Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الضريبة العراقية بين عهدين

الضرائب هي التزام مالي تتقاضاه الدولة من الأشخاص والمؤسسات تبعا لما يتحقق من دخل أو أرباح بهدف توظيفه للصالح العام . وهناك عدة أنواع من الضرائب تختلف من دولة لأخرى وقد يختلف المسمى والقيمة والنسب لنفس الضريبة أيضا بين بلدٍ وآخر .
وقد ارتبط مفهوم الضريبة بحقوق المواطنة والمصلحة العامة في التاريخ السياسي الحديث ، فحيثما وجدت أنظمة ديمقراطية تحترم الإنسان والقانون وجدت الضريبة لخدمة الحقوق والواجبات للفرد والمجتمع ، وقد تطور مفهوم الضريبة بتطور المجتمعات وتعقد بنائها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لتصبح الضريبة أحد أهم أدوات السياسة المالية المعتمدة من قبل الدول لسد فجوة الموارد المحلية واحتياجات المواطنين ومؤشرا مهما لتميز تيار سياسي عن غيره في رؤاه الإستراتيجية وسياسته الاقتصادية ذلك للارتباطات المعقدة بين الضريبة والتحولات الاقتصادية وآثارها السياسية والاجتماعية على الدولة والمجتمع . لذا احتلت الضرائب مركزا متميزا في الدراسات المالية إذ كانت الضريبة ولا زالت الوسيلة الرئيسية والمهمة في تحقيق أهداف الدولة في العديد من دول العالم وخاصة الدول ذات الموارد والثروات الطبيعية والصناعية المحدودة ، ليس لاعتبار الضريبة إحدى المصادر الرئيسية للتمويل فحسب بل أيضا كوسيلة إستراتيجية فاعلة تمكن الدولة من التدخل الإيجابي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حيث تسهم الأموال المستحصلة من الضرائب في تمويل نفقات الدولة لكافة القطاعات كالصحة والتعليم والخدمات الأخرى ورفع مستوى البنى التحتية وتدعيمها وتنشيط السياسات الاقتصادية كدعم سلع أو قطاعات أو أنشطة اقتصادية معينة أو تحسين الدخل الفردي وبرامج الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي والتأمين وتوفير فرص العمل ومعالجة أزمة البطالة .
كما أن للضرائب دور حيوي في السيطرة على السوق المحلية واحتواء الأضرار الناجمة عن بعض السلع ذات الآثار السلبية أو تحجيم استهلاكها قدر الممكن من خلال زيادة الجدران الكمركية والقيمة الضريبية على تلك السلع مما يضيق سعة استهلاكها لارتفاع أسعارها في السوق المحلية .
ولتحقيق هذه المعطيات والوصول إلى الأهداف الإستراتيجية المرجوة تحتاج الدولة إلى جهاز ضريبي كفء ومحترف ذا أنظمة وإجراءات سليمة وشفافة ودقة في المعطيات المعتمدة أثناء تحصيل الضرائب للاطلاع على النتائج وتقييم مدى نجاح السياسة الضريبية أو إخفاقها أو انسجامها مع احتياجات الخطط التنموية وقدرة المكلفين على التعامل مع مفردات قوانين الضرائب وتكيف مؤسساتهم ومشاريعهم مع ذلك .
أن المراجعات المستمرة للقوانين الضريبية وتحديثها يحفز النمو الاقتصادي ويطور قطاعات الدولة بما يتلاءم مع الظروف الحالية للبلد والاحتياجات المستقبلية بما يخدم العملية التنموية . وتتطلب هذه التحديثات الموازنة الدقيقة بين مستوى الدخل الفردي والحجم الإنتاجي للمؤسسات وبين متطلبات الدولة من رفع أو خفض للنسب الضريبية إذ يجب أن لا ترتفع بالمعدل الضريبي لدرجة يستحيل معها إيفاء المكلف بالتزاماته ويدفع إلى مقاومة واسعة النطاق ونتائج عكسية قد تتطور بشكل خطير وكذلك الانخفاض الحاد للمعدل لن يكون ناجعا وقد يضر بالمصلحة العامة . والمستحسن تحديد معدل مرتفع نسبيا لإنتاج ما يكفي من الإيرادات ، لذا تلعب الإحصائيات والاستطلاعات وإعداد قاعدة بيانات دقيقة دورا هاما في أغناء القوانين الضريبة وانسجامها مع الواقع الاقتصادي لإنجاح الخطط التنموية والسياسة الاقتصادية للبلاد .
وكما اختلفت الضرائب ونسبها ومسمياتها من دولة لأخرى كذلك اختلفت القوانين الضريبية في العراق بين العهد السابق والعهد الجديد ، وسنشير هنا إلى تلك الاختلافات بصورة عامة .
