الصحفي بين الحاجة وشرف المهنة في اليوم العالمي للصحافة 3/5
علي حسين عبيد/كثيرة هي المناسبات الهامة في حياة الانسان، منها ما هو فردي يتعلق بالشخص وحياته وذكرياته ومنها ما هو ذو طابع انساني جمعي كما هو الحال مع هذه المناسبة التي نعيشها هذه الايام وأقصد بها اليوم العالمي لحرية الصحافة.
وهي مناسبة تتطلب منا كصحفيين ان نناقش بعض شؤوننا، فشلنا ونجاحاتنا، معوقات العمل الصحفي ومشجعاته وغير ذلك، الامر الذي يلقي علينا مسؤولية الطرح الصادق والمعالجة ذات الطابع الجريء والواقعي في آن واحد.
ولو حاولنا ان نناقش طبيعة عمل الصحفي وعناصر النجاح او الفشل فيها، فإننا سنتذكر مقومات الوسط الذي يتحرك فيه الصحفي ومدى هامش الحرية المتاح له وهو يؤدي مهنته ذات الفن الرفيع بشرف واخلاص وتجرد.
فالوسط السياسي على سبيل المثال سيؤثر سلبا او ايجابا على عمل الصحافة، ومن بداهة القول ان نربط بين وعي السياسيين والعمل الصحفي بصورة عامة، فكلما كان السياسي اكثر وعيا وثقافة موسوعية كلما كان التعاون بين الطرفين الصحفي والسياسي مثمرا وبنّاءً، ويصح العكس تماما، وقد يندرج هذا الطرح في المجالات الحياتية كافة، بمعنى ان الوعي الذي يتحصَّل عليه القائد الاقتصادي مثلا سيؤدي الى علاقة ايجابية مع الصحافة وبالعكس.
من هنا نستدل على ان المسؤولية مشتركة بين العنصر الصحفي المتحرك وبين الاقطاب الأخرى، فالفشل الذي قد يعاني منه السياسي في التعاطي مع العملية الاعلامية بشكل عام والصحفية بشكل خاص قد لا يكون هو الطرف الوحيد المسبب لذلك الفشل، انما هناك الطرف المقابل وهو الصحفي الذي ينبغي ان يتوافر على شروط عمل هامة تقع في المقدمة منها الموضوعية والنزاهة والقدرة على الرصد والتحليل والتمييز للوقائع ومسبباتها وجميع العناصر التي تشترك في صنعها.
واذا تذكرنا بأن الوسط المنتج للسياسيين وطبيعة ودرجة وعيه هي التي تتحكم بدرجة وعي وصلاحية هذا السياسي او ذاك في قيادة البلد فإننا سنصل الى ان الصحفي هو نتاج المحيط نفسه وبالتالي قد يترتب على ذلك قصور مماثل في وعي الصحفي وهنا ستنشأ عملية تعاضد بين الاثنين السياسي والصحفي لافشال المهمة الملقاة على عاتقهما سواء كانت سياسية او صحفية، بمعنى اننا سنرصد عملية توافق بين الاثنين، فالصحفي سيغض الطرف عن الحقائق مقابل سد حاجته المادية من قبل السياسي الذي يكون مستعدا للتعويض مقابل المديح او الصمت في اضعف الحالات.
ومثل هذا العمل الصحفي هو ما ادّى الى مستويات متردية للعمل الصحفي والسياسي في آن واحد، ولعل الامثلة هنا كثيرة وهي في متناول اليد دائما.
لذلك يرى المراقبون ان الصحافة الناجحة هي تلك التي لا تخضع لصانع القرار السياسي، وان درجة الفصل بين الإثنين هي التي تتحكم بصدقية وموضوعية وفاعلية الصحافة، والعكس يصح تماما، فالسياسي الذي لا يتملق الصحفيين ولا يشتري ذممهم تحت وطأة الحاجة المادية (وهو عذر غير مسموح به ابدا) هو بالنتيجة سياسي منتج وناجح وقائم بمهامه على الوجه الأمثل، كما ان الصحفي الذي يضع الموضوعية وكشف الحقائق كما هي نبراسا يهتدي به في عمله سيكون هو الصحفي المطلوب وحتما هو نتاج محيط واعي متطور وقادر على الفصل بين الحاجة المادية وشرف المهنة.
