العار كلمة ثقيلة يجب التخلص منها بسرعة وإلى الأبد
لا يوجد إنسان يستمر ناجحا على طول الخط ولا يقظا دائما في كل رحلاته الروحية والجسدية أو منزها عن الخطأ في تجاربه الحياتية الواسعة ومهما كانت درجة استعداد كل واحد من العائلة البشرية عالية في السيطرة على سلوكه وتصرفاته وفي مقاومته للانحراف في ذلك السلوك يبقى دائما معرضا للوقوع في أخطاء ولا يكون محصنا أمام دائرة الفشل التي نقع فيها أكثرنا بعد أن نخوض تجربة ما أو نخرج من موقف معين ولكن إلى أي مدى يستفيد كل واحد منا من ذلك الخطأ ذلك يتوقف على الاستثمار الشخصي لكل إنسان للمعروض أمامه من إخفاقاته الشخصية والمتاح من طاقات يمكن أن تستغل لتغطية ذلك الإخفاق لأننا بصراحة كبشر نكون فاشلين على الأقل في باب معين أو عنوان من عناوين الحياة حتى لو مثل ذلك العنوان واحد في المائة من مجموع الأنشطة التي نكون فعالين فيها وفي أحيان كثيرة قد يكون الإخفاق في مجال معين بمثابة الوقود المحرك للإنسان لكي يندفع إلى الأمام ويستفيد من تجربته التي قد يعتبرها مشينة أو مخجلة في توجهاته القادمة وقد سمعنا كثيرا وقرأنا عن العباقرة والعظماء والمميزون في التاريخ الذين اشتركوا أكثرهم في نقطة معينة هي فشلهم في مجال حيوي من مجالات الحياة واستطاعوا بذكائهم تحويل هذا الفشل الدائم إلى نجاحات باهرة في مجالات أخرى من خلال تفعيل نوع من العلاقة الخاصة بين الجانبين تنص على حقيقة موجودة في حياتنا جميعا ألا وهي (( فاشل في مكان مع وقف التنفيذ وناجح في مئة مكان أخر ولكن بجدارة )) وعليه فان أفضل مساعدة يمكن أن يقدمها أي إنسان لنفسه هي التحرر من كلمات ثقيلة مثل السقوط – والفشل – والعار – والعقاب وغيرها من مصطلحات التهويل التي يسقيها مجتمعنا للبسطاء وتحول دون خروج الفاشل من حدود تجربته الخاسرة حتى لو كانت لأول مرة والنتيجة ترى الكثيرين يلجأون في معالجة إخفاقاتهم إلى الشعوذة والدجل والإدمان وقد توصلهم الكآبة واليأس إلى الانتحار أو الموت البطيء وهي مراحل يمكن تجاوزها لو أدرك الإنسان بأنه مخلوق ضمن سياقات نعتبرها خطأ غير كاملة أخلاقيا مع علمنا المسبق بأننا كائنات معرضة للخطأ بطبيعتنا البشرية الضعيفة والقوية في أن واحد وعلى هذا الأساس يمكن أن نتفهم أسباب ضعفنا أحيانا سواء أمام الغريزة أو المغريات ويبقى مدى انجرار كل واحد وراء رغباته مرهونا بالطريقة التي نشأ فيها وقدرته على استعمال أنواع معينة من مضادات الوقوع في الخطأ موجودة في أي إنسان ولكننا نختلف في درجة تفعيلنا لتلك المضادات ولكن مهما كانت التجربة قاسية والخطأ كبيرا يبقى الإنسان معرضا للخروج منها كإنسان وليس كملاك ولا ينبغي أن نشعر بالخيبة لمجرد إخفاقنا لأن ذلك الشعور سيجرنا إلى المزيد من الفشل وإذا كنا نحن أول من سيشعر بالعار فبالتأكيد ستكون الخطوة التالية هي البحث عن مهدئات تنسينا ذلك الشعور ولا تنقذنا منه بشكل مطلق وكذلك الحال بالنسبة للمجتمع فبالرغم من التطور الذي حدث في مفهوم