الضريبة في العهد المباد :
اتخذت الضريبة في العهد المباد شكلا غريبا يتناسب مع غرابة ذلك النظام وسياساته الهدامة إذ كانت الضريبة عبئا تعسفيا على المواطن والشركات والدولة العراقية حيث لا تخضع لأية معايير اجتماعية أو اقتصادية أو حتى سياسية إذ السياسة آنذاك هي عبارة عن رغبات ونزوات رأس النظام الذي وظفّ كافة الثروات والعائدات الوطنية لتهديم البنى التحتية والبنية الاقتصادية والاجتماعية بحروب غبية أنهكت الاقتصاد الوطني .
وفي النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي أصيب النظام بسعار ضريبي بلغ ( 40% ) على الدخل الفردي والمؤسساتي وقد اختلفت هذه النسبة باختلاف نوع الضريبة وأشكالها حيث وصلت الرسوم الكمركية على بعض السلع إلى (100% ) وأضعاف هذا الرقم أحيانا . وقد أدى جميع ذلك إلى تدني المستوى المعيشي إلى تحت خط الفقر بكثير وانهيار اقتصادي تام حصدت نتائجه الكارثية حكومات ما بعد السقوط مضافا إلى الديون الضخمة .
خلقت ضرائب العهد السابق فجوة عميقة بين الدولة والمجتمع ما زالت آثارها واضحة في التهرب الضريبي من قبل الأشخاص والشركات رغم التحسن الكبير في الرواتب وأجور العمل على المستوى الفردي أما على مستوى الشركات والمؤسسات فرغم الفوضى الأمنية والاضطراب السياسي وتأثير ذلك على الأنشطة المؤسساتية إلا أن المشكلة ستظل قائمة حتى بعد استقرار الأوضاع ما لم تعمل الحكومات الجديدة على كسب ثقة المواطن العراقي من خلال تثقيف ضريبي يوضح لدافعي الضرائب أهمية ما يؤدوه من أموال في إنعاش الاقتصاد الوطني الذي يعود خيره على الجميع ومع مراجعة قوانين الضرائب السابقة وتطويرها واعتماد الأساليب العلمية وليس التخمينية التي تفتح أبواب الرشوة والفساد المالي وتغلق أبواب العدالة الضريبية بوجه المواطن مما يعمق الفجوة ويوسعها .
الضريبة في العهد الجديد :
منذ الإطاحة بالنظام المباد وسياساته التدميرية اهتمت الدولة العراقية بتطوير سياساتها الاقتصادية وتنشيطها بما يحقق الغايات المرجوة ويتناسب مع المستوى الاقتصادي المأمول للدولة العراقية ومؤسساتها ومواطنيها من خلال استثمار الثروات الوطنية وتشجيع الاستثمارات ودعم النظم الاقتصادية ، وكان للضرائب حصة من هذا الاهتمام حيث تضمن النظام الضريبي الجديد سماحات شخصية عامة وإعفاءات ضريبية للشركات والأفراد كمركية وعقارية وإنتاجية ... الخ ، وقد خفضت النسبة الضريبية من ( 40% ) في العهد السابق إلى ( 15% ) كحد أقصى في العهد الجديد ، إلا أنها لم تعالج الكثير من المشاكل الضريبية الموروثة كما أهملت مشكلة الضريبة التخمينية التي تشكل خطرا على المواطن والدولة معا حيث يقع دافعوا الضرائب ضحية لجشع لجان التخمين التي لا تتمتع بأي نزاهة أو إخلاص في العمل وذلك من خلال فرض نسب ضريبية مرتفعة جدا غير صحيحة لإجبار المواطن أو الشركة على دفع الرشوة ومن ثم تخفض النسب أو تلغى تماما مما يضيع على الدولة والمستفيدين من الضرائب الكثير من الحقوق والأموال ، وثمة جانب مهم لم يحظى بالاهتمام وهو أن الضرائب يجب أن تراعي المستوى المعيشي للمواطنين إذ أن فرض الضرائب على مواطن ما زال بحاجة للكثير من المتطلبات الأساسية أو لديه أسرة كبيرة كل ذلك يشكل عبئاً مضاف يثقل كاهله . يجب أن يتمتع دافعوا الضرائب بحياة كريمة خالية من العوز لكي يؤدوا للدولة التزاماتهم الضريبية دون أن يؤثر ذلك على دخولهم ومستواهم المعيشي واحتياجاتهم الشخصي والأسرية .
