العراق يعلن تفعيل قانون الضمان الصحي لتحسين الواقع الطبي.. ما فرص نجاحه؟
الجزيرة نت - قطر.
بعد سنوات من تردي الواقع الصحي وتأثيره في حياة العراقيين، مع نقص الخدمات الصحية والافتقار للبنى التحتية والأدوية والأجهزة الطبية، أعلنت وزارة الصحة -الأسبوع الماضي- إطلاق استمارة الضمان الصحي، في خطوة وصفت "بالمهمة" نحو تطبيق قانون الضمان الصحي.
وكان البرلمان العراقي أقر قانون الضمان الصحي أكتوبر/تشرين الأول 2020، الذي يضم 12 فصلا و44 مادة، مع إلزامية تطبيقه في غضون 6 أشهر بعد المصادقة عليه في فبراير/شباط 2021 من قبل رئيس الجمهورية السابق برهم صالح.
ولم تفلح البلاد في تطبيق القانون ضمن المدة القانونية، بسبب الأزمات التي شهدتها طوال تلك الفترة مع عدم إقرار الموازنة العامة، وتعطل تشكيل الحكومة لأكثر من عام بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2021 وحتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبعد دخول قانون الضمان الصحي حيز التنفيذ والبدء بإجراءات تطبيقه، تطرح العديد من التساؤلات عن مدى إمكانية تطبيقه فعليا، وعن أهم المزايا التي سيوفرها القانون للعراقيين.
تفعيل الضمان الصحي
وكان وزير الصحة العراقي صالح الحسناوي أعلن -الأسبوع الماضي- إطلاق استمارة الضمان الصحي في البلاد، قائلا "إن القطاع الصحي يعد أحد أهم برامج الحكومة وأولوياتها، وإن هناك 5 برامج مهمة، على رأسها تطبيق قانون الضمان الصحي"، مضيفا أن القانون يهدف لحماية المواطن من الإنفاق غير المستطاع على الخدمات الصحية من خلال مساعدة الدولة ومشاركتها بجزء من قيمة وكلفة الخدمات التي يتلقاها المواطن في القطاع والأجنحة الخاصة التابعة لوزارة الصحة.
وبيّن الحسناوي في مؤتمر صحفي -حضره مراسل الجزيرة نت- أن "تكلفة العملية الجراحية الواحدة بالقطاع الخاص قد تبلغ 5 ملايين دينار عراقي (نحو 3450 دولارا) يدفعها المواطن في المستشفى الخاص، إلا أن المشترك بالضمان الصحي وهيئة الضمان سيدفع نسبة لا تتجاوز 25% من قيمة العملية، وأن الحكومة -من خلال صندوق الضمان- ستتكفل بقيمة 75% من قيمة العملية، وهو ما يحدث لأول مرة في البلاد".
وبشأن المشمولين بالقانون، من المنتظر أن تسري أحكامه على العراقيين والأجانب المقيمين داخل البلاد، بالنظر إلى أن القانون كفل ذلك من خلال الاشتراك الإلزامي بالتأمين الصحي عبر شركات التأمين المجازة والمعتمدة لدى هيئة الضمان المعنية بتطبيق القانون، في حين أشار الوزير إلى أن "هناك فئات محمية بالكامل، ومن ضمنهم المشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية، حيث سيتكفل صندوق الضمان الصحي -الذي يمثل الحكومة العراقية- بكافة الخدمات الطبية".
آلية تطبيق الضمان الصحي
وتابع الحسناوي أن الحكومة عازمة على تنفيذ القانون، إذ ستبدأ وزارته هذا العام بإطلاق الاستمارة الإلكترونية للتسجيل على الضمان الصحي وأن ما بين 250-300 ألف مواطن سيتم تسجيلهم هذه السنة، مبينا أن العام الحالي سيكون للتشغيل التجريبي، وأن الموظف الذي يشترك بنسبة 1% من راتبه الشهري سيكون مشمولا بالضمان، إضافة إلى زوجته وأبنائه (دون 18 عاما) ووالديه من غير الموظفين، على حد قوله.
ولمزيد من التفاصيل، أوضح المتحدث باسم هيئة الضمان الصحي إيهاب عبد الكريم خلف -في حديثه للجزيرة نت- أنه سيتم تطبيق القانون بشكل تدريجي، وأن الفئة المستهدفة الأولى ستكون العاصمة بغداد حصرا، مبينا أنه تم تحديد جهات معينة من الرئاسات الثلاث والوزارات ليتم شمولها بداية تطبيق القانون، إضافة إلى نحو 100 ألف شخص من المشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية.
من جانبها، أوضحت عضوة لجنة الصحة بالبرلمان العراقي، أسماء العاني، أهم بنود القانون ومراحل تطبيقه بالقول "قسمت الإجراءات لـ3 مراحل، إذ إن المرحلة الإلزامية تشمل كافة موظفي الدولة، فيما ستكون اختيارية بالنسبة للمتقاعدين وبقية فئات المجتمع، حيث سيمنح المشمولون بالضمان بطاقة خاصة بذلك، وإن الخدمات الطبية ستقدم بعد مرور 6 أشهر من تاريخ التسجيل".
