الضغط على الشيعة يتيح لأميركا حلفاء جددا في العراق
14/04/2006بغداد - جوناثان فاينر* : أثارت الزيارة التي قامت بها كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية الى بغداد مؤخرا، لحث القادة العراقيين على الاسراع في تشكيل حكومة جديدة، قدرا من التشكي حول تدخل الولايات المتحدة في الشؤون العراقية.
ووصف حزبي الزيارة بأنها «مناورة» لإقصاء السياسيين عن ممارسة حقوقهم الديمقراطية الجديدة. وقال متحدث رسمي باسم رجل دين متنفذ، إن حضورها «لم يكن مرحبا به»، متهما رايس بأن لها «نوايا مشبوهة».
والأكثر غرابة هو أن الاتهامات جاءت من زعماء شيعة، هم من حلفاء الولايات المتحدة منذ غزو العراق عام 2003، بينما وجه الزعماء العرب السنة، الذين تناول بعضهم العشاء مع رايس في الليلة الوحيدة التي قضتها في بغداد، شكرهم لها ولزلماي خليلزاد السفير الأميركي في العراق، لما وصفوه بروح الانصاف الجديدة لهما.
وقال طارق الهاشمي، الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي، الذي مثل سائر الأحزاب السنية، قاطع انتخابات يناير(كانون الثاني) 2005 وظل يدين الاحتلال الأميركي في كل مناسبة «نظرت في عيني كوندي وقلت لها: أظهر سفيركم شجاعة فائقة وهو يقوم بعمل رائع في العراق». وخلال الأسابيع الأخيرة كان هناك ضغط متزايد على الزعماء الشيعة العراقيين، بما فيها إصدار تصريحات تشير إلى المخاطر التي تشكلها الميليشيا الشيعية، مع قدر من عدم التشجيع على ابقاء رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري في منصبه وتوجيه اتهامات للجارة إيران بقيامها بتغذية عدم الاستقرار في العراق.
وجرت حملة مداهمة نفذتها قوات عراقية ـ أميركية في الشهر الماضي على مجمع ديني وسياسي في بغداد، يضم مكتبا لحزب الدعوة الذي يرأسه الجعفري، زعم أنه يؤوي عناصر مطلوبة من الميليشيا الشيعية، وهذا ما أدى إلى تعميق الصدع بين الولايات المتحدة والزعماء الشيعة. وقد تشكى بعضهم علنا من «خيانة» الولايات المتحدة لهم وقارنوا الموقف الدبلوماسي الأميركي الأخير برفض الأميركيين دعم الانتفاضة الشيعية الفاشلة ضد صدام حسين خلال عام 1991.
وقال عدنان الكاظمي، أحد مستشاري الجعفري «هناك الكثير من الأحاديث في الشارع وبين السياسيين تقول إن الأميركيين أصبحوا صعبين مع الشيعة ويفضلون السنة عن طريق مكافأتهم، أملا بأن يلقوا أسلحتهم ويوقفوا مقاومتهم المسلحة. وهناك خوف وقلق من ذلك».
وبقي السياسيون الشيعة عاجزين عن حل مأزق رئيس الوزراء، فيما استمرت الاحزاب السنية التي يعارض معظمها ترشيح الجعفري، في كسب الوقت. وتعود الأواصر بين الولايات المتحدة والقيادات الشيعية العراقية إلى عقد التسعينات من القرن الماضي، حينما بدأ المسؤولون الأميركيون بالتخطيط لإسقاط نظام صدام حسين، بمساعدة أوساط المنفيين العراقيين، التي يهيمن عليها قادة شيعة مثل الجعفري واياد علاوي، الذي أصبح لاحقا رئيس وزراء العراق الانتقالي، وأحمد الجلبي الذي قدمت منظمته قبل الحرب معلومات استخباراتية ساعدت على شن الحرب ضد صدام حسين، لكن هذه المعلومات غدت في ما بعد موضع شكوك واسعة.