ولعلنا لا نغالي هنا اذا قلنا ان شيوع ظاهرة الهدايا العينية والنقدية التي تُمنح للصحفي والاعلامي بشكل عام، سواء من لدن السياسي أو غيره، هي نتاج محيط غير معافى ويعاني من قصور في الوعي إن لم نقل في الاخلاص والوطنية، وهنا يشترك كلا الطرفين في هذا الاخفاق، ومع ان هذه الظاهرة لم تكن وليدة الحراك الراهن في العراق مثلا، إلاّ انها كظاهرة اصبحت عامة وصارت ملازمة للمشهد الاعلامي الصحفي الراهن.
وقد يتحجج البعض بالصعوبات المالية التي يعانون منها، إلاّ ان شرف المهنة لا يتيح لهم مثل هذه الحجج ولا يقبلها، كما ان بعض السياسيين قد لا يرون ضيرا في منح الصحفيين بعض الهدايا مقابل اعمالهم، ولكن الامر سيكون مخجلا ومعيبا ومقصودا وكأنه يشبه الرشوة تماما.
وفي هذا اليوم الذي يشكل مناسبة صحفية هامة على المستوى العالمي ينبغي علينا جميعا لاسيما من يهمهم الامر من الصحفيين والسياسيين وغيرهم، أن نتعاون لكي نحافظ على شرف المهنة الصحفية، لأن نجاحنا في هذا الجانب يعني نجاحا سياسيا بل حياتيا شاملا وهذا ما تهدف إليه الشعوب المتطلعة الى حاضر وغد مشرقين، ويمكن أن نضع هنا بعض الخطوات التي يمكن ان نسير عليها للوصول الى الغاية المثلى في هذا المجال:
1- أن يكون الوعي السياسي والصحفي متقاربا من حيث النوايا والاهداف.
2- أن يكون الصحفي صاحب زمام المبادرة في الاستقلال التام عن صانع القرار السياسي لاسيما في جانب الحاجة المادية.
3- أن تعمل المنظمات المانحة غير الرسمية على سد حاجة الصحفي المادية او جزءً منها ضمانا لاستقلاليته.
4- أن يعي السياسي ان نجاحه كصانع للقرار يكمن في اسناده وتعميقه للعمل الصحفي ودعم استقلالية .
5- أن يكون هناك فصل حقيقي بين الصحافة وبين السلطات الحكومية لاسيما التنفيذية منها.
6- أن تتشكل منظمات محلية واقليمية وعالمية داعمة للصحافة المستقلة.
7- أن يتم رصد الصحفيين ممن يسيئون لشرف المهنة وفضح نهجهم ومعاقبتهم من الجهات ذات العلاقة كنقابة الصحفيين او غيرها.
8- أن تسهم الجهات ذات العلاقة (غير الرسمية) بتطور الصحفيين من خلال إقامة الدورات التدريبية التوعوية وما شابه سواء في داخل المحيط المحلي او خارجه.
9- أن يفهم الصحفي أهمية وخطورة دوره في تطوير المجتمع وأن يجعل من الحس الوطني الانساني معيارا لمزاولة نشاطه اليومي.
ان مستوى الشعوب يقاس اليوم بمستوى الصحافة والصحفيين، فالمتقدمة منها هي التي تتمتع بمستوى صحفي مهنى مستقل يمارس الضبط والنقد والرقابة على السلطات الحكومية، كما ان الشعوب المتخلفة هي التي فيها صحافة هامشية تابعة للدولة حيث يزيّن ويجمّل الصحفي للسلطة كل أخطاءها واستبدادها وفسادها.
* مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام
http://annabaa.org