وفي حديثها للجزيرة نت، أوضحت العاني أن ذلك سيجري بالتزامن مع تحويل المؤسسات الصحية للعمل بالنظام المحاسبي الموحد مع زيادة أعداد الأطباء في مجال طب الأسرة والعمل بنظام الإحالة، لافتة إلى أن المرحلة الثالثة ستضم جميع العراقيين في هيئة الضمان الصحي مع حصولهم على بطاقة الضمان، حسب قولها.
التكلفة والفئات المشمولة
وفي ما يتعلق بأجور الاشتراك، أشارت العاني إلى أنها ستكون بين 10- 50 ألف دينار بما يعادل (7-32 دولارا) شهريا، وذلك حسب الدرجة الوظيفية للموظف، أما القسط الشهري فلن يتجاوز 1% من الراتب الكلي للموظف، وأن هناك عديدا من الفئات التي ستُعفى من دفع الاشتراك الشهري كالمشمولين بنظام الرعاية الاجتماعية وبعض المصابين بالأمراض المزمنة.
في السياق، قالت عضوة الفريق الإعلامي لوزارة الصحة ربى فلاح -في اتصال مع الجزيرة نت- إن الفئات المعفية من دفع الاشتراك الشهري هم المشمولون بنظام الرعاية الاجتماعية، والمصابون بأمراض السرطان والأمراض النفسية وأمراض الدم الوراثية وعجز الكلى، والعوق الجسدي والذهني وداء التوحد، إضافة لمعاقي جميع فئات القوات الأمنية، والذكور من غير الموظفين، فضلا عن المتقاعدين ممن تتجاوز أعمارهم 60 سنة، والإناث من غير الموظفات والمتقاعدات ممن تتجاوز أعمارهن 50 سنة، إضافة إلى الأطفال دون سن الخامسة.
وعن تنفيذ القانون، أوضح نقيب الأطباء العراقيين جاسم العزاوي أنه سيبدأ بعد إكمال مؤسسات الضمان والبيانات والمستلزمات الإلكترونية، حيث سيتم تزويد المواطنين ببطاقة إلكترونية تستخدم في عيادات الضمان ضمن ضوابط محددة، لافتا إلى إمكانية مراجعة المشمولين بالبطاقة الصحية عيادات الضمان الصحي، وأن قسما من هذه العيادات سيكون تابعا للقطاع العام وبعضها للخاص، مع إمكانيات طبية متساوية بين القطاعين، وهو ما ينطبق على المختبرات والصيدليات، حسب قوله.
تحديات وصعوبات
ورغم ما تقدم، فإن العزاوي -في حديثه للجزيرة نت- لا يخفي وجود صعوبات وتحديات حقيقية تعرقل العمل بالقانون وتطبيقه، مشيرا للحاجة إلى جهود تثقيف طبي وإعلامي بالقانون، وأن على الحكومة تهيئة متطلبات القانون ومشاركتها في التمويل اللازم، مبينا أن التنفيذ سيكون على 3 مراحل أو إجراءات؛ لافتا إلى أن المرحلة الأولى بدأت قبل أيام، وأن جميع الإجراءات ستنتهي في غضون 5 أعوام، بحسبه.
وتتفق مع هذا الرأي أسماء العاني التي تضيف أن "من جملة التحديات التي ستواجه تنفيذ القانون ضعف قواعد بيانات الفئات المستهدفة، فضلا عن ضعف الحوكمة الإلكترونية وتحديد حجم الفئات المستثناة، وحجم الفجوة المالية المتوقعة بداية تطبيق القانون وضعف نظام الاعتمادية، وفق المعايير الدولية لعمل المؤسسات الصحية الحكومية والقطاع الخاص وحجم النشاط والسيطرة على آلية الدفع في القطاع العام والخاص".
مزايا الضمان الصحي
وفي ما يتعلق بالمزايا التي سيوفرها قانون الضمان الصحي، أشارت العاني إلى تأمينه التغطية الصحية الشاملة للمشتركين في القانون مع تحقيق مبدأ العدالة والتكافل الاجتماعي، فضلا عن تقليل الأعباء المالية على المواطن والحد من الفقر، وتعدد مصادر تمويل القطاع الخاص وخلق بيئة جيدة للتنافس.
وأضافت أن القانون سيسهم في تطوير أداء العاملين والمؤسسات الصحية في القطاعين العام والخاص مع تحسين جودة الخدمات الطبية المقدمة من خلال تنظيم العمل في القطاع الصحي والمنافسة في تقديم الخدمات الطبية، وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في مجال الخدمات الصحية.
أما عن الأسباب الموجبة للقانون، فقد بينت أنها تتمثل في قلة موارد تمويل النظام الصحي وقلة الموارد البشرية ذات الكفاءة، فضلا عن مشكلات البنى التحتية غير الكافية من مستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، وعدم توفر الخدمات الصحية التي تتوافق مع حاجة المرضى، لافتة إلى أن القانون سيضمن خفض تكاليف الرعاية الصحية التي يتحملها المريض العراقي.