يعترف المسؤولون الأميركيون في جلساتهم الخاصة، إن علاقاتهم بالكثير من الزعماء الشيعة تراجعت، لكنهم يقولون إنهم حريصون على إبقاء أواصر قوية مع الشيعة الذين يشكلون نحو 60% من سكان العراق. وقال مسؤول أميركي «عليك أن تتذكر دائما أن الشيعة سيكونون أكثر القوى أهمية في الحكومة. ونحن سنعمل معهم».
وتعبيرا عن ذلك قدمت رايس، أثناء زيارتها الأخيرة للعراق، شكرها لآية الله علي السيستاني، تقديرا لـ«حكمته وشجاعته وقيادته».
مع ذلك فإن رايس أثنت على السياسيين السنة بشكل مفرط. فبعد عشائها في بغداد الذي شاركها، إضافة إلى الهاشمي والقادة الأكراد، صالح المطلك السياسي السني الذي يتهم بأواصره مع جماعات من المتمردين، أشارت رايس إلى «النضج المتميز للزعامة السياسية السنية». وفي مقابلة لاحقة مع محطة (سي بي أس) اعتبرت دخول السنة للمعترك السياسي «واحدا من أكثر التطورات أهمية» خلال العام الماضي. وقال المطلك والهاشمي وغيرهما، انهم تمكنوا أخيرا من إيصال أصواتهم الى الادارة الاميركية، وهو ما انعكس في التصريحات الأخيرة لخليلزاد ومسؤولين في واشنطن.
وظل الزعماء السنة يتهمون الميليشيات الشيعية بتنفيذ عملياتها انطلاقا من وزارة الداخلية، حيث تقوم بتنظيم فرق الموت والسجون السرية. وردا على عنف الميليشيات الذي تفجر بعد تفجير الروضة العسكرية في سامراء في فبراير (شباط) الماضي، قال مسؤولون اميركيون إن التعامل مع الميليشيات يجب أن يكون واحدا من الأسبقيات بالنسبة للحكومة العراقية الجديدة. وقال الهاشمي «كانوا يقولون لي إنني أبالغ. لكن بعد 22 فبراير اصبح صوتنا واضحا جدا حول الميليشيات وكان ردهم مشجعا جدا فهم اعترفوا بالمخاوف التي أعلنا عنها».
كذلك فإن تصريحات خليلزاد الأخيرة حول إيران، التي تتهمها الولايات المتحدة بتدريب وتسليح ميليشيات شيعية، إضافة إلى مجاميع من المتمردين السنة، قد عكست الشكاوى التي طرحها الزعماء السنة لفترة طويلة. وقال المطلك، إنه أخبر رايس أثناء العشاء بأن التوتر الطائفي بين العراقيين السنة والشيعة برز في العراق مع غزو الولايات المتحدة عام 2003. وأضاف «لست متأكدا في ما إذا وافقت أم لم توافق، لكنها استمعت إلي. حينما جاء الأميركيون إلى العراق انحازوا تماما إلى جانب الشيعة. وأظن أنهم أصبحوا أكثر عدلا الآن مما كانوا عليه من قبل، فهم أدركوا أنهم لا يستطيعون حل المشاكل في العراق بدوننا». ويقول الزعماء السنة إن الموقف الأميركي الجديد فتح الطريق لحوار بين المسؤولين الأميركيين والجماعات المتمردة التي يقودها السنة. وبينما تجنب خليلزاد الكشف عن التفاصيل، فانه اعترف بأن اتصالات من هذا النوع جرت خلال الأسابيع الأخيرة. وبين القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات، تسليم المتمردين للسلاح وعفو على بعض الأصناف من المتمردين وضم أكثر السنة إلى قوات الأمن العراقية وتقديم دعم اقتصادي للمناطق السنية الفقيرة وجدولة الانسحاب الأميركي من العراق. وقال المطلك «أظن أنهم إذا تمكنوا من الوصول إلى اتفاق مع تلك الجماعات سيتمكنون من الوصول إلى جماعات أكبر. وهذا ليس سوى بداية». * خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»