الطموحات الآشـورية تتقهقـر أمـام الانتخابـات العراقيـة!..
لن نكشـف سـراً أو نعلن عن "مجالس الأمانات" إذا جاز التعبير بقولنـا: "إن نتيجـة الانتخـابـات كانت معروفـة سـلفـاً، لا سـيما المتعلقـة منهـا بممثلـي شـعبنـا الذين ترشـحوا للصعـود إلى الجمعيـة الوطنيـة العراقيـة (أي البرلمان العراقي)". فلا التنسـيق كان قائمـاً ولا التوافق كان ظـاهـراً!..وهنـا لا بـد من العـودة ولو قليـلاً إلى الـوراء للتذكـير أولا ولأخـذ العـبر ثانيـاً. فالتحضـير للانتخـابـات المذكـورة كان يسـير بشـكل متعـرج وغـير متوازن، حيث التكابر والتباهي والتعـالي وعـدم الاحـترام المتبـادل بين مؤسـسـات شـعبنـا (إلى ما هنالـك من صفات ونعـوت بعيـدة كل البعـد عن الشـعور بالمسـؤوليـة الوطنيـة والقوميـة تجـاه شـعبنا من دعـاة المسـؤوليـة والتمثيـل وتحقيـق الطموحـات ونيـل الحقـوق... ألخ.)، كل تلـك التصرفـات السـلبيـة واللعب بعواطـف الآشـوريين كانت بـاديـة من خلال اللقـاءات والتحضيرات والنشـاطات من قبل القيمين عليهـا (أي على الانتخابات). وبكـل أسـف، كـان كل طرف يتغنى على ليـلاه، فبدلاً من تكاتـف الجهـود وتوحيـد الطاقـات لمـا فيـه خـير القضيـة التي آمنـا بهـا جميعـا،ً تصرف البعض عكس طموحـات وتطلعـات شـعبنـا مما أدى إلى زيـادة حجم الهـوة فيما بين (المسـؤولين!) هناك (أي على الأرض)، فلم يتمكنـوا من إيجـاد "القواسـم المشـتركـة" فيما بينهـم، حتى لم يجـدوا ما يقرؤه عن رابط الـدم والتـاريـخ واللغـة والعـادات والتقـاليـد ضمن البيت الآشـوري الواحـد!... فانتبـه قسـم منهـم بأنهـم ذات تركيبـة مختلفـة عن إخـوتهم، بينمـا القسـم الآخـر لاحـظ أن المؤرخـين ومنـذ آلاف السـنين كانـوا على خطـأ في كل مـا كتبـوه، ونتيجـة لتلـك الاكتشـافـات أو الاخـتراعـات التي انوجـدت بسـحر سـاحر.. أدت ولو جزئيـاً أهـدافهـا إن كان من ناحيـة تزويـر التـاريـخ أو الهـويـة أو حتى الإنسـان (نتمنى أن نكون مخطئين). وأمـا السـبب لمثل هـذه الأخطـاء هـو نتيجـة تصرفـات أغلبيـة قيـادات شـعبنـا النابعـة من مصالحهم الضيقـة.
هـذا هـو الـواقع الأليم الـذي يعيشـه شـعبنـا، وأي تفسـير أو تلحيل غـير ذلـك، هـو في الحقيقـة تهـرب من الـواقـع والمنطـق وضيـاع في المجهـول. فلا مبادرات في مجتمعنـا ولا شـعور بالمسـؤوليـات ولا حتى اعـتراف بالأخطـاء. لم تتظافر الجهـود من أجـل الخـير كمـا تضافـرت اليـوم من أجل الشـر، فكان ضرب مقومـات وجـودنـا كشـعب وقضيـة وتاريـخ ولغـة وحضـارة الهـدف الأساس في كل تلك التحركـات، وكـأننـا بذلـك نقـول لأنفسـنـا: "نحن شـعب وإن أخطـأ، فلن يتراجـع عن أخطـائـه ولو كان ذلـك على حسـاب وجـوده!!!..".
بالرغـم من كـل المعاناة والمآسـي التي ألمت بنـا مؤخـراً، لم يصـار إلى طـرح مشـاريـع توحيديـة أو توافقيـة على الصعيـد الرسـمي من قبـل أيـة مؤسـسـة تابعـة لشـعبنـا، سـياسـية كانت أم دينيـة أم ثقافيـة أم اجتماعيـة وكـأن الأمـر لا يعنيهـا إطـلاقـاً، لا بل كل ما يعنيهـا هو التمسـك بمصالحهـا الظرفيـة، وأكثر من ذلـك نراهـا أمـام أي اسـتحقاق كبير أم صغير ترمي التهم في كل الاتجـاهـات لإبعـاد الشـبهـات التي تدور حولهـا وتهربـاً من مسـؤوليـة فشـلهـا، فيقولون بالتفاهم والتوافق والشـعب الواحـد والتاريخ المشـترك! أليسـت هذه الأقاويل بعيـدة عن المصداقيـة ولم تعـد سـوى تمنيـات أو تخيـلات يصعب تحقيقهـا بهـذه الطـرق أو السـبل الملتويـة؟!. إنهـا التراكمـات التي أدت إلى خلق أمـر واقـع جـديد على سـاحـتنـا الآشـوريـة إن كان من حيث التضارب في المواقف والاختلاف في الأولويـات أو من حيث النظرة المسـتقبليـة لشـعبنا وضمان حقوقـه القوميـة والسـياسـية، فبـدأ الشـك ينخـر جسـم معظـم مؤسـسـاتنـا في العـراق بشـكل لم يسـبقـه مثيـل، حيث انتشـر هـذا الخـلل أو سـوء التصرف والإدارة في السـلوك والنهـج من الداخـل إلى الخـارج (أي المهجـر)، فخـلال سـنوات لا تزيـد على عـدد