الشياطين الثلاثة .. مزقوا شعب العراق
1 . الطائفيونفي دردشة مع احد الأصدقاء العراقيين الذين يعملون في احدى *جامعات دول الخليج العربي حول الأوضاع المأساوية التي حلت بالعراقيين بعد اسقاط نظام صدام من دمار ومن قتل واختطاف , الى فساد , الى تدني في كل مفاصل الحياة توصلنا الى حقيقة واحدة هي ان عقلية الحاكمين الجدد كما بدى لا يملكون برنامجا وطنيا يسعى الى حماية ورعاية العراقيين , وذلك يرجع لإرتباطهم بجهات خارجية اجنبية متعددة لها مصالح ستراتيجية في العراق وفي المنطقة , يضاف لها افتقارهم الى روحية ومحبة العمل الجماعي الذي يُلغي كافة الفروقات المذهبية والحزبية , لكن الأهم في دردشتنا كان فيما يتعلق باسلوب تشكيل الحكومة حيث بدت لنا وكأنها { قشمريات } كما يقول العراقيون لأنها صورت لنا كأنها تتعلق بامزجة ورغبات بعض الشخصيات وتدخلها في اختيار هذا او ذاك , في حين ان الحقيقة هي ليست كذلك انما هي في ايدلوجية هذه الشخصيات وما تحمله من توجهات ومصالح لا تخدم تقدم وتطور الشعب العراقي , ولذلك نرى الوطنيون العراقيون يحذرون بل يتخوفون من وجود حكومة طائفية ويعتبرون ان العمل الحكومي والمناصب الوزارية اذا ما ارتبطت بالحزبية الطائفية او المذهبية فسوف تقسم العراق وتغرقه بحرب اهلية دموية لن تنتهي , وعندها ستعمق الأحقاد لتشمل الشعب العراق بكل مكوناته الدينية والقومية؟
للعراقيين مثل قديم يقول ... { تيتي تيتي مثل ما رحت جيتي } وهو يشبه الى حد ما تمثيلية استبدال الدكتور الجعفري بالأستاذ المالكي .... فمالذي تغيّر ؟!
يقول صديقي ان ما كنا بانتظاره بعد اسقاط نظام صدام هو تشكيل حكومة ديمقراطية ونزيهة وعلمانية مستقلة تخدم العراقيين وتنقلهم من حالة الرعب والفقر والبؤس الى حالة الأمان والرفاهية , لكنه ومع الأسف لم يحدث ما وعدوا به , انما ما جاءهم هو خوف واحقاد طائفية ومذهبية وقتل واجتثاث وجريمة وفساد وفوضى !.. اللهم إرمي من خرّب العراق الى الجحيم وبئس المصير ؟ هكذا ختم صديقي حديثه ! واضاف ...ولأن المحتل باق لأنه الأقوى فان الإستقرار والأمان لن يتحقق إلاّ بقيامه بابعاد كل الطائفيين الذين جاء بهم لحكم العراق بعد سقوط صدام , كما عليه اعادة صياغة الدستور الطائفي المهزلة والغاء الأنتخابات الهزيلة المزيفة وما تبعها من سيناريو ومسرحية تغيير مناصب المسؤولين , المطلوب ابعاد العراق والعراقيين عن النفس الطائفي والعنصري الحقير وهذا لن يتأتى الا من خلال الغاء كافة القوانين والإجراءات التي عمقت الكراهية والطائفية ومن ضمنها التوزيع الطائفي والحزبي للمناصب الوزارية وتشكيل الميليشيات .. هذا هو الحل !
2 . الإرهابيون
اما الأمر الثاني الذي دردشنا حوله كان بخصوص ظاهرة الإرهاب والإغتيالات التي برزت بعد سقوط نظام الدكتاتورية من تدمير دور العبادة الى اغتيال الأساتذة وعلماء الدين والضباط المتميزين الى اختطاف الأبرياء وقتلهم من الكتاب والصحفيين الوطنيين من الذين يوجهون انتقادهم لسياسة بعض قيادات الأحزاب المتسلطة في العراق والتي سيطرت على الحكم بعد اسقاط نظام الدكتاتورية وجرت البلاد الى الحرب الطائفية والحزبية , كما سلطنا الضوء على دخول الأرهابيين الغرباء من الذين لهم تصفية حسابات مع الأمريكان حيث لم يشهد العراق مثل هذا الإرهاب طيلة السنوات المئة الماضية .
