النزاهة والشرف والحب الغامر الذي كان يغدقه على جميع من بمعيته، صغاراً وكباراً، لم ارى في حياتي إنساناً محبوباً من رؤسائه ورعيته واينما حل
عندما كنا نحضر اجتماع الاخوية كانت العادة الجارية ان يضع كل عضو مبلغاً من المال في صينية تجمع في بداية او نهاية كل اجتماع، وكنت مع اثنين من زملائي ننحرج كثيراً من هذه العملية لعدم تمكننا من الحصول على (عانه) وتساوي 4 فلوس حينها لفقرنا، فكان يبتسم وبَدّل الصينية بكيس من القماش وقال : كل واحد يضع يده داخل الكيس حتى وان كانت فارغة! وبهذا اعاد الثقة بانفسنا وخاصة عندما كان يضع بعض النقود من جيبه الخاص لاكمال عدد القطع النقدية بحيث تكون متساوية مع عدد الحاضرين! وعرفته أيضاً في ثلاث مواقف أخرى :
الاول : عندما طلب المرحوم الأسد توما توماس ايصال رسالة الى قائد الحملة اليزيدية ضد القوش في أيار 1969 يطلب منه الخروج من البلدة والا،،،،، فانبرى المرحوم القس يوسف توماس آنذاك بكل شجاعة وفخر وطلب ايصال الرسالة الخاصة وبالفعل تم ذلك وانسحب المهاجمون خائبين، علماً بأن المرحوم المطران عبدالاحدصنا هو الذي ارسل بطلب ابو جوزيف المدعو (سمو كلا) طلباً للمساعدة
الثاني : طُلِب منه ان يخدم في البصرة بدلاً من ارساله للعلاج في الخارج! حسب طلبه، ولكن بعد اصرار البطريرك تنصيبه على ابرشية البصرة كتب رسالة الى البطريرك قال فيها : أُنفذ طلبكم لأني جندي في كنيسة المسيح
التعليق اتركه لكم ايها الاعزاء! اليس هناك فرق بين من يترك رعيته وينهزم وهو في كامل صحته وبين من هو عليل ويخدم تحت القصف المدفعي الايراني؟ هذا هو توماسنا الشهيد، كون الشهادة هي الموت من اجل؟ ومات من اجل لأنه ضحى بحياته وبعلاجه من مرضه من اجل شعبه وكنيسته! حيث اكد في وصيته "استطيع ان اخدم وأسعد القريب روحياً ومادياً" وبالفعل عندما ترك البصرة كان له صندوق خاص للفقراء والمحتاجين سلمه الى الجهات الرسمية في المحافظة في حينها!! هذه هي نزاهة مطراننا الجليل التي يفتقر لها الكثيرون
الثالث : في استراحة لاحدى جلسات المؤتمر الكلداني الاول 1995 جاء وعانقني بإبتسامته المعهودة وقال: عاش كل من يعمل من اجل بناء الكنيسة، ونحن مع التجدد والتطور، ولكن يجب ان تكون على مراحل ومدروسة بعناية فائقة" جاوبته بإبتسامة أيضاً وقلت : نعم سيدي قد اصبت الحقيقة ولكن انتظرنا طويلاً! قال: لا تخف يا شبلا سترى كنيسة متجددة ومتطورة وشاهدة وحية! ودعاني الى شرب كوب شاي وهو يضع يده على رقبتي بحنان الأب
كما عرفوه محبيه
في اتصال هاتفي مع المطران الويس ساكو رئيس اساقفة كركوك والموصل سألته عن شهادته بحق شهيد الواجب المطران توماس، وقلتُ : في شهادتك عند وفاته اكدت على انه " انساناً محبوباً، منفتحاً، ناضجاً، غير متزمت، رجل كنيسة من الدرجة الاولى،،،" طيب ماذا تقصد برجل كنيسة من الدرجة الاولى؟ فأجاب الجليل ساكو: يعني انه كان مستقيم وايديه نظيفة ومفعم بالغيرة والايمان وقائد مسيحي لكل ما للكلمة من معنى
اما الشهيد الأب د. يوسف حبي فسبق وان قال عنه : كان نسيماً تمتلئ منه الأعماق من روحية الخلود، بحيث كان نوراً يبدد الظلمات من يحاول الابتعاد عن معين الضياء
اما المرحوم المطران عبد الاحد صنا: كان مزيناً بالعلوم والايمان وعلم بغيرة وحكمة وفطنة
اما يوحنا جولاغ : له براءة الاطفال وحكمة الرجال
والاخت ماركريت شمعون : كان انساناً حراً وصادقاً واميناً ومسامحاً
وشقيقه ميخائيل يقول : تحول الى انسان شامل! كان دليلاً هادياً ومثالاً يُقتدى به
ومثلث الرحمة البطريرك مار روفائيل بيداويذ : هو احد اعلام كنيستنا المقدسة
المطران انطوان اودو : اصبح رَجُل الاوجاع وعارف بالألم كحمل سيق الى الذبح
من وصيته!!!
"أجمل وأحلى لحظات السعادة عندما اخدم الجنود اثناء الحرب (يقصد الحرب العراقية / الايرانية عندما كان يخدم في البصرة تحت القصف المعادي وزرته عدة مرات هناك) واساعد الفقراء اثناء الحصار الاقتصادي"
ما اجمل كلماتك وما اروع اعمالك، كنتَ بحق رجل حقوق الإنسان بدون منازع، كنت ذهب عيار 25! نعم لا يوجد ذهب بهذا العيار الا عند الغيارى ممن يؤمنوا بالآخر ويقبلوه ويعترفوا بكرامته الانسانية، نعم هكذا كنت في القوش والبصرة وبيروت بالرغم من ألمك ومرضك! بقيت صامداً بوجه المرض قبل القنابل، بوجه الحقد والحسد والنميمة، بوجه الديكتاتورية الوضيعة والتعصب الاعمى، عندما لم تفرق بين مسلم ومسيحي مطلقاً، كنت تساعد الجندي ولا تسأل عن اسمه! فكيف تعرف ديانته؟ اذن المهم هو العراقي، لهذا سلمتَ الصندوق الخيري الى مستحقيه من اهالي البصرة عندما غادرتها الى بيروت! إذن طَبَقت اعلان حقوق الانسان العالمي، المادة الاولى منه : الناس متساوون امام القانون،،،،، بغض النظر من الجنس والدين واللون،،،
ومساعدة الفقراء والمحتاجين هي سمة القائد الحقيقي، الشجاع، العامل، المثابر، المتواضع، القوي بشخصيته وايمانه وعلمه وثقافته، هذه الصفات يفتقدها الكثيرون هذه الايام! واصبحت عملة نادرة سيدي، ولكن لا تخف نم قرير العين لأنك حياً فعلاً في ضميرنا وضمير كل حر شريف تعلمَ حرفاً واحداً من علمك وثقافتك وتواضعك وقوة ارادتك وشجاعتك وحبك
تبقى حياً ما دامت هناك حياة
shabasamir@yahoo,com