الصالونات الثقافية ومشروع ابن سمينة
اشتهر العراق وعلى مر العصور بأنتشار صالوناته الثقافية بين النخب التي تتغنى بالادب و الفن والسياسة والموسيقى وذكر أن للفترة ما بين العشرينيات و الخمسينيات كان اكثر من 200 صالون ثقافي عراقي في بغداد ربعها يديره يهود عراقيين أنذاك, لكن هذه الصالونات الثقافية أنحسرت أو تراجعت تقريبا واصبحت شبه معدومة في فترة حكم صدام حسين بالذات لان اكثر القائمين عليها من المعارضين لحكمه وخوفا من ان يندس رجال الامن والمخابرات الصدامية بينهم اصبحت هذه الصالونات الثقافية تعقد في الخفاء ومقتصرة على الاصدقاء المقربين فقط واستمر هذا الانحسار حتى بعد سقوط الصنم 2003 ولاسباب امنية ولكن بعد نسبية الاستقرار الامني عادت وظهرت الصالونات الثقافية من جديد ويوجد اليوم اكثر من عشر صالونات ثقافية في شارع المتنبي وحده في بغداد والملفت للنظر في نيسان 2009 اطلقت النائبة صفية السهيل صالونها الثقافي من داخل بيتها وهو على شكل مبنى مصنوع من حزم القصب، يعرف باسم «المضيف»، بني على غرار الطراز المعماري لمباني منطقة الأهوار في جنوب العراق. في يوم افتتاح هذا المضيف حضر اكثر من تمانيين شخصا من الرجال والنساء مستقبلين من قبل صاحبة الشأن من بينهم نواب في البرلمان، ومؤرخين، وأكاديميين، ومحامين، اي وجوه نخبوية عراقية وهذا يعني أن هذه الصالونات كانت ولا تزال أغلب جمهورها من النخب الادبية والسياسية والفنية كالشعراء والادباء وضيوف من نجوم الفن والرياضه والمحامات وغيرها وقليل ما يرتادها العامة . ونشير هنا ان اغلب الصالونات التي أطلقها النساء والرجال المهتمين بالشأن الثقافي العراقي جمهورها مختلط اي لا فرق بين رجل وأمرأة في دعم الحركة الثقافية في البلاد يعني لا يوجد جادر ولا فاصل ولا محرم ولا يحرم دخول النساء فيه او يعتبرهن ناقصات العقل والدين كما هو شائع اليوم بل بالعكس كانت المرأة العراقية مهتمة كما اخيها الرجل بالمدارس الفنية والادبية والتطورات السياسية وانعكاساتها على الساحة الثقافية !!! الامر الذي أزدهرت الحركات والمدارس الادبية والفنية في العراق وأزدهر العراق بمثقفيه و من المعروف أن صالون الفنان جواد سليم في الخمسينيات أحدث ثورة في الفن التشكلي على الصعيد العراقي والعربي . ولا تقتصر هذه الصالونات على بغداد فحسب وانما شملت أغلب محافظات العراق كصالونات ال قزوين وال الشلاه وغيرهم .وكان عمالقة الادب العربي كالجواهري والسياب ونازك من رواد الصالونات الثقافية في العراق ومشجعيها .أذن الصالونات الادبية كانت ولا تزال جزءا لا يتجزء من تراث وثقافة العراقيين وداعما لها .
ولكن لعب القدر لعبتة وطال العراقيين مصائب على يد اكبر طاغوت في العالم فهجروا وتشردوا وتفرقوا في كل بقاع العالم الا انهم لم ولن ينسوا هذا الوجه الحضاري في حياتهم رغم كل الظرف والمعانات من الهجرة والشتات والانقطاع عن الوطن وبمساعدة التطور الهائل في المنضومة الاتصالية والاعلامية والثورة التكنلوجية والشبكة العنكبوتية ظهرت هذه المرة صالونات ثقافية على الهواء مباشرة ليتجمع تحت رايتها عشرات العراقيين ومن مختلف بقاء الارض وهذه المرة من كافة طبقات المجتمع اي لا تقتصر على الوجوه النخبوية فقط وأنما تجد الطالب والاكاديمي والسياسي والاديب والفنان والصحفي والعامل والباحث والرياضي وكل محبي العراق ومن كلا الجنسين في غرف ما تسمى بالبالتوك.
أبن سمينه واحد من هؤلاء الساعيين لنشر ثقافة الحوار ونبذ العنف , فهو صاحب الصالون الثقافي المعروف بأسم عراق شمس الحرية جمع اكثر من 250 شخصا في غرفة افتراضية لا تشبه لا مكان ولا زمان ولا ضيوف النائبة صفية السهيل وبمعدل يومي وعلى الهواء مباشرة ولعلي اجزم أنهم أكثر حبا وأنتماءا للوطن , والكل يحضر هذه الغرفة الافتراضية للتعبير عما يجول بخاطره من هموم وانتقادات وتلميحات وتحليلات لتشخيص الاخطاء وتقويم العملية السياسية في العراق واصبح منتدى شمس الحرية يمدنا بالغذاء الروحي من قبل المحاويين والمعلقين كتابة ونطقا بدون ان يبحثوا عن جاه او كرسي وزاري او وجاهة اجتماعية وانما يجمعنا الانتماء لارض الرافدين عراق الجميع .