ولأننا نحن الأثنين من المتابعين كغيرنا لما يحدث في العراق فقد توقفنا الى ما قرأناه حول جريمة اغتيال احد الكتاب العراقيين الذي كان يكتب منتقدا أداء الحكام الجدد في العراق حيث فوجئنا بخبر اغتياله , وقد استوقفتنا مقالة كان قد نشرها حيث وضح فيها موقفه الوطني اتجاه ما يحدث في العراق ؟ اعيد نشرها ليطلع القارئون كيف يكافئ الوطنيون العراقيون المخلصون ؟ ترى اليس من حقنا ان نتسائل ان كان في عهد صدام البائد يُقتل الوطنيون المخلصون , فلماذا يقتل المخلصون اليوم ... من هو اذن المجرم الحقيقي عدو العراقيين ؟ اليكم ما كتب الشهيد وكيف كوفئ بقتله وعليكم ان تحكموا !
النص الذي نشر بتأريخ 18 ايلول 2005
{ والله العظيم إني مع الديموقراطية الحقيقية والمجتمع المدني المتطور وحقوق الإنسان وامتلاك ثروات العراق بالعدل والقسطاس ، ومع أية بادرة سياسية ودينية تصطف مع الناس وتنتصر لعذاباتهم الطويلة وتعمل الى غدٍ عراقي مشرق تتساوى فيه حقوق الناس وواجباتهم .
إني مع بناء العراق وترميم جراحاته العميقة وغسل ذاكرة الماضي الأسود عنه وعن أجياله التي تعذبت أكثر مما يجب .
كمواطن مجهول شأني شأن الملايين التي لا تعرف نهارها من ليلها ، أتعاطى من باب الاضطرار الديموقراطية العراقية المخيفة والفاشلة حتى الآن ، وأميل الى كل ما يساعد على لم شمل الوحدة الوطنية العراقية ، وأني مع تأسيس الأحزاب والتجمعات والنوادي والجمعيات والمكتبات العامة والمنظمات المدنية وجمعيات الرفق بالإنسان والحيوان والبارات والديسكوات وحتى بيوت الدعارة البريئة التي يسمونها زواج المتعة! وكل ما من شأنه أن يؤسس حضوره على قاعدة جماهيرية ، ولكن بأفكار وطنية عراقية صريحة خالصة تدعو الى الوحدة العراقية الصميمية بلا تدليس ولا التواءات دخيلة ومفهومات خارجية ملغومة ولا دين يطوّق أعناقنا بالقوة ، كما هو الحال مع بعض الأحزاب القيادية الدينية في السلطة ، ولا بأس أن نذكر المجلس الأعلى للثورة الإسلامية فهو مثالنا السيء الذي يجب علينا أن نذكره حيثما وجدنا لذلك سبيلا ! } ...انتهى النص.
3 . المحتلون
الحرب الأمريكية على العراق دخلت أخطر مراحلها على الإطلاق , وان المشروع الأمريكي الذي اعلنته بخصوص نشرالديمقراطية لم يتحقق انما ادخل العراق في مرحلة العنف الوحشي البربري الذي تمركز باكثر وحشية بين المسلمين السُّنة والشيعة . فمنذ اليوم الأول بعد اسقاط الطاغية صدام عمدت الأدارة الأمريكية لتعميم المحاصصة الطائفية والتقسيم المذهبي والقومي في قانون ادارة الحكم والتي ادت الى المصادمات والصراعات فيما بعد حتى وصلت الى مرحلة القتل وذبح الأفراد على الهوية وانتشر الفساد والخوف والرعب ليعم كل مناحي الحياة الى يومنا هذا .
