Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الطبقة السياسية في العراق تتحاور عبر المفخخات والعبوات الناسفة

habeebtomi@yahoo.no
تشكلت الدولة العراقية الحديثة في سنة 1921 من قبل بريطانيا وعلى خلفية تفكك الأمبراطورية العثمانية ، وتتويج الملك فيصل الأول ملكاً على العراق ، يمكن الزعم ان هذا الملك ، الذي لم يكن عراقياً لكنه عمل من اجل وحدة العراق ومن اجل إرساء دعائم دولة عراقية حديثة ، وبعد 38 سنة سقط النظام الملكي بيد مجموعة من الضباط المغامرين لمعظمهم افكار قومية عروبية ، عازفين على وتيرة الوطن العربي الواحد دون الألتفات الى مصلحة الوطن العراقي اولاً ومن ثم الوطن العربي ، وكانت الأفكار الناصرية العروبية لاهبة لمشاعر الملايين في العالم العربي ، وبعد ذلك كانت سلسلة من الأنقلابات ، الى ان استقر البعث في الحكم ، لكن فترة البعث كانت ايضاً زاخرة بالحروب والصراعات الداخلية ، فكان العنف في معظم المراحل عناوناً رئيسياً للمشهد العراقي بدل الأستقرار والبناء .
بعد 2003 لم يختلف المشهد ، بل اخذ منحاً خطيراً حينما رتبت الأمور بجهة الأستقطابات المذهبية وان المناصب والسلطة يجري توزيعها وفق المحاصصة الطائفية .
لم تنتهي يوماً العمليات الإرهابية بشتى اشكالها الدموية لكن يمكن الزعم ان وتيرتها قد خفت مقارنة مع السنين 2005 و 2006 ، وفي كل الأحوال بقيت مظاهر تقسيم مدينة بغداد مثلاً فلا زالت الحواجز الكونكريتية تتاخم المعالم البارزة في بغداد منذ 2003 م .
الأنتخابات وصناديق الأقتراع لم تكن حاسمة في إنهاء النزاعات على السلطة ، ففوز العراقية بالأكثرية لم يؤهلها لتحكم لتكن على رأس الحكومة ، بل كانت الأجتهادات والتحالفات على هامش النتائج هي التي قررت من يكون على رأس السلطة ، ومن هنا احتدم الصراع وزادت وتيرته ، لكن تدخل الجهات التي يهمها الأستقرار في العراق ، ومبادرة البارزاني ، كانت الكفيلة بإخراج العراق بعد تعلقه في عنق الزجاجة ، وانشرحنا لحلحة الأزمة السياسية وشكلت الوزارة بعد توافقات مارثونية صعبة .
لكن التوافقات الهشة كانت في كثير من مفاصلها مبنية على نظرية ( السكوت) على فضائح او فساد الآخر ، فالمصلحة الوطنية كانت آخر المراهنات بل يمكن الزعم انها مفقودة . إن اي خلاف او تلكؤ في العملية السياسية تكون مصاحبة لسلسة من التفجيرات الدموية إن كانت بأحزمة او عبوات ناسفة او لاصقة او بالسيارات المفخخة .
ليس بعيداً إن اخذنا اقليم كوردستان مثلاً ، فإن الخلافات مع الأحزاب الحاكمة تحل في داخل البرلمان او باجتماعات واتصالات جانبية او بمقاطعة اجتماعات البرلمان او الوزارة ، ولم نسمع ان اي طرف يستخدم العنف الدموي لحل معضلاته السياسية .
إن لغة العنف هي المفهومة بالعراق ، ومع الأسف ان المواطنين الأبرياء هم الضحايا ، اما الساسة فلهم سياراتهم الواقية ضد الرصاص ولهم حراسهم ، فيكون الضحية المواطن المسكين .