الخطأ والصح في تصرف الإنسان لا زالت الكثير من المجتمعات تعاقب مقترفي الأخطاء بقسوة سواء كانت طريقة العقاب تلك بكلمة جارحة أو بنظرة تحقير علما بان كل فرد في ذلك المجتمع قد يكون مشتركا مع صاحب الموقف المستهدف بأكثر من خاصية أو تجربة من نفس الخطأ الذي وقع فيه ما نطلق عليه في العادة ظلما (( العار )) تلك الكلمة القاسية التي تمثل أحيانا حكما بالموت أو ما هو أكثر من ذلك لأفراد ينتمون إلى حضيرة الإنسانية ويستحقون أن تساعدهم مجتمعاتهم على مواجهة أخطائهم والتغلب عليها بدل تركهم وحيدون أمام عواقب الفشل الوخيمة وفي مواجهة مصير غامض ومؤلم ليس لأنهم انتهكوا القانون أو تحدوا شرائعهم الدينية وألقوها جانبا بل لأنهم عاشوا لدقائق تحت عنوان ضعفهم الإنساني وفي ظل الكثير من التعليمات الدينية التي تتفهم سلوك الإنسان وتبيح له العودة عن حياة الخطأ بعكس العرف والتقاليد الاجتماعية التي لا ترحم في الغالب وتقتصي من الفاعل أو الجاني حتى لو كان خطأه مقترفا بحق نفسه وتحوله القسوة الاجتماعية التي يجابه بها إلى مجرد أطلال بعد أن يثار حوله من الكلام ما يكفي لبناء أسوار عالية تبقيه معزولا عن محيطه أو قد يرتكب بحقه أشنع الجرائم بأيادي ربما تحمل آثاما وذنوبا أكبر بكثير من تلك التي أقترفها العار . هذه الكلمات لا تتعدى أن تكون دعوة جادة لكي يعيد مجتمعنا النظر في مواقفه من أبنائه وبناته على أساس كون الإنسان قيمة أكبر من الخطأ لا يجب أن ينتهي اجتماعيا بزلة لسان أو بكلمة نعتبرها رجولية أو لأن قدمه زلت عن الطريق أو حتى قلبه وروحه أو جسده فهذه ليست النهاية والحكيم هو من يبحث عن الخروف الضال عله يجده بين الصخور المستعصية على الذئاب لأن أساس الخطأ بكل أنواعه هو الضعف وبطل قصة الخطأ تلك لا يحتاج إلى المزيد من الأنياب والسكاكين بل إلى الرحمة والشفقة والكلمة الطيبة والخلود دائما وأبدا هو لمن ينقذ قيمة إنسانية وليس لمن يدمرها وعليه لا يوجد سبب وجيه واحد لتبقى مجتمعاتنا متشبثة بمثل هذه الظواهر التي أصبحت مرفوضة عالميا لأنها تتقاطع مع حقوق الإنسان ولأنها عادات قديمة بالية نستحدثها اليوم دون مبرر ونعمق من خلالها ثقافة الخوف بين الناس عندما تسمع من البسطاء وصفا عن المواقف المتبناة تجاه العار بأنها للعبرة والدرس دون مراجعة للقسوة المتبعة في تلك العبر والرحمة المفقودة في قراءة المجتمع للإنسان المنحرف أو الخارج عن المألوف متناسين بأنه قد يكون مريضا بحاجة إلى الحب أو حزينا في انتظار تغيير ما أو وحيدا في مواجهة ميزانه المختل بين تطلعاته ورغباته وبين المطلوب منه كفرد في عائلة ومن ثم في مجتمع معين وذلك المجتمع مطالب اليوم باستبدال كلمة العار بالكثير من الكلمات المعاكسة التي تساعده على العودة إلى حياة طبيعية سليمة بدل الانقضاض عليه وتدميره وكأنه انتهى من قاموس الإنسانية مع علمنا المسبق بأن خطأ واحد أو حتى الكثير من تلك الأخطاء لا يكفي ولا يبرر طرده من ذلك القاموس.عصام سليمان – تلكيف .