الصحفي: بين مسؤوليته المهنية وتقبله للهدايا
تمثل الصحافة سلطة رابعة في الدولة الديمقراطية وهي السلطة التي تقوم بعمل رقابي لعمل سلطات الدولة الثلاثة (التشريعية، التنفيذية والقضائية)، وتقوم من خلال عملها بالكشف عن المسيء ومن يتجاوز ويخترق القانون أمام الرأي العام عن طريق وسائلها المعروفة (المسموعة، المقروءة والمرئية)، وتقوم أيضاً بالثناء على من هو مجد ومخلص في عمله والتركيز عن الجوانب الايجابية في مختلف مجالات الحياة.فمهنة الصحفي محفوفة بجملة من المخاطر، فهم-أي الصحفيون- يتعرضون لأنواع المضايقات والتنكيل وبخاصة في بلد مثل العراق لا تزال آثار الحكم القمعي والشمولي موجودة على تصرفات العديد من مسؤولي الدولة، ومحاولات التضييق كثيراً ما تحدث حتى في المناسبات المنظمة والمرتبة وبخاصة من حمايات المسؤولين في الدولة أو من أقرب الناس للصحفيين كرجال العلاقات العامة ومسؤولي الإعلام في كثير من مؤسسات المجتمع وبخاصة من أولئك الذين يحبون الظهور أمام الأضواء.
فالمهنية والبحث عن الحقيقة بشقيها الايجابي والسلبي، هي مهمة الصحفي الناجح الذي يسعى إلى النجاح في عمله ويمثل سلطة رابعة تضاف إلى سلطات الدولة التي تم ذكرها.
ففي دول مثل العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال ودول أخرى لا تتمتع بالاستقرار الأمني أو السياسي، تتعرض مهنة الصحافة إلى صعوبات جمة، ولو أخذنا العراق كنموذج، لوجدنا الصحفي صاحب قضية كبرى ومهمة شاقة في عرض الحقائق والدخول إلى معترك الأحداث الساخنة التي تعج بها الساحة العراقية، وبخاصة في مجال متابعة المسؤولين الفاسدين داخل دوائر وأجهزة الدولة-وهي القضية الأكثر خطراً- ومحاولة فضحهم وتعريتهم من خلال الصحافة.
ولكننا نجد البعض من الصحفيين وللأسف يقبل هدايا غير مشروعة أو من غير مناسبة تقدم له من قبل هذا المسؤول أو ذاك، ولو نظرنا إلى الأمر بروية لوجدنا إن المسؤول الفاسد وحده الذي يغدق بالهدايا على من يريد أن يمدحه ويثني عليه أو يسكت عن فساده.
وبقبول الصحفي لهدايا المسؤولين يكون أما مسؤولية رد الجميل لمن أغدق عليه بالعطاء والذي يأمل منه المزيد، وبذلك تغل يده ويشل لسانه حينما يرى القصور أو الفساد يصدر من المسؤول، إذ انه يبقى بين البحث عن الحقيقة وذكرها وهو ما يمليه عليه واجبه المهني من جهة وبين مجافاته لها والعرفان بالجميل نتيجة الكرم المنتظر من المسؤول الفاسد أو حتى المقصر في أدائه لعمله من جهة أخرى، بل قد يتعدى الأمر السكوت عن سلبيات المسؤولين ليصل إلى مديحهم رغم الفساد والفشل الذي يظهر منهم.
من هنا تفقد السلطة الرابعة بصرها ولسانها وتتهيأ لتدور في شبكة الترويج والتطبيل لمن يمد يده إلى جيبه ليشملها بالعطاء، وهذا حال الدنيا منذ أن اشترى الحكام والملوك ألسنة الشعراء بدراهمهم من أجل الترويج لهم إعلامياً والثناء عليهم ومدحهم بدون وجه حق.
ومن خلال هذا التلازم بين المسؤول الفاسد والصحفي الذي يقبل الهدايا بدون وجه حق، يصار إلى هدم ركن أساسي من أركان رقابة الرأي العام على أجهزة الدولة من خلال الصورة التي تنقلها السلطة الرابعة بكل صدق وأمانة.
قد لا يمكن منع الصحفي من تقبل الهدايا، ولكن عليه اولا أن يفهم الدافع الحقيقي وراء الهدية والمناسبة ومن يقوم بتقديمها له، وحينئذ يجب عليه ان يحترم مهنته ورسالته التي يقوم بتأديتها ويرفض مثل تلك الهدايا مهما يكن حجمها ونوعها ومهما تكن صفة الشخص الذي يقوم بتقديمها.
وقد تكون الهدايا المقدمة إلى الصحفي هي نتيجة لجهود بذلها في كشفه لقضية ما والتي من شأنها المساعدة في رفد الجهات المعنية بحقائق مهمة في مسألة معينة، وبذلك يجب عليه أن يحيط الجهة التي يعمل معها علماً عن جميع المكافئات والهدايا التشجيعية والتقديرية الحاصل عليها من خلال عمله الصحفي لتضاف إلى سجله فيها.
إن من يحترم مهنته سوف يكون موضع احترام الآخرين مهما يكن حجم العمل الذي يؤديه، وأولى الأعمال بالاحترام هو العمل الصحفي المهني الذي من خلاله يستطيع الرأي العام بناء مواقفه والاطلاع على مواقف الآخرين.
لذا يجب أن يصار إلى وضع مواثيق ومعايير خاصة تٌحَمّل من يريد أن ينال شرف الأمانة الصحفية المسؤولية الأخلاقية أمام جمهوره ومتابعيه والمسؤولية القانونية أمام المنظمات والنقابات والمؤسسات التي يتبعها، وإلا سوف لا يختلف كثيراً عن المسؤول الفاسد أو الذي يستخف بأدائه لعمله الوظيفي.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com