وكما أن الضرائب تشكل جزءا هاما من إيرادات الموازنة قد تقترب في بعض الأحيان من نسبة إيرادات النفط إلا أن الضرائب الغير مباشرة والإعفاءات الكمركية والضريبية على السلع والخدمات والتجارة والمعاملات الدولية التي اعتمدت في العام الأول بعد سقوط النظام وما زالت حتى الآن أدت إلى تدهور اقتصادي مضاف لما قبله كما عطلت بالكامل القطاعين الصناعي والزراعي وحولت العراق إلى سوق استهلاكية غير خاضعة لأية معايير أو ضوابط قانونية أو صحية أو بيئية أو اقتصادية .
وبعد تشكيل مجلس الحكم والحكومة المؤقتة بدأت الخطوات الجدية نوعا ما لتلافي هذه المشكلة لكن الشلل التام الذي أصاب القطاعين الصناعي والزراعي وغيرهما يتطلب من الحكومات العراقية اهتمام أكبر بالضرائب والرسوم الكمركية وكذلك الضرائب الغير مباشرة التي يتحمل عبئها المستهلك العراقي لوحده والتريث المؤقت عن الانضمام لمنظمة التجارة العالمية التي يتطلب الانضمام إليها إعفاءات ضريبية وكمركية قد تجهض أي أمل لتحسين القطاعات الإنتاجية المحلية والإبقاء على أزمة البطالة بدلا من معالجتها أو تقليصها للحد الأدنى .
وبالنظر للأهمية الإستراتيجية للضريبة وكذلك حاجة الدولة إلى إيرادات غير نفطية ومقارنة ذلك مع واقع الاقتصاد العراقي المتردي وقطاعاته المشلولة نعرض النقاط التالية .
• تخفيض الضرائب والرسوم الكمركية على السلع والأنشطة الصناعية والزراعية بما يعزز هذان القطاعان وغيرهما من القطاعات الإنتاجية الوطنية مع توفير الدعم الحكومي للقطاعات الإنتاجية المحلية لتحقيق الانتعاش والاستقرار الاقتصادي والتقدم الحضاري المرجو للعراق .
• إعفاءات ضريبية متوازنة تسهم في تنشيط الإنتاج الوطني وتساعد الدولة على الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية من خلال صياغة محكمة لقانون الضرائب الغير مباشرة تراعي مصلحة المواطن العراقي ومعالجة أعباء الضرائب الغير مباشرة التي يتحمل أعبائها المستهلكين والتجار والصناعيين دون وجه حق وكذلك الاقتصاد العراقي .
• المتابعة الدقيقة والمستمرة لقاعدة البيانات الضريبية لتطويرها خدمة للصالح العام والخطط التنموية .
• اعتماد المعايير والنظم العلمية الرصينة وإعادة صياغة قوانين الضرائب وتهذيبها من الشوائب والأساليب المتخلفة بشكل جديا وبما يتناسب مع الواقع العراقي والمتطلبات الاقتصادية الوطنية والدولية .
• الإلغاء النهائي للضريبية التخمينية والمراقبة الصارمة النزيهة لمعتمدي جباية الضرائب واختيارهم حسب الكفاءة والنزاهة والإخلاص في العمل .
أن الانتقال من مرحلة التخبط السياسي والاقتصادي السائدة في العهد المباد إلى مرحلة جديدة نتطلع أن ترتقي بالعراق على جميع الأصعدة تتطلب منا إعادة النظر بالكثير من الآليات والسياسات السابقة ووضع الإستراتيجيات التي توفر للعراق أسباب اللحاق بالركب الحضاري المتسارع وبما يتناسب والإمكانيات والأدوات المتاحة المادية والبشرية .
Opinions
الأرشيف اقرأ المزيد
على ارض كلية التربية الرياضية بالجامعة المستنصرية ، معرض الكتاب الرياضي العراقي الأول شبكة اخبار نركال/NNN/بولس تخوما/ تضيف كلية التربية الرياضية في ألجامعه المستنصرية معرض الكتاب العلمي الأول في من أجل إدارة أفضل للتنفيذ عقود النفط - ثانيا آليات السيطرة على عقود النفط ينبغي الإشارة هنا إلى أن الشروط التي تحدثنا عنها في الحلقة السبقة، تعتبر هي الدليل الذي ينبغي محامو صدام يطالبون المحكمة الجنائية الدولية بالتدخل فـي محاكمته طالب محامو الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين الخميس بتدخل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في محاكمته بالعراق. وقال الفرنسي إيمانويل لودوت أحد أفراد هيئة الدفاع عن صدام إن الرئيس العراقي السابق يجب أن يعتبر أسير حرب بمقتضى اتفاقية جنيف. التنظيم الارامي الديمقراطي يستنكر تصريحات الرئيس السوري بشار الاسد في بيان شديد اللهجة استنكر التنظيم الارامي الديمقراطي ما وصفه بالشتائم والتهجم السافر على رئيس الوزراء اللبناني الاستاذ فؤاد السنيورة
Side Adv2 Side Adv1