أصابـع اليـد الواحـدة، تبنى قسـم كبير من أبنـاء شـعبنـا تحت أسـماء تنظيمـات سـياسـية وغير سـياسـية رؤى مسـتقبليـة جديـدة ونهجـاً مغايـراً لمـا كان يعتمـد ويعمـل بـه من قبل أو على الأقـل لمـا كان قائمـاً منـذ عشـرات لا بل مئـات السـنين دون اعـتراض من أي فريق. فبينمـا كانت النظـرة مسـبقـاً قائمـة على التمسـك والمحافظـة على التاريـخ والهـويـة واللغـة والحقوق الوطنية والقوميـة، انقلبت كل تلـك المواقف والالتزامـات بشـكل لا يتصوره العقـل ولا يقبلـه المنطق، فازداد التبـاين في وجهـات النظـر وأتت النتيجـة من قبـل هـؤلاء كمـا يبـدو كـرد فعـل للاحتكـار من قبـل البعض وللفشـل الـذريـع الـذي بدت بوادره تتظاهـر يومـا بعـد يـوم خاصـة عندمـا كان العـراق ومن ضمنـه شـعبنا ــ الأصيل المتجـذر ــ ينتقـل من اسـتحقاق إلى آخـر والنتيجـة كانت دائمـاً المزيـد من التقهقـر والانهـزام أمـام كل الاسـتحقاقات التاريخيـة والمصيريـة، حيث كان أصحـاب تلـك الشـعارات التقسـيميـة ينتهـزون الفرص للانقضاض على واقـع تاريخي عمره آلاف السـنين. نعم مواقف انفصـاليـة تقسـيميـة، لأن المرء دائمـاً يحكـم على الأمـور من خـلال نتائـجهـا، والنتـائج أتت سـلبيـة دون أدنى شـك، وأوصلت شـعبنا (بكل انتماءاتـه) إلى خسـارة على كـل الصعـد، فلم يخـرج أحـد منتصـراً، وأي انتصـار هـذا الـذي يسـجلـه الأخ على أخيـه (إذا كان هؤلاء فعـلا يشـعرون بالرابط الأخوي فيما بين بعضهم البعض)!..
وبالعـودة إلى قلـب الموضوع الذي نحن بصـدده ألا وهو نتائج الانتخابات العراقيـة الأخـيرة والتي كان يحضر لهـا كل أطياف العراق منذ عشـرات السـنين (أي منذ بداية عهـد الديكتاتورية التي قمعت الحريات وسـدت الأفواه وقتلت النفوس)، لم تأتِ بالمطلوب ولو بالحـد الأدنى ولسـنا بمقتنعـين أو راضين عليهـا. ومن غير المنطق والعقـل أن يدعي أي طرف أو فريـق بالفـوز أو الانتصـار، فمـا يعتبره البعض فـوزاً، ليـس إلا خسـارة بحجم كل التضحيـات التي قدمهـا أجدادنـا وآباؤنـا في أرض الوطن ــ بلاد ما بين النهرين ــ فالانجـازات التي يحصل عليهـا شـعبنـا في العـديد من المناطق أو الـدول التي يعيـش فيهـا لا تقـل أبـداً عمـا تم إنجـازه في العـراق، بالإضافـة إلى أنـه في تلك الدول تمكن شـعبنـا الواعي من المحافظـة على هويتـه وتاريخـه ولغتـه وحضارتـه وتماسـكـه، ولم يتأثر لكل ما تعرض لـه من ضغوطات وتهديدات داخليـة أو خارجيـة. بينمـا في العراق، اختلف القيمين على الشـأن الآشـوري العـام على الهويـة والتاريخ وكـاد أن يخسـر مقومـات وجـوده أيضـاً، في حين تمكن شـعبنـا وعلى مـر آلاف السـنين من المحافظـة على هويتـه ووجـوده القـومي بالرغم من كل محاولات الإبادة والقتـل والتنكيل والتشريد والتفتيت التي تعرض لهـا كونـه وقتئـذٍ كان متماسـكاً من الداخـل ويواجـه عـدوا أو أعـداءً من الخـارج، لكن المسـألة اليوم مختلفـة عن السـابق!..
فمـا كان منتظـراً في العـراق من حيث الحقوق والتماسك والتفاهم ضمن البيت الآشـوري الواحـد، أكـبر بكـثير ممـا حصـل، إذ لا مجـال للمقـارنـة نظـراً لمـا لشـعبنـا من تاريـخ مشـرف ومشـرق وجـذور متواصلـة من عمـر الزمـن، فتضحيـات شـعبنا وعلى مر التاريـخ كانت بحجـم الـوطن أضعـاف المرات وليـس بحجم نائب هنـا وآخـر هنـاك وكلاهمـا يتلون حسـب مصالحـه الآنيـة!.. فلا اتفاق ولا تفاهم ولا تفاؤل بالغـد القريب.
أيـة حريـة في الرأي أو ديمقراطيـة في التعبير أو نيل حقوق يتمكن هـذا النائب أو ذاك من إيصالهـا لشـعبنـا؟، سـيما أن الرافعـة الكرديـة أو أيـة رافعـة أخرى أوصلتـه إلى البرلمـان.. فأي اختلاف أو عدم إظهـار الطاعـة لصانعيهم سـوف تحرم هؤلاء السـادة (النواب!) من الصعـود مجـدداً إلى البرلمـان المذكـور!.. والحق هنـا يقـال، أن كل قوميـة أو مجموعـة عملت ولا تزال لخدمـة قضيتهـا، وهـذا عين الصـواب، بينمـا القوميـة الآشـوريـة الوحيـدة كانت الخاسـر الأكبر في كل ما جرى ويجري في العـراق.