العراق بين حب أهله المتنافرين وبغض أعدائه المتحالفين
لا يختلف اثنان على ان التحدي الأكبر الذي يواجه عملية التغيير ويعرقل مسيرة الاعمار والبناء ويكاد يشل الحياة اليومية للمواطن هو الارهاب بكل مسمياته وتنوع أساليبه وبكل تخبطه وعماه الذي ترجمه ميدانيا بعدم استثناء أي طرف من الأطراف أو تجاوز جهة من الجهات أو محاباة طيف من الأطياف بعدما باءت بالفشل والخذلان والنكوص محاولاته العديدة وسلوكياته المشبوهة في اثارة الفتن الطائفية بتصنعه الميل الى شريحة على حساب شرائح المجتمع العراقي الموحد خبثا وزورا وبهتانا ولذا اندفع بجنون هستيري مستهدفا العراق بكل رموزه وحضارته ومعالمه التراثية بعدما أوغل في دماء العراقيين بلا استثناء. وتأتي جريمة تفجير جسر الصرافية وقاعة البرلمان العراقي شاهدا حيا ودليلا قاطعا على ان الارهاب لا يستثني احدا، وانه يستهدف العراق شعبا ورموزا وحضارة. ففي الوقت الذي خطط المجرمون لعزل جانب الكرخ عن الرصافة وتقطيع أوصال مدينة بغداد من خلال استهدافهم تفجير جسورها وأولها جسر الصرافية الذي يراه البغداديون رمزا ومعلما بغداديا تراثيا، عمدوا الى تصفية كل الشخصيات الوطنية التي انتظمت في العملية السياسية لخدمة البلاد واخراجها من أزمتها السياسية من خلال استهداف البرلمان العراقي. وعلى ضوء هذين العملين الخسيسين نرى كيف كشف المجرمون عن وجههم القبيح والمتمثل ببغضهم وحقدهم على العراق وأهله دون استثناء. واذا كان جسر الصرافية يمثل العراقيين جميعا، وحمل أقدامهم المتعبة طيلة هذه السنين دون تمييز ودون شكوى وملل، فان البرلمان هو الآخر حمل هموم العراقيين في أحلك وأصعب مرحلة يمر بها العراق وشعبه الصابر محاولا العبور بالعملية السياسية الى بر الأمان، ومثلما وقف العراقيون على طرفي دجلة الخير وأعينهم تفيض بالدمع وهم ينظرون مبهوتين الى جسر الصرافية وكأنه فارس معركة مجندل في ساحة الوغى. تابعوا أحداث شهداء وجرحى ممثليهم الذين طرحوا في المستشفى حتى لا تكاد تميز عربيهم عن كرديهم عن مسلمهم عن مسيحيهم عن شيعيهم عن سنيهم.واذا تجاوزنا عملية البحث والنقاش والتقصي ووضع ألف علامة استفهام وتعجب على خطورة وطريقة وأسلوب حصول هذا الخرق الأمني الفاضح، واذا أغفلنا وقع هذين الحدثين على المواطن الذي أصيب بالاحباط وهو يرى وصول المجرمين الى أحس النقاط وأدق المفاصل والتي لا يجد لها عذرا ولا مبررا كما هي الحال في اختراق الأسواق والشوارع والأهداف المكشوفة. واذا استثنينا حصول هذين الحدثين الفضيعين خلال فترة تنفيذ خطة بسط القانون.. اذا تجاوزنا وقفزنا على كل تلك الوقائع وغيرها فليس باستطاعتنا انكار ان تلك الفجيعتين صارتا عامل توحيد وكشف غطاء وبيان الصبح لذي عينين. وعليه يتوجب على الجميع البدء بعملية كشف حساب جديد مع الارهاب بكل مسمياته، والذي يقع على المسؤولين- قبل المواطن البسيط- معرفته هو ان العملية السياسية بكل مفرداتها لا يمكن ان تتحقق وان المصالحة الوطنية لا يمكن ان تتم طالما هناك فعاليات وأنشطة تخريبية تحت أي مسمى. واذا كان معظم الأخوة النواب في البرلمان العراقي الوطني وكل المسؤولين في الحكومة قد ثبتوا بوضوح تام أهداف العمليتين الخطرتين وأكدوا على انهما مدعاة لمزيد من التلاحم والتآزر بين كافة الأطياف، فهم مدعوون الى العمل الجاد ضد هذا العدو المشترك بترك "المنطقة الوسطى" بين الجنة والنار، بين الايمان والكفر.. ليس مع أو ضد!. بعدما جربوا على أرض الواقع عدم جدوى المهادنة وغض الطرف مع هذا النوع من السعار الذي لم يكتف بعظ الآخرين بل تعداهم وأخذ يعظ كل ما وقعت عليه عينه ووصلت اليه مخالبه.
اذا كان الحقد على العراق وشعبه الصابر قد وحد عصابات الارهاب والجريمة المنظمة بكل شراذمها- وان اختلفت أهدافها ونواياها واهواءها ومشاربها- فمن باب الأولى ان يوحد حب العراق قياداته الوطنية بكل فصائلها المناضلة.