Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

العدل






العدل هو الفضيلة الأولى في نظام المجتمع ومؤسساته، كما ان الحقيقة هي الفضيلة الأولى في نظام الفكر وتطلباته. نعلم أن اي نظريّة، مهما كانت متالقة وجذّابة ، يجب رفضها أوأعادة النظر فيها، إذا تبين أنها مناقضة للحقيقة.

كذلك أي نظام اجتماعي، مهما كان فعالاً، يجب إصلاحه أو إزالته إذا تبين أنه مناقض للعدل. وهذا القول يصح في أنظمة المجتمع ومؤسساته العامة كما يصح أيضاً في علاقات الناس بعضهم ببعض داخل المجتمع. ان العدل مرتبط بصميم وجود الإنسان داخل المجتمع. والعدل فضيلة يعترف المرء بالإنسان الآخر العائش معه في المجتمع وبما له من حقوق اعترافاً ثابتاً ودائماً. إنه ليس مجرد عمل عابر، بل هو فضيلة، أي إنه موقف داخلي ثابت يتخذه الإنسان عن اقتناع ويعمل على تحقيقه في جميع علاقاته بالناس.

يبنى العدل إذن على الاعتراف بالإنسان وبما له من حقوق. وحقوق الإنسان تنتج من كونه إنساناً، أعني كائناً روحياً يحمل في ذاته غاية عمله، وهو مدعو إلى تحقيق كماله الذاتي تحقيقاً حراً. كل إنسان هو غاية في ذاته. ومن ثم لا يجوز أن يكون بعض الأفراد مجرد وسيلة لاكتمال البعض الآخر.

كما لا يجوز بأن يُضحى بحرية بعض الأفراد في سبيل تعزيز حرية غيرهم. والكتاب المقدس يؤكد ان الناس كلهم أشخاص خلقهم الله على صورته ومثاله. فهم إذن، بسبب صورة الله فيهم، متساوون في الحقوق الأساسية العائدة للشخص البشري، وتلك الحقوق الأساسية لا يمكن أن تخضع لأيّة مساومة. والعدل هو الفضيلة التي تضمن تحقيق تلك الحقوق الأساسية لجميع الناس.

من خصائص الإنسان أنه ( شخص )، وتعني هذه اللفظة أنه كائن يشخص إلى الائنات الأخرى، أي يلتفت إليها ويتوجّه نحوها ويرتبط بها. ولكنّ الارتباط بالآخر ليس بالأمر السهل.

فالعلاقة بين الناس تنطوي دوما أمرين متناقضين، فمن جهة يعيش الأشخاص جنباً إلى جنب، وهذا يفتح أمامهم مجال التعاون، وكل تعاون في المجتمع تنتج عنه حياة أفضل ممّا لو كان كل فرد عائشاً وحده ومضطراً إلى أن يبني ذاته بمفرده.

ولكن ارتباط الأشخاص بعضهم ببعض ينجم عنه من جهة أخرى تصارع المصالح، إذ يسعى كل شخص إلى الحصول على أكبر قدر من المنافع المتأتية من وجود الآخرين. فمن شأن العدل أن يحل هذا التناقض بتوزيع منافع الوجود معاً في المجتمع على جميع الناس، بحيث يُعطى كل ذي حقّ حقَّه .

لا يستطيع الإنسان أن يبني ذاته ويبني العالم إلاّ مع غيره من الناس. وفي هذا البناء، بناء الذات وبناء العالم، الناس هم في الوقت عينه معاونون بعضهم لبعض وحملٌ ثقيلٌ بعضهم على بعض.

والعدل وحده بإمكانه أن يجمع بين هذين الأمرين المتناقضين، فيحمل الناس على التعاون معاً في قبول الآخر والاعتراف بحقوقه، ليصلَ كل إنسان إلى إنماء كيانه، لذلك يبدأ العدل عندما يعتبر كلّ إنسان الآخر مساويّاً له في الكرامة الإنسانية وفي ما ينتج عنها من حقوق وواجبات.

الراهب آشور ياقو البازي




Opinions