فابن سمينه او ابو احمد بالرغم من حضورنا اليومي غرفته الافتراضية هذه الا اننا لا نعرف اسمه الكامل او شكله ولكن عرفناه بقلوبنا ورسمنا له صورة بمخيلتنا (على الاقل انا ) انه ابن العراق ويحمل كل صفاته بكل وجوهها الحياتية المعروفه بكل قومياته واديانه وبساطه اهله الطيبين بكل ديمقراطيته وعنفوانه واحيانا دكتاتوريته عندما يتعصب للعراق واهله لان منتدى عراق شمس الحرية وكما يحب ان يسميه يضم ايضا ضيوفا عربية بهويات مختلفة كالسعودين والاردنييين والتونسين والمصريين وغيرهم وهذا يعني أن غرفه ابن سمينه تحولت الى مجتمع عربي مصغر بكل معاناته وتناقضاتة وطموحاته وأختلافاته . طبعا للتاريخ والامانة الصحفية توجد غرف عراقية اخرى تسعى ايضا لبث الثقافة بمختلف وجوهها سياسية كانت أم ادبية بين الصفوف العراقية المنتشرة في كل مكان من العالم والعربية ايضا الا ان غرفة ابن سمينه تفوقهم عددا في نسبة الحضور وتنوعا ثقافيا من قبل المحاورين , وعليه فرض علينا الزمن بحضارته التكنلوجية المتطورة وشتاتنا نوع جديد من الصالونات الثقافية لتعيد لنا اوجه الحياة الثقافية العراقية بنكهة تكنلوجية حديثة فهل ستحدث هذه الصالونات المفتوحة على الهواء ثورة ثقافيه سياسية او ادبية في يوما ما وعلى يد أين سمية كما فعلها الفنان جواد سليم !!
طيب لماذا هذا الاقبال على غرفة ابن سمينة ؟وماهي المواضيع التى تطرح فيها ؟ومن هم روادها ومحاضريها ؟ هل تستحق هذه الغرفة ان تكون صالونا ثقافيا عراقيا على الهواء مباشرة ام لا؟ مجموعة من الاسئلة الافتراضية يطرحها اي قارئ لهذا المقال ومن واجبي ان اضع لها على الاقل تفسيرا عقلانيا وبوجهة نظرني الخاصة المتواضعة !!!!
اولا - أن رواد الغرفة هم من عراقيين الداخل والخارج و من كافة القوميات و الاديان والانتمائات والثقافات ضيوف لا تراهم ولكنك تحسهم بمشاعرك من خلال انفعالاتهم وردود افعالهم تجاه تعبير ما او حديث ما وبمرور الوقت تقر بأنك تعرفهم كأنهم من افراد عائلتك بغض النظر عن هيئاتهم او ماذا يرتدون ولكنك تشم بهم رائحة العراق بأنسام امريكية ,لندنية ,هولندية ,برلينية, سويدية ,استرالية ,كندية ,نرويجية , وحيانا تعترضك منهم هبوب رياح عاتية (رياح السموم ) رياح رغم قساوتها وحرارتها وغبارها ولكنها وجه من المناخ الجغرافي للعراق لا يمكن ان يكون العراق عراقا بدونها .
أذن بهذا التنوع وهذه التشكيلة وهذا الثراء على كل الاصعدتي جعل التواجد له طعما ومذاقا اخرا يختلف عن المناخ الذي يقطنه الحضور في بلدان المهجر مناخا يحمل متناقضات عراقية متعايشة تحمل البناء والهدم في وقت واحد كما هي كرياتنا الدموية , مناخ تعرفه بكل تفاصيله الان انك ترغب في معرفة المزيد عنه مناخ لا تستطيع ان تركنه جانبا عنك مهما حاولت.
أما المحاضرون فلهم من الاساليب والانفعالات والهدوء في الطروحات ما لا توجزها الكلمات , نلمس منهم التفائل والامل والتعصب والتشاؤم واحيانا العنف والتهور ولكن بعد كل هذا يكون حسم الجولات على يد ابن سمينة الحكم المعنوي و بدون صافرة انذار او كارتات حمراء .
وبين الحين والاخر يدعو ابن سمينه رجالات معرفة من مختلف المجالات . للتحاور واغناء الجلسات .
ثانيا - لا يحتاج رواد ابن سمينة الى اي جهد لدخول غرفته لا مال ولا محسوبية وبمعنى أدق لا مواصلات ولا أموال ولا مواعيد فالباب مفتوح على مصراعية لكل من يريد ان يكون ضيفا عليه وهذه الميزة الغت الفوارق بين كافة الشرائح وبمختلف الاتجاهات والقدرات .
ثالثا - الحرية في الطروحات فأغلب المحاورين والمتداخلين يتمتعون بحرية الرأي والنقد بعيدا عن التملق و النفاق وأن وجد من هذا النوع فيكون مكشوفا لدى الجميع يستمعون اليه عن مضض . ناهيك عن الذوق الرفيع والمعاملة الحسنة التي يتمتع بها أدمنية الغرفة .
رابعا - اغلب الموضوعات يضفي عليها الطابع السياسي وان وجدت مواضيع ادبية او دينية او فنية أو رياضية الا ان السياسة لازال وجودها صارخا في حياتنا وما اضفى عليها من أنية وحركة تحليلية هو ما يجري في العراق وكافة البلدان العربية كاحداث تونس ومصر وما رافقتها من متغيرات على الساحة السياسية العامة .
ناهيك عن روح المشاكسات والمشاجرات والعناد لكنها تبقى ضمن المنطق وتلطيف الاجواء .
وبهذا نكون قد دخلنا مرحلة الصالونات الثقافية العراقية المباشرة وبمشاركة كل الاطياف العراقية ومن كلا الجنسين ندعو ان يعمها كتابنا وادبائنا وسياسيينا لنبني جسور الحوار والتواصل والتفاعل مع الجميع .والتاريخ أكيد في يوما ما سينصف من قام بخدمة شعبه باي شكل من الاشكال وعلى رأي المتنبي حين قال .
وكل أمرئ يولي الجميل محببّ ------------------ وكل مكان ينبت العز طيب
أ.د.أقبال المؤمن