إن لغة العراق في تفضيل العنف هي السائدة ، وإن تقسيم العراقيين الى مجموعات كل منها يريد فقط ان ( يحود النار لكرصتة ) ومن بعدي فلا نزل قطرٌ . هكذه كانت ثقافة العراق في العصر الحديث فها هو المرحوم الملك فيصل الأول يكتب في مذكراته السرية (حنا بطاطو ، العراق ج1 ص44 ) :
(( أقول وقلبي ملآن أسى أنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد ، بل توجد كتلات بشرية خيالية خالية من اي فكرة وطنية متشبعة بأباطيل دينية ، لا تجمع بينهم جامعة ، سماعون للسوء ، ميالون للفوضى ، مستعدون دائماً للانقضاض على اي حكومة كانت ، نحن نريد والحالة هذه ان نشكل من هذه الكتل شعباً نهذبه وندربه ونعلمه ، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف ، يجب ان يعلم ايضاً عظم الجهود التي يجب صرفها لأتمام هذا التكوين وهذا التشكيل )) .
اجل لم يتبدل شئ جذرياً فالوطن مقسم بين ولاءات دينية ومذهبية طائفية ، وهي مرشحة للاستخدام بيد اي فريق لا يعجبه الوضع ولم تصله قطعة من الكعكة التي يريديها . وفي المرحلة العصيبة الراهنة نلاحظ تخبط العملية السياسية وكأن الساسة المتربعين على قمة هرم السلطة يسترخصون دماء الناس ويحلو لهم مشاهد برك الدماء والأشلاء المتطايرة ، حقاً انه توحش ودموية لا مثيل لها دون ان نلاحظ اي عقاب صارم لمرتكبي هذه الجرائم .
العراق اليوم تحوم في اجوائه السياسية مشاكل كبيرة ، انسحاب القوات الأمريكية والشكوك في قدرة وجاهزية القوات الأمنية العراقية ، الخلافات الحادة بين كتلتي العراقية ودولة القانون ، كتبت صحيفة تلغراف البريطانية تناولت الأحداث المتسارعة في العراق، منذ انسحاب القوات الأمريكية ، تحت عنوان: "تفجيرات العراق.. نوري المالكي يعلب بالنار عبر إضرام العنف المذهبي." وبدورنا نتساءل من يتحمل مسؤولية دماء الأبرياء .
هل من اجل المناصب يمكن ان نحطم الوطن ؟
إن كل المسؤولين ينطقون على الدوام بكلام فلسفي منسق وجميل في مواعظ ونصائح للوطنية والإخلاص للوطن وللشعب ، لكن كل ذلك ممكن بشرط ان لا يمس الكرسي الذي يجلس عليه فهنا الخطوط الحمراء حيث يذوب الوطن والشعب في بودقة المصلحة الشخصية او المذهبية هذا هو الواقع ، وفي العراق على مستوى المسؤولين توظيف كبير لمسألة الطائفية المذهبية هذا هو الواقع ، وما يقال عن مصلحة الوطن العراقي فإنه كلام الليل يمسحه واقع اللهاث وراء المصالح الخاصة .
الأخلاص للوطن مفقود بين الساسة الذين يقفون على رأس السلطة .
ولو كان هناك إخلاص ووفاء للوطن لما كان العراق لحد اليوم بعد تسع سنوات غارقاً في الظلام وغارقاً في الفاساد الإداري والمالي .
ولما كانت السدود الكونكريتية حاجزة بين ابناء الشعب الواحد في المدينة الواحدة وفي المحلة الواحدة .
ولما كانت بغداد تقبع في المركز 220 في اخر المدن التعيسة في العالم .
العراق بلد ممزق بكل معنى الكلمة ويتحمل وزر ذلك الحكومة العراقية والبرلمان العراقي والرئاسة العراقية . إنهم جميعاً شركاء في تمزيق الوطن وليس في إرساء دعائم بنائه .
حبيب تومي / اوسلو في 24 / 12 / 11
Opinions