أن العنف والعنف الطائفي المضاد الذي بات منتشرا جعل الاعتقاد لدى عامة الناس بأن الشيء الوحيد الذي يستطيع حمايتهم من عنف الآخر وشره , هو استحداث مليشيا مسلحة تشكلها الطائفة وتنتمي لنفسها , وليس الأعتماد على قوات الشرطة أو الجيش , وهذا ما جعل المليشيا ان تكون خارج السيطرة الحكومية لأن تشكيلها أصلاً ليس لحماية الشعب انما لحماية العشيرة والأهل وأفراد الطائفة ومن هنا تبدأ الطائفية فعلها في تقسيم المجتمع , وكلنا يعلم تأثير الميلشيات اذا استفحلت فان الحكومة ستفقد هيبتها وسيطرتها على الوضع الأمني والسياسي في البلاد , وسيعتقد اصحابها بأن في مقدورهم التمتع بسلطة سياسية أكبر, فيما لو عوّلوا على ولاءاتهم الطائفية , مقارنة بما يكسبونه سياسياً من التشبث بشعار تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي يطالب بها الأخرون .
وحسب ما يظهر من ارتباك بين قوات التحالف والجيش ووزارة الداخلية بكل تشكيلاتها , فقد نشأ وضع أمني لم يعد فيه العراقيون قادرين على التمييز بين ما إذا كانت قوات الأمن المنتشرة في الشوارع والطرقات أعداء أم أصدقاء ! هل هم من جماعة الزرقاوي أم هم عصابات ومجرمين , فالكل يرتدي ملابس الداخلية الرسمية ولذلك كما يقولون خلط الأخضر باليابس ؟! وطبعا هذا الواقع انتشر في غالبية مناطق العراق .
وبالنتيجة المؤسفة فان السلب والنهب والأختطاف واغتيال الأفراد تحدث بشكل يومي بالرغم من ان الحكومة قامت بتشكيل قوات شرطة وأمن وجيش جديد والتي تملئ الشوارع ؟ في حين ان الواجب الأخلاقي يحتم عليها مصارحة الشعب بفشلها وعليها الأبتعاد عن التضليل والكذب والاستمرار في رسم صورة زاهية غير واقعية عن الأوضاع في العراق , لا بل عليهم وخاصة المسؤولين عن حماية امن الشعب ترك مناصبهم فورا وفسح المجال امام الأخرين الكفوئين لأنقاذ ما يمكن انقاذه ؟ ولا يفوتنا ان نذكر ان ما زاد الطين بلة تزامن حالة الفراغ الأمني هذه مع وجود قوى عراقية وعربية من مجموعات متباينة معارضة للوجود الأمريكي يوحدها هدف مركزي واحد هو افشال المشروع الأمريكي وحلفائها في العراق , وإذا كان الهدف الأساسي للولايات المتحدة هو انجاح مشروعها الشرق اوسطي وبنشر الديمقراطية فيه مما سيؤدي الى إستقرار العراق والمنطقة , لذا يجب عليها الإسراع باحالة جميع الذين شاركوا في الحكومات السابقة على التقاعد الإجباري لا بل ومحاسبتهم وتشكيل حكومة باعضاء غير مرتبطين باي حزب ديني مبني على الطائفية او مرتبطين بحزب قومي عنصري , بمعنى حكومة تضم اساتذة اكاديميين وكفوئين يتحلون بالحكمة ونكران الذات , كما يجب احترام واعادة كافة الضباط الكبار من الجيش العراقي السابق وقوات الشرطة المستقلين المخلصين واعادة كافة التشكيلات , كما تقوم الحكومة الجديدة المشكلة باعادة كافة الوزارات الخدمية السابقة بكامل موظفيها للعمل كما كانت , عندها فقط وفقط وفقط يكون إنقاذ العراق من قبضة الحكم الطائفي البغيض ويعود العراق قويا وديمقراطيا بمسلميه ومسيحييه وصابئته ويهودييه وبقية المكونات الى حاضنة الدول المتحضرة والمحبة للسلام والخير .
* دولة قطر
ادورد ميرزا
اكاديمي مستقل